رئيس التحرير
عصام كامل

العزاء.. متى يكون مكروهًا؟!

الفنانة نجوى فؤاد قالت لبرنامج حبر سري إنها ستكتب في وصيتها "ميعملوش عزاء"، وأنها ستتبرع  بأعضائها باعتبار أن الحى أبقى من الميت، أما سبب كراهتها للعزاءات  فذلك لأنها تحضر مثل هذه المواقف كثيرا وتجد أن الذين يشعرون بالحزن من داخلهم قليلون.. وأنه في أي عزاء يكون البعض مشغولا بالتحدث في الهاتف المحمول دون الشعور بالحزن وهذا لا تتمناه لنفسها، قائلة: "أنا بتمنى أروح لربنا وحيدة كما أنا، وأعيش حياة طبيعية مع ربنا".

Advertisements


ما قالته نجوى فؤاد لا يخلو من وجاهة عقلية وواقعية؛ فالموت فقدان للحياة سمّاه الله تعالى مصيبة بقوله: "فَأَصَابَتْكُم مُّصِيبَةُ الْمَوْتِ"، وليس فوق المصيبة حزن ولا ألم؛ ومن ثم ينبغي للموت أن يكون مناسبة للعبرة والعظة والاستعداد للقاء الله أيضًا؛ وما قالته الفنانة نجوى فؤاد يؤكد أنها تدرك أن الموت آتٍ لا محالة، وأن سرادقات العزاء بصورتها الحالية صارت مناسبة مرهقة لأهل الميت.. 

 

ناهيك عن تحولها لجلسات نميمة ورغى وسجال وربما التباهى بالمظاهر الكاذبة دون العظة بجلال الموت وقدسيته، أو الاستعداد ليوم كهذا سيأتي حتمًا لا محالة، فماذا سيأخذ الميت من سرادق عزاء فخم وإنفاق باذخ على مشاهير القراء، ودور المناسبات والبوفيهات وغيرها من أشكال التباهي والبذخ التي لن يصل للميت منها شيء، فالميت أحوج لدعاء صادق من ولد صالح أو محب مخلص أو صدقة جارية يستظل بظلها؛ فالميت في ظل صدقته.

 مواساة أهل الميت

الأصل في  العزاء أنه مواساة لأهل الميت ومساندتهم لتخفيف مصابهم وحثهم على الصبر والدعاء للميت بالرحمة والمغفرة؛ فقد انقطع عمله ولا ينفعه بعد مماته إلا الدعاء.


لكن ما يحدث واقعيًا، أن البعض يقيم سرادق عزاء فيتجمع الأهل والأقارب والجيران وأهل الحي، فيمضون وقتًا يطول أو يقصر  في استقبال المعزين قد يستغرق ثلاثة أيام، تاركين أعمالهم وشئون حياتهم؛ ويتبارى فيها الأقارب بتقديم موائد طعام وشراب؛ ويتباهون بتقديم الأفضل والأحسن؛ ليس كرمًا؛ وإنما رغبة في انتزاع إشادة الحاضرين..

 

وقد ينقلب الحزن إلى تبادل للنكات والضحك، والأحاديث الجانبية، دون مراعاة لمشاعر أهل الميت الذين ليس أمامهم إلا الصمت والاستسلام لكل ما يحدث أمامهم، وقد يستنكر البعض هذا السلوك فيقابل بالانتقاد.. 

 

وتلك عادات ينهى عنها عدد من العلماء ويرى بعضهم أن يقام عزاء مبسط في مسجد يتم فيه مواساة أهل الميت لساعات معينة أو يكتفى بالعزاء في المقبرة بعد الدفن أو في الطريق، فذلك أفضل من سرادقات عزاء وتبذير للأموال وإسراف في الولائم التي تقام بحجة إطعام أهل الميت وربما يكون ذلك للرياء والسمعة.. فما جدوى ذلك للميت؟!


هناك اتفاق بين الأئمة على أن إقامة السرادقات -ومثلها دور المناسبات- لتقبل العزاء غير محمودة، وأقل درجاتها الكراهة، مع العلم بأنها إذا كانت للمباهاة كانت حرامًا، وإذا أنفق عليها من أموال القصر كانت حرامًا أيضًا..

 

والسؤال: أليس الأولى بأهل الميت أن يوفروا نفقات سرادقات العزاء ليتصدقوا بها على الفقراء، طلبًا للثواب الذي ينفع الميت أكثر مما ينفعه سرادقات العزاء التي باتت تعج بسلبيات وأخطاء تنتهك حرمة الموت الذي هو غاية كل حىّ، لقوله تعالى "أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ"..

 

 

فهل ندرك أن العزاء البسيط  دون بهرجة مواساة لأهل الميت من فضائل الأعمال.. أما إذا خرج عن هذه الغاية للتباهي والفشخرة وإستعراض مظاهر الثراء والنفوذ..فذلك أمر لا يفيد الميت في شيء.. رحم الله موتانا وأسكنهم فسيح الجنات.

الجريدة الرسمية