رئيس التحرير
عصام كامل

المجددون.. حسين الأنصاري، قائد الحركة العلمية في الهند

القاضي العلامة حسين
القاضي العلامة حسين الأنصاري، فيتو

عن أبي هريرة، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: "إن الله يبعثُ لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدِّدُ لها دينها". 
ولم يشترط السيوطي أن يكون "المجدِّدُ" فردًا، بل يشمل كل من نفع الأمة وجدد لها شيئًا من أمور دينها ودنياها في أي مجال من المجالات، وأيده في ذلك ابن الأثير الجزري وشمس الدين الذهبي، وابن كثير الدمشقي، وابن حجر العسقلاني.

ولا يلزم أن تجتمع خصال الخير كلها في شخص واحد، بل قد يكون هناك أكثر من عالِمٍ في أكثر من مكان، في وقتٍ واحدٍ، أو أزمانٍ متفرقة، يتميز كل منهم بمزية في علم من العلوم الدينية والدنيوية، شريطة أن يكونوا جميعا مسلمين، مؤمنين، ملتزمين بهدي الدين الحنيف.
وهذا موجود، ولله الحمد، حتى قيام الساعة، فهناك من يتفوق في اللغة، والفقه، والتفسير، وهناك من يمتاز في العلوم الحديثة، كالطب والهندسة والتكنولوجيا، وغيرها.. وهناك من يدفع عن الإسلام شبهات الملحدين، والمتطرفين والمفرطين، ويصد هجمات المبطلين، والمنحرفين، وأعداء الدين.

 

حسين الأنصاري (1225 هـ - 1327 هـ) 


امتدحه تلميذه شمس الحق الديانوي في "مقدمة غاية المقصود"، وأثنى عليه وأطراه في "الوجازة في الإجازة"، فوصفه بـ "إمام عصره بلا نزاع".
هو قائد الحركة العلمية في الهند، واعتبره محدث الهند الكبير، محمد شمس الحق العظيم آبادي، العلامة والمحقق، أحد المجددين على رأس المائة الثالثة عشرة. 
هو الشيخ الإمام، المحدث، القاضي، العلامة، حسين بن محسن السبعي الخزرجي الأنصاري، من كبار علماء القرن الثالث عشر من بلدة المخلاف السليماني (يعرف اليوم بمنطقة جازان).

مولده ونشأته

كانت ولادته ببلدة الحديدة باليمن، يوم 14 جمادى الأولى سنة 1245هـ، بدأ منذ الصغر في قراءة القرآن الكريم وتمكن من حفظه في حياة والده، ولم يكن عمره يتجاوز ثلاث عشرة سنة، وبعد وفاة والده رحل إلى قرية المراوعة غرب اليمن، ومكث بها ثماني سنين.
وبعد أن أتقن النحو وغيره اهتم بتعلم الفقه على مذهب الإمام الشافعي، حتى أتقنه حق الإتقان، ثم شرع في قراءة علم الحديث؛ على الترتيب أولاً سنن ابن ماجة ثم النسائي، ثم أبي داود، ثم الترمذي، ثم الجامع الصحيح للبخاري ومسلم، وكل ذلك على شيخه العلامة حسن بن عبد الباري الأهدل.
ثم توجه بعد ذلك إلى مدينة زبيد من أرض اليمن، إلى مفتي زبيد وابن مفتيها العلامة سليمان بن محمد بن عبد الرحمن الأهدل، فقرأ عليه الصحاح الستة وغيرها، كحزب الإمام النواوي وابن العربي، وأجازه إجازة كاملة عامة بخط يده، وسليمان بن محمد المذكور أدرك جده عبد الرحمن بن سليمان الأهدل صاحب "النفس اليماني"، وأخذ عنه وعن أبيه محمد بن عبد الرحمن، وأخذ عن جمع من العلماء، واستمر الشيخ حسين يتردد إليه كل سنة للأخذ عنه، فإذا تأخر استدعاه إليه.

ومن حسن حظه، أن الشيخ صفي الدين أحمد بن القاضي محمد بن علي الشوكاني وصل من مدينة صنعاء إلى الحديدة لأمر خاص به اقتضى ذلك، فحضر الشيخ حسين لديه ولازمه مدة إقامته، وقرأ عليه أطرافاً من الأمهات الست، وأجازه إجازة خاصة وعامة، وكان يحبه حباً شديداً، ويقول له: "أبوك تلميذ أبي وأنت ابني وتلميذي". 
ومنّ الله عليه بأنه كان كثير التردد إلى الحرمين الشريفين لا سيما مكة المكرمة، فاجتمع بالشريف العلامة الحافظ محمد ابن ناصر الحازمي، وكان الحازمي يمكث بمكة المشرفة من شهر رجب إلى تمام أشهر الحج، فكان الشيخ حسين يلازمه كل سنة، وكان اللقاء الأول سنة 1280هـ، فأول ما قرأ عليه مسند الدارمي من أوله إلى آخره مع مشاركة المفتي أيوب بن قمر الدين البهلتي نزيل بهوبال له في ذلك، وغيره في تلك السنة ومن بعدها، وكان حسين الأنصاري يحضر عليه من غرة رجب إلى آخر أشهر الحج وأيامه، فقرأ عليه أجزاء كبيرة من الأمهات الست وجميع المسلسلات للعلامة أحمد بن عقيلة، وأجازه بخط يده إجازة وافية كافية، وأحبه محبة صافية، ودعا له بأدعية جميلة.

محنته

تولى الشيخ حسين القضاء ببلدة لحُية (بضم اللام)، وهي بلدة من بلاد اليمن قريبة من الحديدة مسافة ثلاثة أيام أو أكثر، وتولى بها القضاء نحو أربع سنين، ثم استعفى (استقال) منها بسبب حادثة سيئة تعرض لها، وتتمثل في أن رجلاً من نواب الحديدة ممن بيده الحل والعقد من الأتراك، يدعى "أحمد باشا"، طلب من تجار البلدة مكساً (أتاوة) غير معين على اللؤلؤ الذي يستخرجونه من البحر من غير أن يعلم مقداره وثمنه، وأجبر العلماء على تأييد قراره، وأمرهم بإصدار فتاوى تجيز له ذلك، لكن الشيخ حسين الأنصاري رفض، حتى إن الباشا أحضر المدفع لتخويفه، وقال له: إن لم تكتب على هذه الفتوى أرميك بهذا المدفع حتى يصير جسمك أوصالاً، فقال: افعل، ما أردت هذا لا يضر قطعاً، لا عند الله ولا عند الناس ولا في العرف ولا في الاصطلاح، وليس عندك من مولانا السلطان في ذلك حكمٌ تحتج به علينا، ولو فرضنا أن عندك في ذلك حكماً فطاعة السلطان إذا أمر بما أمر الله به فأمره مطاع، وإن أمر بخلاف الكتاب والسنة فلا طاعة له علينا، وحاشاه أن يحكم بغير كتاب أو سنة! وهذا الاستعفاء (الاستقالة) مقدم في خدمتكم من هذا المنصب.
فشدد عليه أحمد باشا ثلاثة أيام، ومنع عنه الأكل والشرب، وأصهره في الشمس ثلاثة أيام حتى تغيرت صورته، وأنكره كل من عرفه، فتحمل هذه المشاقَّ، ولم يرض أن يحكم بخلاف الكتاب والسنة وأقوال الأئمة.
ثم ترك وطنه ومسقط رأسه، وسافر إلى الهند، وذلك بعد خمس سنين من الفتنة العظيمة بالهند، فدخل "بهوبال" في عهد "سكندر بيكم" وأقام بها سنتين، ثم عاد إلى وطنه "اليمن"، ثم عاد بعد خمس سنين في عهد شاهجهان بيكم، وأقام ببلدة بهوبال أربع سنوات، ثم رجع ثانية إلى وطنه.

ثم عاد مجددا إلى الهند بعد خمس سنين، وأقام ببلدة بهوبال، وكان في مدة إقامته هنالك قد ذاع صيته في جميع الأقطار الهندية، وأقر له بالتفرد في علم الحديث وأنواعه كبار العلماء، وكانوا يتواضعون له ويخضعون لعلمه، ويستفيدون منه، ويعترفون بارتفاع درجته عليهم.
وأخذ عنه جماعة من أعيانهم، مثل: صديق حسن بن أولاد حسن الحسيني البخاري القنوجي، والشيخ محمد بشير بن بدر الدين السهسواني، والشيخ شمس الحق بن أمير علي الديانوي والشيخ عبد الله الغازيبوري، والشيخ عبد العزيز الرحيم آبادي، والمولوي سلامة الله الجيراجبوري والمولوي وحيد الزمان الحيدر آبادي، والشيخ طيب ابن صالح المكي، وأبو الخير أحمد بن عثمان المكي، والشيخ الصالح إسحاق ابن عبد الرحمن النجدي، وخلق كثير من العلماء.

مؤلفاته

لم يهتم الشيخ حسين الأنصاري بكثرة التأليف وكتابة الكتب، ولو أراد ذلك لكان له في الحديث ما لا يقدر عليه غيره، وله رسائل حافلة ومباحث مطولة مجموعة في مجلد، ولكنه لم يحرص على جمع كل ما ألفه، ولم يحتفظ بفتاويه، وله تعليقات على سنن أبي داود.
وله مؤلف باسم "التحفة المرجنية في حل بعض المشكلات الحديثة"، وهي من علوم الحديث.
وقد كان كثير التردد إلى بلدة لكهنؤ، (هي حاليا عاصمة ولاية أوتار براديش الهندية) في أواخر عمره، وقد دخل لكهنؤ قبل وفاته بنحو أربعة أشهر، وأقام بها نحو شهر أو أقل، ثم رحل عنها إلى "حبيب كنج" (قرية من أعمال عليكده)، بعد طلب مولانا حبيب الرحمن بن محمد تقي الشرواني، فأقام عنده نحو أربعة أشهر.

وفاته

وفي آخر جمادى الأولى قرر الرحيل إلى مدينة بهوبال فلم يمكث بها إلا نحو خمسة عشر يوماً، ثم انتقل إلى رحمة الله سبحانه.
وقبل وفاته بنحو عشر ساعات خرج من البيت، وكان يوم الثلاثاء 10 جمادى الآخرة على أحسن حالة لملاقاة أحبابه، وطلب منهم الدعاء لحسن الختام عن حلول الحِمام (الموت)، ثم دار على بيوت أولاده كالمودع لهم، وكان ذلك بعد صلاة الظهر إلى بعد صلاة العصر في ذلك اليوم.

 


وبعد أن صلى العصر ورجع إلى بيت ولده عبد الله بن حسين عُرضت له مذاكرة معه (طُلب منه رأيٌ) في أن خديجة، رضي الله عنها، كان لها ولد في الجاهلية يسمى بعبد العزى أم لا، فأمر ولده عبد الله بإحضار بعض الكتب التي كان يتخيل حل تلك المسألة منها فأحضرها، وأملى عليه ما شاء الله أن يملي منها، فقارب ذلك غروب الشمس، فنهض عبد الله للوضوء فتوضأ ورجع، وكان متكئاً على وسادة له وإذا برأسه قد خفق وعلى تلك الوسادة قد أطرق، فاستلقى على ظهره ممدودة يديه ورجليه، وعيناه مغمضة بلا تغميض، وإن جبينه ليتفصد من العرق، فظنه عبد الله نائماً فحركه، وإذا بروحه قد فارقت جسده، وكانت ليلة الأربعاء، وفي صبيحتها، قبيل الضحى، خرجوا بنعشه وأودعوه في رمسه (قبره)، وكان ذلك في سنة 1327هـ، رحمه الله.

 

ونقدم لكم من خلال موقع (فيتو)، تغطية ورصدًا مستمرًّا على مدار الـ 24 ساعة لـ أسعار الذهب، أسعار اللحوم ، أسعار الدولار ، أسعار اليورو ، أسعار العملات ، أخبار الرياضة ، أخبار مصر، أخبار اقتصاد ، أخبار المحافظات ، أخبار السياسة، أخبار الحوداث ، ويقوم فريقنا بمتابعة حصرية لجميع الدوريات العالمية مثل الدوري الإنجليزي ، الدوري الإيطالي ، الدوري المصري، دوري أبطال أوروبا ، دوري أبطال أفريقيا ، دوري أبطال آسيا ، والأحداث الهامة و السياسة الخارجية والداخلية بالإضافة للنقل الحصري لـ أخبار الفن والعديد من الأنشطة الثقافية والأدبية.

تابع موقع فيتو عبر قناة (يوتيوب) اضغط هــــــــــــنا

تابع موقع فيتو عبر قناة (واتساب) اضغط هــــــــــــنا

تابع موقع فيتو عبر تطبيق (نبض) اضغط هــــــــــنا

تابع موقع فيتو عبر تطبيق (جوجل نيوز) اضغط هــــــــنا

الجريدة الرسمية