رئيس التحرير
عصام كامل

في ذكرى مولده، حروب خاضها الإمام الأكبر عبد الحليم محمود من أجل الإسلام والأزهر

الشيخ عبد الحليم
الشيخ عبد الحليم محمود، فيتو

خاض  الدكتور عبد الحليم محمود العديد من الحروب والمواجهات الصعبة، قبل وبعد توليه مشيخة الأزهر الشريف.
عُيِّن شيخا للأزهر عام 1973م، في ظروف بالغة الحرج، حيث كانت آثار قانون الأزهر، الذي صدر سنة (1381هـ= 1961م)، قد بدأت تتضح، فالقانون توسع في التعليم المدني ومعاهده العليا، وألغى جماعة كبار العلماء، وقلص سلطات شيخ الأزهر، وقيد يده في إدارة شئونه، وأعطاها لوزير الأوقاف وشئون الأزهر، ولم ينجح الراحل محمود شلتوت شيخ الأزهر الذي صدر القانون في عهده، في تصحيح الأوضاع، واشتعل الخلاف بينه وبين تلميذه الدكتور محمد البهي الذي كان يتولى وزارة الأوقاف.
كان من المتوقع أن يستسلم الشيخ عبد الحليم محمود، وأن يتعايش مع الوضع القائم، لكنه خالف كل التوقعات، وحقق نجاحا هائلا في إدارة الأزهر، فاسترد للمشيخة مكانتها ومهابتها وشخصيتها المستقلة.

مولده ونشأته

في مثل هذا اليوم، 12 مايو من عام 1910م الموافق 2 جمادى الأولى سنة 1328هـ، ولد فضيلةُ الدكتور عبدالحليم محمود، في عزبة أبو أحمد قرية السلام، بمركز بلبيس بمحافظة الشرقية، ونشأ في أسرة كريمة مشهورة بالصلاح والتقوى، وكان أبوه ممن تعلم بالأزهر لكنه لم يكمل دراسته فيه.
حفظ القرآن الكريم ثم التحق بالأزهر، وحصل على الشهادة العالمية سنة (1351هـ= 1932م)، وسافر على نفقته الخاصة لاستكمال تعليمه العالي في باريس، وحصل على الدكتوراه في التصوف الإسلامي، عن الحارث المحاسبي في سنة (1359هـ= 1940م).

عاد د. عبد الحليم محمود إلى مصر، وعمل مدرسا لعلم النفس بكلية اللغة العربية، وتدرج في مناصبها العلمية، حتى عُيِّن عميدا للكلية سنة (1384هـ= 1964م)، ثم اختير عضوا في مجمع البحوث الإسلامية، ثم أمينا عاما له، وتم اختياره وكيلا للأزهر سنة (1390هـ= 1970م)، ثم وزيرا للأوقاف وشئون الأزهر.

في مجمع البحوث

بدأ الدكتور عبد الحليم محمود رحلة الإصلاح إثر توليه أمانة مجمع البحوث الإسلامية الذي حل محل جماعة كبار العلماء، فقام بتكوين الجهاز الفني والإداري للمجمع من خيار رجال الأزهر، وتجهيزه بمكتبة علمية ضخمة استغل في تكوينها صداقاته وصلاته بكبار المؤلفين والباحثين.

واجتهد الإمام من أجل توفير الكفاءات العلمية التي تتلاءم ورسالة المجمع العالمية، وفي عهده تم عقد مؤتمر مجمع البحوث الإسلامية، وتوالى انعقاده بانتظام، كما أقنع المسئولين بتخصيص قطعة أرض فسيحة بمدينة نصر لتضم المجمع وأجهزته العلمية والإدارية، ثم اهتم بمكتبة الأزهر الكبرى، ونجح في تخصيص قطعة أرض مجاورة للأزهر لتقام عليها.

في وزارة الأوقاف

وخلال توليه لوزارة الأوقاف اهتم بالمساجد كثيرا، فأنشأ عددا منها، وضم عددا كبيرا من المساجد الأهلية، وعمل على تطوير المساجد التاريخية الكبرى، مثل: جامع عمرو بن العاص أقدم المساجد في أفريقيا، وأوكل الخطبة فيه إلى الشيخ محمد الغزالي فدبت فيه الروح، وعادت إليه الحياة بعد أن سيطر عليه الإهمال، وتدفقت إليه الجماهير من كل صوب وحدب، وأنشأ بمساجد الوزارة فصولا للتقوية ينتفع بها طلاب الشهادتين الإعدادية والثانوية جذبت آلافا من الطلاب إلى المساجد وربطتهم بشعائر دينهم الحنيف.

واكتشف أن لوزارة الأوقاف أوقافا ضخمة تدر ملايين الجنيهات أخذها الإصلاح الزراعي لإدارتها لحساب الوزارة، فلم تعد تدر إلا القليل، فاستردها من وزارة الإصلاح الزراعي، وأنشأ هيئة كبرى لإدارة هذه الأوقاف لتدر خيراتها من جديد، وعلم أن هناك أوقافا استولى عليها بعض الفاسدين، فعمل على استرداد العقارات والأراضي.

قانون الأحوال الشخصية

تصدى لقانون الأحوال الشخصية الذي حاولت وزيرة الشئون الاجتماعية وقتها، الدكتورة عائشة راتب، إصداره دون الرجوع إلى الأزهر، وحرصت على إقراره من مجلس الشعب على وجه السرعة، كما سعت قرينة رئيس الجمهورية، "جيهان السادات"، نفسها بدأب لتمرير مشروع القانون المقترح. وكان هذا القانون قد تضمن قيودا على حقوق الزوج على خلاف ما تضمنته الشريعة الإسلامية.

وما أن علم الإمام الأكبر بهذا القانون، حتى أصدر بيانا شديد اللهجة حذر فيه من الخروج على تعاليم الإسلام، وأرسله إلى المسئولين وأعضاء مجلس الشعب وإلى الصحف، ولم ينتظر صدور القانون بل وقف في وجهه قبل أن يرى النور، لكن بيان الشيخ تآمرت عليه قوى الظلام فصدرت التعليمات إلى الصحف بالامتناع عن نشره.
ثم اجتمعت الحكومة للنظر في بيان الشيخ عبد الحليم محمود، ولم تجد مفرا من الإعلان عن أنه ليس هناك تفكير على الإطلاق في تعديل قانون الأحوال الشخصية، وبذلك نجح الإمام في قتل القانون في مهده.

الكتب الدينية المشتركة

من أخطر المواجهات التي خاضها الإمام عبد الحليم محمود، أزمة بدأت باقتراح قدمه البابا شنودة بطريرك الأقباط في مصر، بتأليف كتب دينية مشتركة ليدرسها الطلبة المسلمون والمسيحيون جميعا في المدارس، مبررا ذلك بتعميق الوحدة الوطنية بين عنصري الأمة، وتقوية الروابط بينهما.

استقبل كبار المسئولين هذا الاقتراح بالترحيب، وقام الدكتور مصطفى حلمي، وزير التربية والتعليم آنذاك، بزيارة الإمام الأكبر ليستطلع رأيه في هذا الاقتراح، لكنه فوجئ بالإمام يواجهه بغضبة شديدة، قائلا له: من آذنك بهذا؟!، ومن الذي طلبه منك؟!، إن مثل هذه الفكرة إذا طُلبت فإنما توجه إلينا من كبار المسئولين مباشرة، ويوم يُطلب منا مثل هذه الكتب فلن يكون ردي عليها سوى الاستقالة.
لم يجد مصطفى كمال حلمي بدًّا من أن يصالح الشيخ الغاضب، ويقدم اعتذارا له، قائلا: إنني ما جئت إلا لأستطلع رأي فضيلتكم وأعرف حكم الدين، ويوم أن تقدم استقالتك لهذا السبب فسأقدم استقالتي بعدك مباشرة.

إنشاء المعاهد الأزهرية

كانت الأوضاع تنذر بطغيان التعليم المدني على الأزهري، فرأى فضيلته أن الحاجة ماسة لإقامة قاعدة عريضة من المعاهد الدينية التي تقلص عددها وعجزت عن إمداد جامعة الأزهر بكلياتها العشرين بأعداد كافية من الطلاب، وهو الأمر الذي جعل جامعة الأزهر تستقبل أعدادا كبيرة من حملة الثانوية العامة.

طاف الشيخ بالقرى والمدن يدعو الناس للتبرع لإنشاء المعاهد الدينية، فلبى الناس دعوته وأقبلوا عليه متبرعين، ولم تكن ميزانية الأزهر تسمح بتحقيق آماله في التوسع في التعليم الأزهري، فكفاه الناس مئونة ذلك، وكان لصلاته العميقة بالحكام وذوي النفوذ والتأثير وثقة الناس فيه أثرٌ في تحقيق ما يصبو إليه، فزادت المعاهد في عهده على نحو لم يعرفه الأزهر من قبل.

الدعوة لتطبيق الشريعة 

دعا الإمام الأكبر إلى تطبيق الشريعة الإسلامية في صبر وجلد، فكتب إلى كل من: سيد مرعي رئيس مجلس الشعب، وممدوح سالم رئيس مجلس الوزراء، يطالبهما بالإسراع في تطبيق الشريعة الإسلامية، ويقول لهما: "لقد آن الأوان لإرواء الأشواق الظامئة في القلوب إلى وضع شريعة الله بيننا في موضعها الصحيح ليبدلنا الله بعسرنا يسرا وبخوفنا أمنا…".

الشيخ عبد الحليم محمود، فيتو
الشيخ عبد الحليم محمود، فيتو

لم يكتف الإمام الأكبر بإلقاء الخطب والمحاضرات وإذاعة الأحاديث، فكون لجنة بمجمع البحوث الإسلامية لتقنين الشريعة الإسلامية في صيغة مواد قانونية تسهل استخراج الأحكام الفقهية على غرار القوانين الوضعية، فأتمت اللجنة تقنين القانون المدني كله في كل مذهب من المذاهب الأربعة.

ضد السادات

تسبب حادث اقتحام الكلية الفنية العسكرية في أبريل 1974، في هزة قوية لنظام السادات الذي واجه لأول مرة محاولة انقلابا من هذا النوع، ورغم فشل مخطط قلب نظام الحكم، وبهدف تحجيم التيار الديني أصدر السادات مرسوما في يوليو 1974 لكي يضع حدا لنفوذ الأزهر، حيث أعطى جميع صلاحيات شيخ الأزهر إلى وزير الأوقاف، لكن المرسوم تسبَّب في أزمة حادة، إذ قدَّم الشيخ عبد الحليم محمود استقالته من المشيخة اعتراضا، ما أثار موجة عارمة من النقاشات المعارضة لقرار السادات، بل رفع بعض أنصار الشيخ دعوى قضائية ضد السادات ووزير الأوقاف لإلغاء المرسوم، واضطر السادات للتراجع عن قراره في النهاية، لكن الشيخ رفض العودة، وبعد توسط عدد من الشخصيات، ودعاه الرئيس للقائه، فاشترط د. عبد الحليم أن يكون شيخ الأزهر بدرجة نائب رئيس الجمهورية، فوافق السادات، وبذلك حظي الإمام بنفوذ غير مسبوق، واستغله في تحقيق مشروعه الذي دعا إليه منذ توليه وزارة الأوقاف "تطبيق الشريعة الإسلامية".

الحرب الأهلية في لبنان

كان الشيخ عبد الحليم محمود يستشعر أنه إمام المسلمين في كل أنحاء العالم، وأنه مسئول عن قضاياهم، وكان يتجاوب مع كل أزمة تلمّ ببلد إسلامي.

لم يكن الإمام سلبيا إزاء الأحداث الدامية والحرب الأهلية في لبنان، واستمرّت بين عامي 1975 و1990، وأسفرت عن مقتل حواليْ 120 ألف شخص، فقد دعا الأطراف المتنازعة من المسلمين والمسيحيين إلى التوقف عن إراقة الدماء وتدمير مظاهر الحياة، وأهاب بزعماء العرب والمسلمين إلى المسارعة في معاونة لبنان للخروج من أزمته.
وأرسل برقية إلى الأمين العام لجامعة الدول العربية يناشده العمل بحسم وعزم على وقف النزيف الدموي الذي أسالته المؤامرات على أرض لبنان.

مؤلفاته

ترك الشيخ عبد الحليم محمود إرثا كبيرا، تجاوز 60 مؤلفا في التصوف والفلسفة، بعضها بالفرنسية، ومن أشهر كتبه: “أوربا والإسلام”، و"التوحيد الخالص" و"الإسلام والعقل"، و"أسرار العبادات في الإسلام"، و"التفكير الفلسفي في الإسلام"، و"القرآن والنبي"، و"المدرسة الشاذلية الحديثة وإمامها أبو الحسن الشاذلي".

وفاته

في كافة الدول الإسلامية، كان يتم اسقباله رسميا استقبال الملوك والرؤساء، بل أكثر من ذلك؛ حيث كانت الجموع المحتشدة التي هرعت لاستقباله في الهند وباكستان وماليزيا وإيران والمغرب وغيرها تخرج عن حب وطواعية لا عن سوق وحشد وإرهاب.


وبعد عودته من الأراضي المقدسة شعر بآلام شديدة فخضع لعملية جراحية، لقي الله بعدها صباح يوم الثلاثاء 15 من ذي القعدة 1397هـ= 17 من أكتوبر 1978م.
 

ونقدم لكم من خلال موقع (فيتو)، تغطية ورصدًا مستمرًّا على مدار الـ 24 ساعة لـ أسعار الذهب، أسعار اللحوم ، أسعار الدولار ، أسعار اليورو ، أسعار العملات ، أخبار الرياضة ، أخبار مصر، أخبار اقتصاد ، أخبار المحافظات ، أخبار السياسة، أخبار الحوداث ، ويقوم فريقنا بمتابعة حصرية لجميع الدوريات العالمية مثل الدوري الإنجليزي ، الدوري الإيطالي ، الدوري المصري، دوري أبطال أوروبا ، دوري أبطال أفريقيا ، دوري أبطال آسيا ، والأحداث الهامة و السياسة الخارجية والداخلية بالإضافة للنقل الحصري لـ أخبار الفن والعديد من الأنشطة الثقافية والأدبية.

تابع موقع فيتو عبر قناة (يوتيوب) اضغط هــــــــــــنا

تابع موقع فيتو عبر قناة (واتساب) اضغط هــــــــــــنا

تابع موقع فيتو عبر تطبيق (نبض) اضغط هــــــــــنا

تابع موقع فيتو عبر تطبيق (جوجل نيوز) اضغط هــــــــنا

الجريدة الرسمية