الشيخ مصطفى إسماعيل سلطان القلوب وقارئ الملوك والرؤساء.. صدفة تقوده للانطلاق للعالمية.. سر زيارته للقدس.. وكبار القراء يكشفون لـ “فيتو" سبب تفرده في تلاوة القرآن

في تاريخ مصر الممتد وعبر أثير دولة التلاوة المصرية، برزت أسماء عديدة حملت رسالة القرآن الكريم، لكن اسم الشيخ مصطفى إسماعيل يبقى متفردًا كواحد من أبرز أعلام هذه الدولة الروحية، على مر العقود، ظل صوته العذب وأسلوبه الفريد في تلاوة القرآن الكريم محفورًا في وجدان الأجيال، ليصبح أسطورة خالدة في ذاكرة الأمة الإسلامية.
سر تميز الشيخ مصطفى إسماعيل لا يكمن فقط في حلاوة صوته وتنوع مقامات قراءته، بل في قدرته الفريدة على النفاذ إلى القلوب عبر تلاوة تعكس خشوعًا عميقًا وفهمًا متقنًا لمعاني الآيات. بصوته الذي يمزج بين الإبداع الفني والروحانية، استطاع أن يجعل المستمع يعيش معاني القرآن ويتأمل في أبعاده الإيمانية
وتحل اليوم الخميس الذكرى الـ 46 على رحيل الشيخ مصطفى إسماعيل والذي رحل في 26 ديسمبر لعام 1978م، بعد رحلة عطاء مع القرآن الكريم وصحبة صادقة لتلاوة آيات الذكر الحكيم.
وتستعرض “فيتو” خلال التقرير التالي أبرز المحطات في حياة الشيخ مصطفى إسماعيل بداية من نشأته في إحدى قرى الغربية انطلاقًا إلى القاهرة ومنها إلى العالمية.

نشأة الشيخ مصطفى إسماعيل
ولد الشيخ مصطفى إسماعيل في 17 يونيو عام 1905م، بقرية ميت غزال، مركز السَّنطة، محافظة الغربية، وأتمَّ حفظ القرآن الكريم في كُتَّاب القرية قبل أن يتجاوز الثانية عشرة من عمره، ثم التحق بالمعهد الأحمدي في طنطا؛ ليتلقَّى علوم التجويد والقراءات.
تميَّز الشيخ منذ صغره بأداء فذٍّ في تلاوة كتاب الله عز وجل، وبراعة مُنقطعة النظير في التَّنقُّل بين أنغامها وألوانها، وحسنِ تعبيرٍ عن معاني آياتها وكلماتها بصوته وأدائه، ووقفِه وابتدائه، وتمكُّنه في تجويد وقراءات القرآن الكريم.

انتقال الشيخ مصطفى إسماعيل إلى القاهرة
ذاعت شهرة الشيخ في محافظته والمحافظات المجاورة لها في بداياته، ثم انتقل إلى القاهرة، فزادت شهرته، وازدانت بصوته محافلُها ومناسباتُها.
حين انتقل الشيخ «مصطفى إسماعيل» للإقامة فى القاهرة أوائل الأربعينيات، سكن حارة العنانى بحى المغربلين، وسكن أخوه الشيخ محمد حارة «زُقاق المسك»، والمغربلين تتوسط منطقة الدرب الأحمر حيث يوجد عدد هائل من مساجد القاهرة التاريخية، التى تزدان بالمآذن، وكانت القاهرة تعج آنذاك بعدد كبير من كبار قراء القرآن، يتصدرهم الشيخ «محمد رفعت»، والشيوخ «عبد الفتاح الشعشاعى»، و«محمد الصيفى»، و«محمد سلامة»، ثم فتحت له المحروسة ذراعيها، كعادتها آنذاك مع المواهب الكبرى، فمثل إضافة مميزة لهذا الفن العظيم، وفتحًا لطرائق جديدة فى التلاوة، فذاع صيته، وشغل الجميع، لاستخدامه العفوى للمقامات، بفطرته وموهبته السخية، فتوحد بمعانى الآيات، وتشرّبتها روحه، وفاض صوته نهرًا صافيًا.
بداية انطلاقة الشيخ مصطفى إسماعيل
في بداية عام 1943 ذهب مصطفى إسماعيل إلى القاهرة لتفصيل بعض الأقمشة فتقدم للاشتراك في رابطة تضامن القراء بحي الحسين والتقى برئيس الرابطة الشيخ محمد الصيفي، وبالصدفة كانت الإذاعة تسجل في الحسين، وسيقرأ في الحفل الشيخ عبد الفتاح الشعشاعى إلا أنه لم يحضر، فما كان من الشيخ محمد الصيفي إلا أن أجلس مصطفى إسماعيل على دكة القراءة ليقرأ على مسئوليته، فقرأ إسماعيل سورة التحريم لمدة نصف ساعة وسط إعجاب الحضور، ثم امتدت قراءته حتى منتصف الليل، وكانت بدايات تعرف الجمهور عليه.

التحاق الشيخ مصطفى إسماعيل بالإذاعة المصرية
وفي عام 1945م انطلق صوت الشيخ مصطفى إسماعيل؛ صادحًا بآيات الكتاب العزيز عبر موجات إذاعة القرآن الكريم، وتعلقت بصوته الآذانُ والقلوب، وطارت شهرته في آفاق مصر والعالم.
تعيين الشيخ مصطفى إسماعيل في القصر الملكي
وعن سر اختيار الملك فاروق للشيخ مصطفى إسماعيل ليصبح قارئ القصر الملكي، عام 1945، والمصادفة التي قادت الشيخ مصطفى إسماعيل ليصبح القارئ المفضل للملك فاروق، بالرغم من عدم اعتماد الإذاعة له، فبينما كان الملك فاروق يجلس داخل قصره في عام ١٩٤٥ بجوار الراديو يستمع للتلاوة التي كانت تنقلها الإذاعة من مسجد الحسين وكان من المقرر أن تكون التلاوة للشيخ عبد الفتاح الشعشاعي إلا أن الأثير نقل بدلًا من ذلك ما تيسر من سورة الحج لمقرئ شاب لم يكن معتمدًا في الإذاعة وقتها وذلك بعد تغيب الشيخ الشعشاعي عن الحفل؛ وحينما التقطت أذنا الملك ذلك الصوت وأصدرت الإدارة الملكية بأن يصبح قارئًا رسميًّا للقصر الملكي حيث طلب الملك من ناظر خاصته الملكية مراد محسن باشا أن يأتي بهذا الشيخ فورًا إلى القصر، وفي الصباح كان مندوب الملك في أعماق ريف مديرية الغربية وتحديدا قرية ميت غزال ليعود مصطحبًا الشيخ مصطفى محمد المرسي إسماعيل القارئ الرسمي للقصر الملكي".

قارئ الملوك والرؤساء
كما جعله الملك فاروق قارئ القصر الأول، حيث استحوذ الشيخ الشيخ مصطفى على إعجاب كل من تولى رئاسة مصر. ومن هؤلاء محمد نجيب الذي تولى مقاليد الأمور خلفًا للملك فاروق، فجعل الشيخ القارئ الأول لجمهورية مصر العربية بعد تحويلها من الملكية.

علاقة الشيخ مصطفى إسماعيل بالسادات
ربطت علاقة خاصة بين السادات وإسماعيل، حتى إن الأول كان يقلد الثانى كلما سنحت له الفرصة لتلاوة القرآن الكريم، وتوج السادات هذه العلاقة عندما اصطحب إسماعيل معه في زيارته التاريخية لمدينة القدس.
جولات الشيخ مصطفى إسماعيل الخارجية
وبعدما ذاع صيت الشيخ مصطفى اسماعيل تلقى العديد من الدعوات والطلبات من دول عربية إسلامية للقراءة فيها، فلبى تلك الدعوات وسافر إلى العديد من تلك الدول حيث زار نحو 25 دولة عربية وإسلامية، منها تركيا وماليزيا وألمانيا والولايات المتحدة وعدد من الدول الأفريقية.

زيارة الشيخ مصطفى إسماعيل للقدس
وقد زار الشيخ مصطفى إسماعيل القدس 3 مرات، إحداها كانت عام 1960 وقرأ فى المسجد الأقصى فى ليلة الإسراء والمعراج، كما زارها مرة أخرى عام 1977 ضمن الوفد الرسمى المصاحب للسادات فى زيارته للكنيست الإسرائيلي.
سر اصطحاب السادات للشيخ مصطفى إسماعيل للقدس
ومن جانبه كشف الدكتور مصطفى الفقي، الكاتب والمفكر السياسي، سبب اصطحاب الرئيس الراحل محمد أنور السادات الشيخ مصطفى إسماعيل في زيارته الشهيرة إلى القدس.
وقال «الفقي» خلال حواره في برنامج «يحدث في مصر»، والذي يعرض عبر قناة «إم بي سي مصر»، أن السادات اصطحب الشيخ مصطفى إسماعيل في زيارته إلى القدس، لأن الرئيس الراحل كان يعلم تأثير القوى الناعمة.
وأشار إلى أن جزءًا كبيرًا من قبول الشعب المصري للملك فاروق، هي ليالي رمضان في ميدان عابدين، إذ كان يجلس لسماع الشيخ مصطفى إسماعيل والشيخ الفشني، موضحًا أن هذا مظهر لفكرة الشعبية الدينية.
تكريم الشيخ مصطفى إسماعيل
وحصل الشيخ مصطفى إسماعيل على العديد من الأوسمة والتكريمات المحلية والعالمية، من بينها وسام الاستحقاق الذي منحه إياه الرئيس الراحل جمال عبد الناصر عام 1965 بمناسبة عيد العلم، وكانت تلك هى المرة الأولى التى يمنح فيها الرئيس وساما لأحد المقرئين فى تلك المناسبة، ووسام الفنون عام 1965 ووسام الإمتياز عام 1985 من الرئيس الأسبق حسنى مبارك، فى حين حصل على وسام الأرز من رئيس وزراء لبنان تقي الدين الصلح 1958، ووسام الاستحقاق من سوريا، كما حصل على أعلى وسام فى ماليزيا ووسام الفنون من تنزانيا عام 1978، كما كانت من أقيم الهدايا التى حصل عليها مصحف شريف مكتوب بماء الذهب، منحه آياه الرئيس التركي الأسبق فخرى كوروترك.

صداقة فنية
ثمة عدد من عمالقة التلاوة في حياة الشيخ مصطفى، لكنه كان يحب أن يسمع القرآن من الشيخ عبد الفتاح الشعشاعي والشيخ محمد رفعت، وكان المقربون منه من القراء محمود علي البنا ومحمد رفعت وعبد الباسط عبد الصمد وأبو العينين شعيشع.
ومن خارج الوسط، كانت تجمعه صداقة بالموسيقار محمد عبد الوهاب ورياض السنباطي وبليغ حمدي.
وفاة الشيخ مصطفى إسماعيل
وبعد صحبةٍ صادقةٍ لتلاوة آيات القرآن الكريم دامت إلى آخر أيام حياته؛ رحل الشيخ عن عالمنا في 26 من ديسمبر عام 1978م، ودُفن في قريته ميت غزال، بمركز السنطة، محافظة الغربية؛ تاركًا خلفه ثروة كبيرة من التِّلاوات القرآنية الرائعة والمُتقنة.
قالوا عن الشيخ مصطفى إسماعيل
مدرسة جديدة في التلاوة
من أبرز ملامح مدرسة الشيخ "مصطفى" في الأداء، أنه كان يتحرى الدقة، ويقف فى مواضع يراها ضرورية، كما اتضح طوال رحلته مع القرآن الكريم، لقُرابة ستة عقود تقريبا، وأثبت بالتكرار أن الوقف من ملامح قراءته، ابتكره لنفسه، وتوسع فيه على نحو غير مسبوق، وقلده من بعده كثيرون، وقليلون من أجادوه وأحكموه –بحسب القارئ الشيخ محمود الطوخي- الذي قال لـ"فيتو": إن الشيخ مصطفى إسماعيل كان معجزة قرآنية على كل المستويات، مشددًا على أنه أسَّس مدرسة في الأداء المنضبط والراقي والملتزم، وأنه كان يجسد معاني الآيات، كأنك في كل مرة مرة تسمعها لأول مرة.
وأردف "الطوخي": وظَّف الشيخ مصطفى إسماعيل المقامات الموسيقية توظيفًا دقيقًا في تلاواته، حيث يستخدم "النهاوند" في المبشرات، و"الصبا" في الحزن والنذير، و"الرست" في الأوامر والنواهي، مختتمًا: كان الشيخ مصطفى إسماعيل مخلصًا أشد الإخلاص لكتاب الله تعالى؛ ما كان سببًا رئيسًا في عبقرية تلاواته وذيوع شهرته وخلود سيرته حتى الآن.
من صفر انفعال إلى التفاعل الكامل
ما يقوله الطوخي يتماسُّ مع ذكره "النجمي"، حيث أكد أن قراءة الشيخ "مصطفى" تميزت بالتمهيد الاستهلالى المتصاعد، والبدء من قاع القرار، فى المفتتح المتعارف عليه: "أعوذ بالله من الشيطان الرجيم.. بسم الله الرحمن الرحيم"، والارتفاع بالصوت إلى الجواب، ومنه إلى جواب الجواب، وربما تجاوزه فى بعض الأحيان استثناء، توطئة للأسماع والأفئدة التي تنصت إليه، ونقلها من صفر انفعال إلى التفاعل الكامل مع المعانى، والصور، وتفاصيل القصص القرآنى، وجلال مقاصده، ليدخل المستمعون ذُروة التماهى فى صوت الشيخ، ويصبحوا شركاءً وجزءًا من الأداء، ويردُوا بتعبيرات الاستحسان والإطراء، ويمنحوه ذبذبات متجددة من الحماس، ليحققا معًا –هو والجمهور- أقصى درجات الوجد، والاستمتاع بكلام الله تعالى، وتدبر أحكامه.
يقول "النجمي": " ظنِّى أن بعض السور والآيات كانت تهبه معانيها، ليُحلِّق بها فى سماء التلاوة، ويصنع وقفاته الباهرة التى يفاجئ بها من يسمعه، ويكرر الآيات فيُحبّرُها تحبيرًا. مستخدمًا أقصى إمكانات صوته من سلاسة الانتقال الناعم بين الطبقات، وتزيين الكلمات بحِليَات جمالية".

قراء في مدرسة الشيخ مصطفى إسماعيل
من أبرز القراء الذين تخرجوا في مدرسة الشيخ مصطفى إسماعيل القارئ الكبير الدكتور أحمد نعينع، والقارئ الشاب ياسر الشرقاوي.
يدين "نعينع" بفضل كبير للشيخ مصطفى إسماعيل؛ فقد عاصره وتعلق به شابًا وتأثر بطريقته في الأداء، وكان امتدادًا طبيعيًا له عندما توفي في العام 1978.
يحكي "نعينع" لـ"فيتو" قائلًا: عندما استمع الرئيس الراحل أنور السادات –الذي كان متيمًا بالشيخ مصطفى- لي في أول مرة العام 1979، التفت إلى سكرتيره الخاص فوزي عبد الحافظ قائلًا: "الشيخ مصطفى رجع تاني يا فوزي، وأمر بتعييني في مؤسسة الرئاسة"، مضيفًا: "الشيخ مصطفى إسماعيل كان معجزة قرآنية بكل المقاييس، وكان ملهمًا لمعاصريه ولاحقيه، مبهرًا لكل من يستمع إليه".
الشيخ ياسر الشرقاوي يقول لـ"فيتو": "من دواعي سروري وشرف لي أن أتكلم عن سيدي الشيخ مصطفى إسماعيل في ذكراه العطرة؛ فقد كان –رحمه الله- موهبة فذة، ومعجزة ربانية".
يضيف "الشرقاوي": "لقد حباه الله من من جمال الصوت والأداء والاستيعاب النغمي والإدراك ما لم يعطه أحدًا"، متابعًا: "رغم معاصرته قراء كبارًا في عصره إلا أنه أحدث نقلة نوعية في مسارات التلاوة؛ لذلك اقتدى به كل من أتى بعده، وإن لم يكن مقلدًا له، فإنه اقتبس من أدائه بشكل مباشر وغير مباشر".
يصف "الشرقاوي" جانبًا من عبقرية القاريء الراحل قائلًا: "الشيخ مصطفى يعتبر أعظم من جسد معاني القرآن الكريم على الإطلاق؛ وهذا سبب خلوده حتى الآن"، مردفًا: "الشيخ مصطفى صاحب أكبر مخزون نغمي بين القراء، وقد حوت تلاواته العديد من المقامات الموسيقية: أساسية وفرعية، استطاع تطويعها في خدمة كتاب الله،ما منحه الهيبة والتمكين والحب في قلوب المستمعين".
ونقدم لكم من خلال موقع (فيتو)، تغطية ورصدًا مستمرًّا على مدار الـ 24 ساعة لـ أسعار الذهب، أسعار اللحوم ، أسعار الدولار ، أسعار اليورو ، أسعار العملات ، أخبار الرياضة ، أخبار مصر، أخبار اقتصاد ، أخبار المحافظات ، أخبار السياسة، أخبار الحوداث ، ويقوم فريقنا بمتابعة حصرية لجميع الدوريات العالمية مثل الدوري الإنجليزي ، الدوري الإيطالي ، الدوري المصري، دوري أبطال أوروبا ، دوري أبطال أفريقيا ، دوري أبطال آسيا ، والأحداث الهامة و السياسة الخارجية والداخلية بالإضافة للنقل الحصري لـ أخبار الفن والعديد من الأنشطة الثقافية والأدبية.
تابع موقع فيتو عبر قناة (يوتيوب) اضغط هــــــــــــنا
تابع موقع فيتو عبر قناة (واتساب) اضغط هــــــــــــنا
تابع موقع فيتو عبر تطبيق (نبض) اضغط هــــــــــنا
تابع موقع فيتو عبر تطبيق (جوجل نيوز) اضغط هــــــــنا