رئيس التحرير
عصام كامل

مفاتيح السعادة، الأخوة في الله (6)

قبل أيام، كنت شاهد عيان على وفاة صديق، وزميل عمل، رحمه الله رحمة واسعة. كان إنسانا جميلا وطيب المعشر، لكنه لم يكن له إخوة في الله، ولم يعرف الحب في الله، فلما توفي، لم يكن حوله أحد.. وحضر أقاربه، وقاموا بمراسم الدفن، وانتهى أمره، فلسوء الحظ لم يك له ذرية، بل لم يكن متزوجًا من الأساس.


قارنت هذه المشاهد المؤلمة بمشاهد أخرى عاصرت بعضها في حالات وفيات لإخوة في الله.. توفوا وهم محاطون بعشرات الأشخاص، من إخوة وأقارب، صاحبوهم في أحلك اللحظات التي تسبق صعود الروح إلى بارئها، مع ما في ذلك من دعوات صادقة، القلوب منبعها. الأخوة في الله شيء رائع، وثمين جدًّا، وغالٍ، ونفيس.


قال الله في كتابه العزيز: "وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا". (آل عمران). الأخوة في الله والتآخي في الله - نعمة عظيمة لا يشعر بها إلا المسلمون، لا يشعر بها إلا الذين جعلهم الله إخوة. وقال عز وجل: “إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ” (الحجرات)، “فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ” [الحجرات:10] فالأخوة تنبثق من التقوى ومن الإيمان.

 

الله عز وجل وصف أهل الجنة بأنهم إخوة في الله، قال عز من قائل: “وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ” (الحجر) إذا دخل أهل الجنة الجنة لا يزال في صدورهم بعض الأشياء العالقة من الدنيا، فإذا دخلوا الجنة نزع الله من صدورهم الغل فصارت عندهم أخوة نقية ما فيها شائبة واحدة.


ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم من ضمن شروط الإيمان (أن يحب المرء لا يحبه إلا لله) إذا تحقق هذا الشرط فإن الله تعالى يظل هؤلاء المتحابين تحت ظل عرشه يوم لا ظلَّ إلا ظله (ورجلان تحابا في الله، اجتمعا عليه وتفرقا عليه).

الحب في الله

ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الحسن في صحيح الجامع (ما من مسلمين يلتقيان فيسلم أحدهما على صاحبه ويأخذ بيده لا يأخذ بيده إلا لله، فلا يفترقان حتى يغفر لهم). لو كانت العلاقة والأخوة لله، وفي الله، لسلمت من الفساد، ولما كان للنفس الأمارة بالسوء فيها أدنى دخل.. أما إن كان أصل اللقاء فاسد، فما بني على فاسد فهو فاسد، فأصل اللقاء فاسد وهو الدنيا، فمن الطبيعي أن يتفرقوا على أشياء كثيرة من البغضاء والشحناء.

 

قال الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "ما أعطي العبد بعد الإسلام نعمة.. خيرًا من أخ صالح، فإذا وجد أحدكم ودًا من أخيه فليتمسك به". وقال الشافعي: "إذا كان لك صديق يعينك على الطاعة فشد يديك به؛ فإن اتخاذ الصديق صعب ومفارقته سهلة".

 

وقال الحسن البصري: إخواننا أحب إلينا من أهلنا وأولادنا، لأن أهلنا يذكروننا بالدنيا وإخواننا يذكروننا بالآخرة، ومن صفاتهم: الإيثار. وقال لقمان الحكيم لابنه: يابني؛ ليكن أول شيء تكسبه بعد الإيمان بالله أخا "صادقا"، فإنما مثله كمثل: "شجرة"، إن جلست في ظلها أظلتك وإن أخذت منها أطعمتك وإن لم تنفعك لم تضرك..


والحب في الله والأخوة في الله عميقة جدًا جدًا إلى أبعد ما يتصور الإنسان المسلم، وهي عبارة عن محبة متزايدة يدفعها إلى التزايد حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما تحاب اثنان في الله تعالى إلا كان أفضلهما أشدهما حبًا لصاحبه). 


وكلما أحببت أخاك أكثر ازددت فضلًا عند الله. ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم موضحًا الأجر العظيم للمحبة في الله والأخوة في الله وبعض بنودها، يقول عليه الصلاة والسلام عن الله عز وجل في حديث قدسي: (حقت محبتي للمتحابين فيَّ، وحقت محبتي للمتواصلين وحقت محبتي للمتباذلين فيّ).. 

 

وقال عليه الصلاة والسلام أيضًا: (المتحابون في الله على منابر من نور يغبطهم النبيون والصديقون والشهداء) هذا يبين عظم المحبة وفضلها ومنزلة المتحابين في الله عند الله عز وجل، يكونون في منابر مرتفعة من نور يغبطهم على هذا المكان النبيون والصديقون والشهداء، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إن الله يقول يوم القيامة: أين المتحابون بجلالي؟ اليوم أظلهم في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي) رواه مسلم.


حبذا لو كانت الأخوة في النسب مغلفة بالحب في الله، أما العلاقة الزوجية فإن كانت محاطة بالمودة والرحمة، والحب في الله، فإنها تكون أعظم أسرة، وتمثل أروع علاقة، وأجمل مشاعر.

 

 

بالأخوة في الله نستطيع مواجهة الحياة؛ فالمرء قليلٌ بنفسه كثيرٌ بإخوانه، الواحد منا لوحده لا يقوى أبدًا على مواجهة الحياة وظروفها ومشاكلها، إذا ما كنت في وسط إخوة في الله عز وجل ستذوب شخصيتك في هذه الحياة الدنيا الفانية، وستنهال عليك المصائب من كل جانب، ولا من معين. أبو الحسن الشاذلي، رضي الله عنه، يقول: "التمس لأخيك تسعين عذرا، فإن لم تجد فقل: لعل له عذر لا أعلمه". وقال أحد الصالحين: "اتخذ لك أخا في الله؛ إذا نسيت الله ذكرك، وإذا ذكرت الله أعانك".

الجريدة الرسمية