رئيس التحرير
عصام كامل

تسجيلات الرؤساء.. تسريبات عبد الناصر تكشف المسكوت عنه.. فى أحاديث الغرف المغلقة لحكام مصر.. شقرة: قانون الوثائق الصادر عام 1954 هو الضابط الوحيد.. وسلامة: لغز يكتنفه الغموض

عبد الناصر
عبد الناصر
18 حجم الخط

فى عالم السياسة، حين يغلق الباب، لا تتوقف الكواليس، هناك فى الغرف المغلقة التى تصاغ فيها القرارات، يتحدث الزعماء بما لا يجوز البوح به أمام الميكروفون، وأبرز مثال على ذلك، تسريبات الرئيس جمال عبد الناصر، التى فجرت حالة من الجدل على مواقع التواصل الاجتماعي خلال الأيام القليلة الماضية، وأحدثت صدمة فى وعى أجيال، تربت على صورة الزعيم الصلب، الذى كانت كلماته عن «الحرية» و«الكرامة» كفيلة بتسكين جرح الأمة.

نبرة مختلفة تماما

ورغم الكلفة الكبيرة لمواقف عبد الناصر وخطه المتشدد من الصراع العربى الإسرائيلي، أيده الملايين، تمسكا بحلم لم يتحقق، قبل أن تحدث المفاجأة بعد أكثر من نصف قرن، وظهور عبد الناصر بصوته فى تسريبات نادرة، أذاعتها قناة على يوتيوب تحمل اسمه، كان آخرها حديثه عن الأطراف المتنازعة فى اليمن، موضحًا كيف أراد كل طرف إبقاء الصراع مشتعلًا، مهما بلغت التكلفة، سواء أنصار النظام الملكى أو الداعمين للتحول إلى جمهورية، والجبهة الأخيرة كانت تحظى بدعم ناصر الكامل، حتى غاصت مصر فى مستنقع أنهكها ماليًا وعسكريًا وبشريًا.

كما سربت مكالمة بينه وبين الزعيم الليبى الشاب آنذاك «معمر القذافي» بعد هزيمة 1967، عبر فيها ناصر بنبرة خافتة لكنها حادة عن قبوله بمبادرة روجرز، لا حبًا فيها، بل حسب وصفه «عشان نلحق نعيد بناء الجيش من تاني»، وجاء ذلك خلال جلسة مباحثات عقدها مع القذافي، ويؤكد أغلب الباحثين والتغريدات التى أعادت نشر التسجيل إنه قد يعود إلى شهر أغسطس من عام 1970، أى قبل أسابيع قليلة من وفاة عبد الناصر فى 28 من سبتمبر من نفس العام.

أسلوب التسريبات البعيد عن الخطب النارية المعتادة لعبد الناصر أحدث صدمة لدى أنصاره، فالزعيم الذى قال «ارفع رأسك يا أخي» وصاحب المدرسة الناصرية التى امتدت من المحيط إلى الخليج، بدا فى هذه التسريبات أكثر واقعية، بل وسخر أحيانًا من قيادات عربية كادت تبتلع حلمه القومى ووجه انتقادات شرسة لقيادات وحكومات سوريا والعراق والجزائر، وبعض المنظمات الفلسطينية، وقادة الأحزاب العربية وقتها، ورد على هجومهم وانتقاداتهم لمصر بهجوم مضاد، وطالبهم بدلا من المزايدة عليه فى المواجهة مع إسرائيل، دون تدخل منهم.

رغبة فى السلام

كشف التسريب عن رغبة الرئيس عبد الناصر فى السلام والحل السلمى لاستعادة الأرض العربية وليس بالحرب مع إسرائيل، وهو ما سار عليه خلفه الرئيس الراحل أنور السادات، لذا فى المكالمة المسربة تعامل عبد الناصر مع القذافى بحنو الأب وحذر السياسي، شجعه على النضال، لكن فى الوقت نفسه حذر من اندفاع الشباب، وسخر بشكل ناعم من الحماسة غير المدروسة.

لا قديس ولا طاغيةَ!

وحسب خبراء، فإن هذه التسريبات لا تدين “ناصر”، لكنها تخلع عنه هالة القداسة، وتقدمه كرئيس يناور، يزن كلماته، ويتحرك بحسابات معقدة وسط عالم يتربص بمصر، كما لا تظهر التسريبات عبد الناصر كطاغية كما رآه خصومه، ولا قديسًا كما أراده أنصاره، بل رجل دولة يتأرجح بين الحلم والخذلان، بين الكرامة والواقع، فلم يكن صوته فى التسجيلات صوت مبرر أو مخادع، بل صوت رئيس منهك من هزيمة عسكرية، يبحث عن موطئ قدم وسط توازنات مريرة فى المنطقة والعالم، خاصة أن التسريب لم يخرج من جهة تحاول زعزعة صورة الزعيم لدى الجماهير، لا سيما بعد تسابق الجهات ومنها مكتبة الإسكندرية للرد سريعا بيبان حول التسريب، وخروج عبد الحكيم عبد الناصر نجل الرئيس الراحل للرد.

وأفادت تقارير صحفية بأن مكتبة الإسكندرية أعلنت فى بيان لها، أنها “غير مسئولة عن أى مواد متداولة عبر وسائل الإعلام، ووسائل التواصل الاجتماعي، تخص الرئيس الراحل جمال عبد الناصر بخلاف الموقع الرسمى له”، والذى كان نتاج تعاون منذ العام 2004 بين المكتبة و”مؤسسة جمال عبد الناصر”، برئاسة ابنته هدى عبد الناصر.

ونفت المكتبة “مسئوليتها عن أى محتوى تم نشره عبر قنوات التواصل الاجتماعي، وعن أى مزاعم تشير إلى ملكية المكتبة لهذه الصفحات”، مؤكدة أنها “لا تتبنى أو تروج لأى محتوى لا يتماشى مع مهمتها الأكاديمية والبحثية، معلنة التزامها بأعلى معايير المهنية فى التعامل مع التاريخ السياسي”.

السادات.. المخرج لا يحتاج إلى كواليس

أما أنور السادات، فلم يعرف له تسريب واحد يناقض مواقفه، ربما لأنه كان يعرف متى يتكلم، وكيف، وأين يقف حين يتكلم، وإدراكه لقوة الصورة جعله يتحكم فى المشهد بالكامل، لذا لم يخلّف وراءه تسجيلات محرجة، لأنه كان يختار مسبقا كل زاوية وكل كلمة.

فى عام 1971، ظهر السادات فى تسجيل نادر وهو يشاهد حرق تسجيلات سرية فى رسالة رمزية لطى مشكلات الماضي، قبل أن يعلن أن 99% من أوراق اللعبة بيد أمريكا، ويزور إسرائيل لا خفية بل تحت فلاشات الكاميرات، حتى صدامه مع خصومه اليساريين جاء موثقا بتسجيلات ومذكرات استخدمها لتبرير حملة سبتمبر 1981.

وكتب السادات نهايته بنفسه على الهواء حتى لا يترك فرصة لأى تسريبات لاحقة، حين اغتيل فى المنصة سمع العالم صراخ احد المرافقين «الرئيس أصيب»، ليسدل الستار بنفسه ودون تدخل من أحد.

مبارك.. زعيم الصمت والتسريبات الرمادية

أما الرئيس الأسبق حسنى مبارك، فكان زعيمًا يجيد الصمت أكثر من الخطابة، يفضل إدارة الدولة فى حالة من الهدوء، إذ لم يكن مبهرًا فى الأداء، ولا متحدثًا ملهمًا ولا يؤمن بقوة الميكرفون فى التواصل وبناء شعبية وحالة تعكس للناس قرارته ورؤيته للحكم.

الإفراج عن الوثائق

أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر بجامعة عين شمس ومقرر لجنة التاريخ بالمجلس الأعلى للثقافة الدكتور جمال شقرة يجزم  بأن تسجيلات وخطب رؤساء مصر، من محمد نجيب إلى حسنى مبارك، تندرج تحت عنوان “وثائق الرئاسة” وتأخذ أسماء متعددة، فعلى سبيل المثال، هناك: “الأرشيف السرى للرئيس جمال عبد الناصر” و”وثائق أرشيف منشية البكري”، هذه الوثائق تختلف عن الوثائق الخاصة التى تركت فى بيت عبد الناصر ونشرتها ابنته الدكتورة هدى عبد الناصر.

ويضيف “شقرة” لـ”فيتو” أن تصريحات وتسجيلات عبد الناصر محفوظة فى قصر عابدين، ثم انتقلت إلى قصر سراى القبة، وكذلك وثائق الرئيس أنور السادات، حيث أعلنت زوجته الراحلة جيهان السادات أنها محفوظة بمتحف السادات، ومن المفترض أن تحفظ وثائق الرئاسة فى الرئاسة، وبعضها يذهب إلى دار الوثائق القومية، معقبًا: “قوانين مصر ليست مرنة فيما يخص الإفراج عن الوثائق والتسجيلات، ولذلك هناك معاناة للباحثين، وربما تكون هناك صدمة حين نعلم أن آلاف الوثائق المتعلقة بعصر الملك فاروق والرئيس عبد الناصر والرئيس السادات والرئيس مبارك لم يُفرج عنها حتى الآن”.

واستطرد شقرة: “هناك قانون لتنظيم الإفراج عن الوثائق، ونأمل أن يصدق عليه مجلس النواب، خاصة أن المفروض أن وثائق الشخصيات العامة تُجمع وتذهب إلى دار الوثائق العامة بعد خروجه من الخدمة، ولكن للأسف، كل مسئول يأخذ أوراقه معه ولا يسمح بالاطلاع عليها، وهناك العديد من الوثائق الهامة التى عُثر عليها فى سور الأزبكية أو مع باعة الروبابيكيا، وفى المقابل، نجد أن الدول المتقدمة مثل إنجلترا وفرنسا وكندا لديها قانون للإفراج عن الوثائق بعد مدة محدودة، سواء كانت 20 أو 25 سنة، بينما هذا الأمر لا يُطبق فى مصر، وفى الوقت نفسه، الدول المتقدمة تفرض حظرًا على الوثائق التى قد تتسبب فى مشكلات للأمن القومى أو خلافات مع دول أخرى، ولكن فى مصر، نجد أن كل الوثائق تُعامل باعتبارها وثائق أمن قومي، فلا يُفرج عنها، والدليل أن وثائق الحروب لم يُفرج إلا عن القليل منها”.

وقال شقرة: “أى تسجيلات أو أمر يخص الرئاسة مهم لذاكرة الأمة، والمشكلة التى فجرها الفيديو الذى نُشر عن عبد الناصر مؤخرًا تحتاج إلى قراءة متخصصة، فلا يجوز أن نقرأ النص كما هو دون العلم بموقف عبد الناصر طوال الجمهورية الأولى والتمسك بالحق الفلسطيني، أضف إلى ذلك أن الوثائق الخاصة بثورة 23 يوليو لم تُنشر كلها، ومحمد نجيب قال إن محاضر مجلس الوزراء ومجلس قيادة الثورة لم تُنشر حتى الآن.”

ويكشف جمال شقرة مفاجأة بأننا لا نزال نعتمد على قانون الوثائق الصادر عام 1954، ونؤكد على الجزء الذى بُذل لإلحاق دار الوثائق بمجلس الوزراء، والاهتمام بالقانون المعروض على مجلس النواب.

لغز يكتنفه الغموض

يؤكد خبير القانون الدولى الدكتور أيمن سلامة أن تسجيلات رؤساء مصر، منذ عهد محمد نجيب وحتى حسنى مبارك، تظل لغزًا يكتنفه الغموض، حيث يُثار التساؤل حول مصير هذه الوثائق التاريخية الحساسة: هل هى حبيسة الأدراج المظلمة؟ أم أنها أصبحت جزءًا من أرشيف مجهول؟ ومن المسئول عن حفظها وإتاحتها؟ وما الضوابط القانونية التى تحكم هذا الأمر؟

مضيفا لـ«فيتو»: فى مصر، لا يوجد قانون خاص ينظم بشكل مباشر حفظ وإتاحة تسجيلات الرؤساء، إلا أن هناك عدة قوانين عامة يمكن الاستناد إليها، مثل قانون الوثائق القومية، الذى ينظم حفظ الوثائق التاريخية، وقانون حرية تداول المعلومات، الذى يضمن حق المواطنين فى الحصول على المعلومات، مع مراعاة الأمن القومي، إلا أن التطبيق العملى لهذه القوانين يظل محدودًا، حيث تخضع المعلومات الحساسة، وخاصة تلك المتعلقة بالأمن القومي، لقيود صارمة.

تابع سلامة: “غالبًا ما يتم التعامل مع تسجيلات الرؤساء باعتبارها من هذا النوع، مما يجعل الوصول إليها أمرًا صعبًا.” وعلى الصعيد الدولي، تختلف الدول فى سياساتها المتعلقة بالإفصاح عن المعلومات الحساسة، ففى الولايات المتحدة، على سبيل المثال، يتم تطبيق قانون حرية المعلومات، الذى يتيح الوصول إلى الوثائق الحكومية بعد فترة زمنية محددة، تتراوح بين 25 و50 عامًا، مع استثناءات تتعلق بالأمن القومي. وفى المملكة المتحدة، يتم تطبيق قانون الأرشيف الوطني، الذى يحدد فترة 30 عامًا للإفصاح عن الوثائق الحكومية، مع إمكانية تمديد هذه الفترة فى حالات استثنائية.

أما فى فرنسا، فيتم تطبيق قانون الأرشيف، الذى يحدد فترة 50 عامًا للإفصاح عن الوثائق المتعلقة بالأمن القومي، مع إمكانية تخفيض هذه الفترة فى حالات خاصة.

واستطرد فى النهاية، يظل التعامل مع تسجيلات رؤساء مصر قضية معقدة، تتداخل فيها الاعتبارات القانونية والسياسية، ويتطلب الأمر وضع إطار قانونى واضح يوازن بين حق المواطنين فى الحصول على المعلومات ومتطلبات الأمن القومي، مع مراعاة المعايير الدولية فى هذا الشأن.

ويؤكد الدكتور أحمد يوسف، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة والخبير الاستراتيجى بمركز الدراسات الاستراتيجية بالأهرام، أن تسجيلات رؤساء مصر من محمد نجيب حتى مبارك نوعان: الأول علنى ومتاح ويمكن وصفه بأرشيف الدولة، والنوع الآخر يخص المباحثات السرية التى تتعلق بأمن الوطن وتكون سرية، ويتوقف الأمر على قوانين كل دولة. فهناك دول تفرج عن تسجيلات الرؤساء بعد عدد معين من السنين، وأخرى لا تفعل ذلك.

ويرى الدكتور أحمد يوسف أن الحالة الأخيرة، وهى “تسريبات” عبد الناصر، اجتهدت الدكتورة هدى عبد الناصر فى تدقيقها، وهى موجودة فى مكتبة الإسكندرية، وبالتالى فإن كلمة “تسريبات” غير صحيحة، وإنما هذه وثائق تم التأكد من صحتها، وعبد الحكيم عبد الناصر أكد صحة المعلومات، وهى متاحة للباحثين بمكتبة الإسكندرية.

هيكل وتسجيلات ناصر

ويكشف الدكتور طارق فهمي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة والخبير الاستراتيجي، أن أغلب تسجيلات رؤساء مصر، بداية من اللواء محمد نجيب حتى الرئيس مبارك، موجودة فى أجهزة الدولة بصورة أو بأخرى، ومؤرشفة فى وزارة الخارجية ومؤسسة الرئاسة.

ويؤكد فهمى أن المشكلة تكمن فى تسريب هذه الوثائق أو التسجيلات إلى أطراف أخرى، مشيرًا إلى أن محمد حسنين هيكل حصل على العديد من الوثائق بحكم قربه من عبد الناصر، وحفظها فى لندن حيث كان يكتب فيها مؤلفاته، وهنا يأتى دور أسر الرؤساء والقادة، حيث يتوجب عليهم تسليم التسجيلات للدولة.

 

ونقدم لكم من خلال موقع (فيتو)، تغطية ورصدًا مستمرًّا على مدار الـ 24 ساعة لـ أسعار الذهب، أسعار اللحوم ، أسعار الدولار ، أسعار اليورو ، أسعار العملات ، أخبار الرياضة ، أخبار مصر، أخبار اقتصاد ، أخبار المحافظات ، أخبار السياسة، أخبار الحوداث ، ويقوم فريقنا بمتابعة حصرية لجميع الدوريات العالمية مثل الدوري الإنجليزي ، الدوري الإيطالي ، الدوري المصري، دوري أبطال أوروبا ، دوري أبطال أفريقيا ، دوري أبطال آسيا ، والأحداث الهامة و السياسة الخارجية والداخلية بالإضافة للنقل الحصري لـ أخبار الفن والعديد من الأنشطة الثقافية والأدبية.

تابع موقع فيتو عبر قناة (يوتيوب) اضغط هــــــــــــنا

تابع موقع فيتو عبر قناة (واتساب) اضغط هــــــــــــنا

تابع موقع فيتو عبر تطبيق (نبض) اضغط هــــــــــنا

تابع موقع فيتو عبر تطبيق (جوجل نيوز) اضغط هــــــــنا

الجريدة الرسمية