رئيس التحرير
عصام كامل

عندما نعطي.. نلهم الآخرين بالعطاء (2)

نكمل كلامنا عن الدور الاجتماعي لرأس المال وكيف أنه يتحقق في الغرب بدرجة أو بأخرى ولا يتحقق بالدرجة نفسها عندنا، انظروا مثلًا إلى الإنفاق السفهي لبعض الأغنياء عندنا في الأفراح والمناسبات المختلفة  لتعلموا لماذا لا يبدو غريبًا أن نضرب بمارك زوكر المثل والقدوة في أداء الواجب الاجتماعي لرأس المال.. 

 

فهذا الأمريكي النابه جمع ثروة هائلة ولم تستبد به نوازع السطوة والغرور ولا حب التملك وحب النفس والشح.. ولا أنفقها كما يفعل كثير من القادرين هنا على الملذات والهوى.. والفارق هنا تصنعه الثقافة والنضج ؛ فزوكر يدرك أن السعادة أن تفعل شيئًا نافعًا للناس؛ وهو ما يقوله تراثنا "خير الناس أنفعهم للناس"..

 

ولم يكن مارك وحده النموذج لرجل الأعمال الذي حقق رسالة رأس المال بل إن هناك نماذج عديدة غيره بينهم الملياردير الأمريكي وارن بافت الذي تبنى مع نظيره بيل جيتس صاحب مايكروسوفت المشهورة حملة لأعمال الخير تحت شعار أثير أنه "عندما نعطي نلهم الآخرين بالعطاء".. 

 

وكانت تلك الحملة بمثابة رسالة تحفيز وتشجيع لأقرانه من رجال أعمال أمريكا الأكثر منه مالًا للتبرع بجزء من ثرواتهم الضخمة لصالح الفقراء..وهو ما تحقق بالفعل وانجذب إلى حملته عشرات من رجال الأعمال الأمريكان ذوي الثراء البالغ، متبرعين بمبالغ هائلة تقترب أحيانًا من نصف ثرواتهم أو ربما تزيد.. والمحصلة جمع أرقام بالمليارات لمشروعات الخير التي تجاوز نطاقها حدود الولايات المتحدة ذاتها ليعم نفعها دولًا أخرى ترزح تحت نير الفقر.


ورغم أن ديننا يقوم على الإثار والحب لقوله تعالى:"وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ" وقول النبي الكريم: "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه " وقوله صلى الله عليه وسلم "ما آمن بي من بات شبعان وجاره جائع إلى جنبه وهو يعلم به".. فإن ما نراه من أصحاب الأموال والثروات شيئًا آخر تمامًا.. أليست هذه الآيات والأحاديث دعوة صريحة لإعانة الفقراء ومدّ مظلة التكافل لكل محتاج وإلا فإن إيمان المرء يظل ناقصًا!

 

الدور الاجتماعي لرأس المال

الوظيفة الاجتماعية لرأس المال ليست شعارًا أجوف بل مطلبا حتميا في كل وقت وتتعاظم الحاجة إليها في الشدائد والملمات وهي فريضة لا يجوز التقاعس عن أدائها وإلا اختل ميزان العدالة الاجتماعية واتسعت الفوارق الطبقية التي تجعل المجتمع على شفا الاحتقان.. وقد آن لعزوف كثير من رجال الأعمال عن أداء الدور الاجتماعي أن يتوقف طواعية خصوصًا في هذه الأيام الفضيلة. 


إن ديننا الحنيف يدعو إلى البذل والعطاء والتكافل الاجتماعي، وهو ما تسعى الرأسمالية  إلى تحقيقه في الغرب رغم أن البعض يحلو له أن يصمها بالمتوحشة.. لكن ذلك لا يمنعنا من القول إن هناك رجال أعمال شرفاء يستحقون التقدير لوطنيتهم وإحساسهم بالوظيفة الاجتماعية لرأس المال الخاص لكنهم قلة محدودة نتمنى أن يزداد عددهم فلدينا والحمد لله أثرياء كثر وهم لا يقتصرون على رجال الأعمال المشهورين الذين يتداول الإعلام أسماءهم..

 

فثمة أغنياء بين جميع فئات المجتمع لكنهم مع الأسف يترددون كثيرًا في دعم أو المشاركة في أعمال الخير إذا ما دعت لذلك حاجة رغم أن ذلك أضعف الإيمان وأقل ما يمكن أن يقدموه لوطن جاد لهم بكل شيء ومنحهم الثروة والشهرة والأمن وكافة مقومات الحياة والنجاح والرخاء.. فلماذا  يبخلون بالمساعدة ومد يد العون لبني وطنهم من الفقراء والمحتاجين ما داموا هم قادرين على العطاء.


لماذا لا يبادر الأغنياء والقادرون لا أقول بالتبرع بنصف أو حتى ربع ثرواتهم كما فعل بيل جيتس بل نرجوهم أن يخرجوا زكاة أموالهم أو حتى يدفعوا ما عليهم من ضرائب دون مماطلة أو تلاعب تهربًا من أدائها.. أليس واجبًا عليهم أن يضطلعوا بدورهم في محاربة الفقر ورفع المعاناة عن ساكني القرى والمناطق الأكثر فقرًا.


في العالم المتقدم  يلعب القطاع الخاص الدور الأهم في بناء نهضته بحسبانه شريكا رئيسيًا في التنمية بمفهومها الشامل، لا يسعى للربح فقط بل يهتم أيضًا بخلق فرص عمل تمتص البطالة ويشارك في تنمية المجتمع بنشر التعليم ومنح فرص التدريب والإسهام في بناء المدارس والمستشفيات ويمد يد العون لذوي الاحتياجات ودور الأيتام وغيرها من أنشطة خيرية.


ما أجمل الشعور بأن تعطي عن طيب خاطر دون منٍّ أو أذى أو انتظار الشكر من أحد.. وما أعظم أن تكون سببًا في إسعاد من حولك؛ فعندما نعطي نمنح الآخرين القدرة على العطاء.. فيا أغنياءنا وكل قادر على العطاء فينا.. انظروا ما يفعله رجال أعمال الغرب حتى تعرفوا حقيقة الرسالة الاجتماعية لرأس المال الخاص إن كنتم لا تعلمون.

 


العطاء لا يحتاج منك أن تكون غنيًا فاحش الثراء بل أعط ولو شق تمرة.. المهم أن يتحقق المبدأ.. ثم ألم تروا كيف فرض الله زكاة الفطر على من يملك قوت يومه فقط حتى يدرب المؤمنين على العطاء والإيثار والتخلص من شح النفس وحب التملك والاستحواذ.. هذه هي روح الأديان التي علينا أن نستلهمها حتى نحقق السعادة ونحمي المجتمع من شرور الفقر والحقد والحرمان ونضمن له التماسك وسلامة البنيان.

الجريدة الرسمية