رئيس التحرير
عصام كامل

أبو الزهراء يكافئ مادحيه (11)

نختم هذه السلسلة بأمير الشعراء، أحمد شوقي، رحمه الله. ولد أحمد شوقي بحي الحنفي بالقاهرة في 20 رجب 1287 هـ الموافق 16 أكتوبر 1868، لأب شركسي وأم يونانية تركية، على خلاف بين المصادر. وكانت جدته لأمه تعمل وصيفة في قصر الخديوي إسماعيل، وعلى جانب من الغنى والثراء، فتكفلت بتربية حفيدها ونشأ معها في القصر.

 

لما بلغ الرابعة من عمره التحق بكُتّاب الشيخ صالح، فحفظ قدرًا من القرآن وتعلّم مبادئ القراءة والكتابة، ثم التحق بمدرسة المبتديان الابتدائية، وأظهر فيها نبوغًا واضحًا كوفئ عليه بإعفائه من مصروفات المدرسة، وانكب على دواوين فحول الشعراء حفظًا واستظهارًا، فبدأ الشعر يجري على لسانه.

Advertisements

حين بلوغه الخامسة عشرة التحق بمدرسة الحقوق، وانتسب إلى قسم الترجمة الذي كان قد أنشئ بها حديثًا، وفي هذه الفترة بدأت موهبته الشعرية تظهر. ثم سافر إلى فرنسا على نفقة الخديوي توفيق، وقد حسمت تلك الرحلة الدراسية الأولى منطلقات شوقي الفكرية والإبداعية، وخلالها اشترك مع زملاء البعثة في تكوين (جمعية التقدم المصري)، التي كانت أحد أشكال العمل الوطني ضد الاحتلال الإنجليزي. وربطته حينئذ صداقة حميمة بالزعيم مصطفى كامل، وتفتّح على مشروعات النهضة المصرية.

مدح الرسول

طوال إقامته بأوروبا، كان فيها بجسده بينما ظل قلبه معلقًا بالثقافة العربية وبالشعراء العرب الكبار وعلى رأسهم المتنبي.. لكن تأثره بالثقافة الفرنسية لم يكن محدودًا، وتأثر بالشعراء الفرنسيين وبالأخص راسين وموليير.

 

خلال فترة الدراسة في فرنسا وبعد عودته إلى مصر كان شعر أحمد شوقي يتوجه نحو المديح للخديوي عباس؛ ما أدى إلى نفي الإنجليز للشاعر إلى إسبانيا عام 1915، وفي هذا النفي اطلع أحمد شوقي على الأدب العربي والحضارة الأندلسية، بالإضافة إلى قدرته التي تكونت في استخدام عدة لغات والاطلاع على الآداب الأوروبية.

 

وكان أحمد شوقي في هذه الفترة على علم بالأوضاع التي تجري في مصر، فأصبح يشارك في الشعر من خلال اهتمامه بالتحركات الشعبية والوطنية الساعية للتحرير عن بعد، وما يبث شعره من مشاعر الحزن على نفيه من مصر، وعلى هذا الأساس وجد توجه آخر في شعر أحمد شوقي بعيدا عن المدح الذي التزم به قبل النفي. وعاد شوقي إلى مصر سنة 1920.

 

في عام 1927، بايع شعراء العرب كافة شوقي أميرا للشعر. يقول عنه الكاتب والشاعر الكبير فاروق جويدة: "مازلت أعتقد أن قصائد أمير الشعراء أحمد شوقى فى مدح الرسول عليه الصلاة والسلام هي أعظم ما قال الشعراء فيه.

 

ويضيف جويدة: "كانت قصائد شوقي وبردته الشهيرة أجمل ما غنت كوكب الشرق أم كلثوم من ألحان رياض السنباطى، وكان هناك حسٌّ صوفيٌّ جمع كلمات شوقي مع صوت أم كلثوم والسنباطي.. وفي تصورى أن أم كلثوم كانت تتمتع بحس صوفي وهي تغني للمصطفى عليه الصلاة والسلام، أما السنباطي فكان العاشق المتصوف المحب للرسول وآل بيته، وما زالت كلمات شوقي فى مدح الرسول أجمل وأعذب ما كتب وما غنت أم كلثوم".

 

 

أبا الزهراءِ قد جاوزتُ قدرىِ     بمدحكَ بَيْدَ أنّ ليَ انتسابا

وما عَرِفَ البلاغة ذو بيانٍ        إذا لـم يتخــــذكَ لــــه كتـــــــابا

مدحتُ المالكِينَ فزدتُ قدرا       وحين مدحتُكَ اقتَدتُ السحابا

وما للمسلمين سواكَ حصنٌ         إذا ما الضّرُ مسّهُمُ ونابا

الجريدة الرسمية