رئيس التحرير
عصام كامل

خليفة أدهم: إفلاس سيلكون فالي يضاعف متاعب الاقتصاد العالمي.. و600 مليار دولار خسائر الأسواق الناشئة

خليفة ادهم رئيس تحرير
خليفة ادهم رئيس تحرير الاهرام،فيتو

بالتزامن مع سقوط عدد من البنوك العالمية الكبرى وامتداد تداعياتها إلى الأسواق الناشئة حول العالم خاصة الاقتصاد الأمريكي، كتب الخبير الاقتصادي خليفة أدهم تحليلا لهذه الأزمة وتداعياتها جاء كالتالي: 

لم يتوقع رئيس البنك الفيدرالى الأمريكى أن سياسة التشديد النقدي التي بدأت العام الماضى برفع الفائدة بوتيرة متسارعة،  تمتد تداعياتها السلبية إلى الأسواق الناشئة التي تكبدت خسائر فادحة يقدرها صندوق النقد الدولى بما يزيد على 600 مليار دولار من احتياطاتها من العملات الأجنبية خلال العام الماضى،  وتراجع كبير فى قيمة عملاتها، وزيادة الضغوط  مع استمرار سياسة التشديد النقدي من جانب الفيدرالى الأمريكى، بعد أن أدى ذلك  إلى سحب أموال واستثمارات الصناديق العالمية  من تلك الأسواق إلى السوق الأمريكي للاستفادة من ارتفاع أسعار الدولار وانخفاض نسبة المخاطر.

القطاع المالى الأمريكى 

أقول لم يكن يتوقع الفيدرالى الأمريكى أن ترتد أسهم سياسة التشديد النقدى لتصيب واحد من أهم وأكثر القطاعات حيوية فى الاقتصاد الامريكى ألا وهو القطاع المالى، بعد إعلان بنك سيلكون فالى إفلاسه الجمعة الماضية وما تبعه من إفلاس بنك سيجنيتشر  لتسيطر على الأسواق حالة من القلق والزعر، وتعيد إلى الأذهان الأزمة المالية عام 2008 والتى بدأت بإفلاس بنك ليمان براذرذ قبل أن تمتد إلى عدد من البنوك الأخرى.

السياسة النقدية ومعدلات التضخم

ولا يترك جيروم باول رئيس الفيدرالى الأمريكى، فرصة للحديث إعلاميا فى المؤتمرات الصحفية التى يعقدها عقب كل اجتماع أو البيانات التى يصدرها قبل الاجتماع، إلا ويؤكد التزام الفيدرالى الأمريكى باستمرار تشديد السياسة النقدية إلى أن يتم كبح التضخم وخفضه إلى المعدل المستهدف عند 2%، وهو لا يستبعد أن يصل معدل الفائدة 6%، حيث تم رفع الفائدة بواقع 75 نقطة أساس لأربع مرات متتالية لأول مرة منذ منتصف ثمانينيات القرن الماضى –  ليصل إلى 4.5%  حاليا وسط توقعات بأن يواصل الفيدرالى رفع الفائدة بالوتيرة نفسها وأن يتم رفع الفائدة 50 نقطة اساس خلال اجتماعه فى مارس الحالى، وأن يواصل تشديد السياسة النقدية بنفس الوتيرة فى اجتماعاته المقبلة حتى 6%، وهو العائد الاعلى  منذ بداية 40 سنة، إلا أن إعلان إفلاس بنكى سيلكون فالى وسيجنيتشر، دفعت بنوك الاستثمار إلى أن تغير توقعاتها لرفع الفائدة إذ تتوقع عدم رفع الفائدة فى اجتماع الفيدرالى فى اجتماعه الطارئ اليوم، وان عيد النظر فى استمرار الوتيرة المتسارعة فى رفع الفائدة.

جرس إنذار للبنوك المركزية 

إفلاس بنكى سيلكون فالى، وسيجنيتشر، يدق جرس الإنذار، لاسيما وأن أسباب الإفلاس ترجع الى ارتفاع الفائدة، حيث  يواجه بنك سيلكون فالى مشكلة فى تدبير السيولة للوفاء بطلبات المودعين لاسيما ان اغلبها من  الشركات الصغيرة فى قطاع التكنولوجيا،التى اضطرت الى السحب من ودائعها للوفاء بالتزماتها ودفع الرواتب، فى ظل ارتفاع الفائدة وتكلفة الاقتراض والتمويل، ولان البنك استثمرالاول نحو 80 مليار دولار ما يمثل من 30% من اصوله فى السندات الفيدرالية طويلة الاجل بعائد 1.5 % عندما كان سعر الفائدة صفرا تقريبا مقابل 4.5%، مما دفع البنك الى بيع سندات بقيمة 21 مليار دولار وهو ما نتج عنه تكبد خسائر بنحو 1.8 مليار دولار، ومع زيادة طلب العملاء على سحب الودائع بسبب المخاوف ونقص السيولة  اعلن البنك افلاسه يوم الجمعة الماضية.

ولعل فى مقدمة التساؤلات التى يتم طرحها حاليا، لماذا  فشلت المؤسسات المصرفية الرقابية  - سواء الفيدرالى الامريكى، او البنك  المركزى فى ولاية كاليفورنيا حيث يقع البنك ضمن رقابتها المباشرة  - فى التنبؤ بالازمة واتخاذ الاجراءات اللازمة لتفاديها قبل وقوعها، اذا كانت المبررات بالفشل فى التنبؤ بالازمة المالية العالمية من جانب المؤسسات المالية الدولية وفى مقدمتها صندوق النقد الدولى،والفيدرالى الامريكى وبنوك الاستثمار الكبرى، فان الامر قد يكون عصى على تفهم الحجج فى الازمة الراهنة، لاسيما فى ظل القلق الذى يسيطر على الاسواق من امتداد  عدوى ازمة الافلاس لتنتقل الى بنوك اخرى، خاصة بعد اعلان بنك سيجنيتشر  افلاسه، امس الاثنين،  وهو ما ظهر بوضوح فى التراجع الكبير فى اسعار اسهم البنوك فى البورصات العالمية خاصة فى الولايات المتحدة 

وبلغت الازمة ذروتها بتراجع سهم بنك فيرست ريبابليك  ما يفوق 60%، فى حين تهاوت اسهم البنوك بنحو 10% فى اوروبا، ولم تنجح محاولات المؤسسات الرقابية والتنظيمية  فى الولايات المتحدة باعلانها ضمان اجمالى الودائع بالبنك الذى تم اعلان افلاسه لتتجاوز الحدود القصوى التى تضمنها المؤسسة الفيدرالية لضمان الودائع التى تصل الى 250 الف دولار كحد اقصى، واستحواذ بنك اتش اس بى سى على وحدة بنك سيلكون فالى فى بريطانيا من احتواء حالة القلق التى تسيطر على الاسواق، حيث تهاوت اسعار الاسهم والسندات فى البورصات الامريكية والاوروبية  بشكل ملحوظ، مع اتجاه المستمثرين الى الملاذات الآمنة  كالذهب.

الفرق بين إفلاس البنوك والأزمة فى 2008

رغم  ان اسباب افلاس بنكى سيلكون فالى وسيجنيتشر، تبدو حتى الان اقل وطأة فى تداعياتها واثارها السلبية وتختلف الى حد ما مع الاسباب التى ادت الى الازمة المالية العالمية فى 2008، الا ان ثمة ما يربط بينهما بقوة فاذا كانت اسباب الازمة فى 2008 ترجع الى تضخيم البنوك لقيم ديون الرهن العقارى من خلال التقييم المبالغ فيه لاسعارها ثم اعادة توريق تلك الديون وبيعها فى البورصات عندما كانت اسعار الفائدة منخفضة وقتها قبل ان ترتفع فى 2008 وادت الى تعثر كثير من العملاء وتنفجر الازمة بافلاس عدد من البنوك، ورغم ان  الازمة كان منشأها واسبابها داخل السوق الامريكى الا ان تداعياتها السلبية سيطرت على الاقتصاد العالمى ولم يتعافى منها الا بعد سنوات،حيث نجح الفيدرالى الاميكى فى تصديرها للخارج  من خلال التمادى فى طبع المزيد من الدولار لمواجهة الازمة تعزيز ملاءة  بعض البنوك التى كانت تواجه مخاطر الافلاس.

ويثير الافلاس الذى تعرض له البنكين الامريكيين، مرة اخرى الشكوك التى نالت جانب كبير من الجدل بعد الازمة المالية العالمية   حول  كفاءة وقدرات المؤسسات المالية العالمية بالتنبؤ بالازمات المالية والعمل على تفاديها، وكذلك حول كفاءة اقتصاد السوق الحر وقدرته على تصحيح اخظاؤه وفقا لآليات العرض والطلب وكفاءة منظومة الرقابة الداخلية لدى الشركات والمؤسسات المالية، حيث انتهى الامر  الى اهمية تشديد الاجراءات التنظيمية والرقابية على البنوك والمؤسسات والشركات من جانب الجهات الرقابية والتنظيمية  والمحاسبية. 
وتظل هذه الشكوك فى محلها، رغم ما تقدمه الجهات الرقابية والادارة الامريكية من اسباب عدم التنبؤ بافلاس البنكين بتدخل ادراة الرئيس الامريكى السابق ترامب، لتقليل وخفض  القواعد الرقابية والمحاسبية على الشركات والبنوك التى يقل اصولها عن 250 مليار دولار - ومنها بنك سيلكون فالى الذى بلغت اجمالى اصوله 210 مليار دولار فى 2022 - ما يبرر تفاجئ الفيدرالى الامريكى  وعدم تدخله قبل حدوث الازمة اذ يطرح ذلك تساؤلا مهما حول دور المؤسسات المالية العالمية وفى مقدمتها صندوق النقد الدولى المعنى اساسا بالاستقرار المالى العالمى والقدرة على التنبؤ والتوقع بالتطورات المالية والاقتصادية.

حجم وتداعيات الازمة الراهنة على الاقتصاد الامريكى

تداعيات افلاس البنكين الامريكيين سوف تستمر لبعض الوقت رغم التدخل السريع من جانب الادراة الامريكية والفيدرالى الامريكى لطمأنة الاسواق وامتصاص حالة القلق والزعر بالاسواق، رغم حرص الرئيس الامريكى على القاء خطاب لطمـأنة الاسواق وتأكيده ان اموال المودعين مضمنونة بالكامل، الا ان وصف وزيرة الخزانة الامريكية للامر فور اعلان افلاس بنك اس فى بى " بالصدمة " قد يغكس واقع الامر  وحجم المشكلة بشكل دقيق، رغم تاكيدها إنها تعمل مع الجهات التنظيمية للقطاع المصرفي بغية مواجهة انهيار بنك سيليكون فالي ووضع خطة انقاذ لحماية المودعين وعدم انتقال عدوى الافلاس والديمنيو الى بنوك اخرى.كما يعكس حجم المشكلة ما عبر عنه المتحدث باسم صندوق النقد الدولي في بياناذ اكد على الصندوق  "يراقب عن كثب التطورات والآثار المحتملة على الاستقرار المالي، ولدينا ثقة كاملة في أن صناع السياسة في الولايات المتحدة يتخذون الخطوات المناسبة لمعالجة الوضع."

يظل الامر مبكر للتكهن بمدى وحجم تداعيات الازمة الراهنة على الاقتصاد الامريكى، اوالاقتصاد العالمى، ولكن من المؤكد انها ستزيد من متاعب الاقتصاد العالمى، لاسيما فى ظل تخفيض صندوق النقد الدولى توقعاته  فى يناير الماضى  للنمو العالمى، والتوقع بدخول الاقتصاد العالمى مرحلة ركود مع التباطئ المتوقع فى اقتصادات الولايات المتحدة والصين ومنطقة اليورو وبريطانيا  يمكن القول ان ما حدث سيدفع الفيدرالى الامريكى الى اعادة النظر فى وتيرة رفع الفائدة – اذ يتوقع الا يقدم على رفع الفائدة فى اجتماعه الطارئ اليوم – وهو ما سيكون له تاثير ايجابى ففى تخفيف الضغوط على الدول الناشئة واستعادة فرصة جذب اموال الصناديق العالمية من جديد لمواجهة شح العملات الاجنبية وما ينجم عنه من خفض عملاتها.

ويجدر بنا هنا الاشارة الى تاثير ذلك على القطاع المصرفى  بمصر، ووفقا  لبيان البنك المركزى المصرى، فانه لا يوجد انكشاف من البنوك فى مصر على بنكى سيلكون فالى وسيجنيتشر، كما  أن نسبة السيولة لدى البنوك فى مصر كبيرة اذ  توظيف القروض إلى الودائع بالبنوك – بخلاف البنك المركزي- ارتفعت إلى %49.3 بنهاية الربع الأول من 2022، مقابل %48.3 بنهاية ديسمبر الماضى، كما ان نسبة كفاية راس المال لدى تك البنوك تتجاوز متطلبات بازل 3، مما يعزز من ملاءتها وسلامتها.

ونقدم لكم من خلال موقع (فيتو)، تغطية ورصدًا مستمرًّا على مدار الـ 24 ساعة لـ أسعار الذهب، أسعار اللحوم ، أسعار الدولار ، أسعار اليورو ، أسعار العملات ، أخبار الرياضة ، أخبار مصر، أخبار اقتصاد ، أخبار المحافظات ، أخبار السياسة، أخبار الحوادث ، ويقوم فريقنا بمتابعة حصرية لجميع الدوريات العالمية مثل الدوري الإنجليزي ، الدوري الإيطالي ، الدوري المصري، دوري أبطال أوروبا ، دوري أبطال أفريقيا ، دوري أبطال آسيا ، والأحداث الهامة و السياسة الخارجية والداخلية بالإضافة للنقل الحصري لـ أخبار الفن والعديد من الأنشطة الثقافية والأدبية.

الجريدة الرسمية