رئيس التحرير
عصام كامل

اتركوهم وما يحبون!

آفة ثقافتنا ومجتمعاتنا أنها تكاد تفكر بطريقة واحدة؛ فالكل يسعى لتفوق الأبناء في التعليم وهذا شيء طيب.. لكن لماذا نحب هذا التفوق؟! والإجابة بوضوح لا لبس فيه: حتى يلتحقوا بكليات القمة!
وما هى كليات القمة؟! الطب طبعا والهندسة والصيدلة.. والسؤال: هل كل أبنائنا يصلحون لهذا التخصص او ذاك؟! هل تحتاج مجتمعاتنا لهذه التخصصات فقط حتى تكتمل نهضتها وتصل إلى غايتها؟!


والجواب بالنفي قطعا.. فنحن نحتاج للمدرس والمحامي والصحفي والمفكر والأديب والفيلسوف وعالم الذرة والمتخصص في الذكاء الاصطناعي الكيميائي والفني المدرب في المصانع والمزارع وغيرها من نشاطات الحياة.

Advertisements


الأمر إذن في حاجة لوقفة وتصحيح مسار وتغيير ثقافة تقليدية أوصلتنا لما نحن فيه من تخلف وضيق أفق فيما يخص خياراتنا التعليمية على وجه الخصوص، وتحضرني رسالة بعث بها إلى صديق وبصرف النظر عن مدى حدوثها واقعيا لكنها في حدها الأدنى تعطينا مفاتيح للخروج من متاهتنا التعليمية لو تدبرناها وعملنا بما تنصحنا به.


تقول الرسالة: "إن  ‏مدرسة في سنغافورة أرسلت رسالة لأولياء أمور تلاميذها قبل الامتحانات مفادها: إن امتحانات أبنائكم توشك أن تبدأ، ونحن نعلم أنكم قلقون جدًا بخصوص أدائهم، لكن تذكروا أنه بين هؤلاء التلاميذ الذين سيدخلون هذه الامتحانات هناك فنان، ليس من الضروري أن يفهم الرياضيات..

 

وهناك مقاول ليس من الضروري أن يتقن التاريخ، وهناك موسيقي ليس من الضروري أن يتفوق في الكيمياء، كما أن هناك رياضيًا صحته الجسدية ولياقته البدنية أهم من درجاته في الفيزياء.


تضيف الرسالة: إن حصل إبنكم على درجات عالية، فذلك شيء عظيم أمّا في حالة عدم حصوله عليها فلا تجعله مَحط سُخرية ولا تجعله يفقد ثقته بنفسه وكرامته.. هدئوا من روع أبنائكم واشرحوا لهم أن ذلك لا يتجاوز كونه امتحانًا صغيرًا وأن هناك أشياء أكثر أهمية في الحياة..


قولوا لهم إنّكم تحبونهم مهما تكن مجاميعهم، ولن تصدروا أحكاما أبدا عليهم. طمئنوهم بكلمات حانية تمنحهم الثقة بالنفس وتشعرهم بإنسانيتهم وتحفزهم لتطوير قدراتهم وملكاتهم الحقيقية.. إفعلوا هذه الأشياء وبعدها شاهدوا أبناءكم كيف سيتحولون للأفضل ويحققون نجاحاتهم وأحلامهم.. لكن على طريقتهم.

 

فهم قد خلقوا لزمان غير زمانكم.. ولعل امتحانا واحدا لا يكفى للحكم عليهم بقية حياتهم.. وليس منطقيا أن نسمح لدرجات مهما تكن سيئة في سنة دراسية أن تسرق منهم أحلامهم ومواهبهم"..

 


ثم ما أدراكم أن المهندسين والأطباء هم أسعد الناس على وجه الأرض.. فلكلّ فرد دوره وأهميته في الحياة، والناجح هو الذي يتقن عمله في مجاله أيًا ما كان.. فالاختلاف بين البشر هو سنة الله في الخلق.. ولو شاء الله لجعل الناس أمة واحدة.. صدقوني.. إذا أحب الطالب ما يدرس فسوف يبدع ويتفوق ويصنع الفارق لأهله ومجتمعه وأمته.. فاتركوا ابناءكم وما يحبون!

الجريدة الرسمية