رئيس التحرير
عصام كامل

نجيب ساويرس.. كما أعرفه

عرفت رجل الأعمال المهندس نجيب ساويرس منذ زمن بعيد، ولمست نبل أخلاقه ووفائه في معاملاته وصداقته.. حين يتحدث نجيب ساويرس تخرج الكلمات من قلبه كما هي في دخيلة نفسه.. 

وإذا أردت دليلًا على ذلك فأرجع لتغريدات نجيب على مواقع التواصل الاجتماعي أو إلى حواره للإعلامية  نايلة تويني، فلا تجد إلا وطنيا معجون بحب هذا الوطن، مصر التي يعشقها نجيب كما لم يعشق شيئًا آخر في حياته؛ لدرجة أنه لا يقوى على الابتعاد عنها مهما استغرقته أعماله في الخارج فإنه سرعان ما يجذبه الحنين للعودة إليها.. فهو يرتبط بها ارتباطه بأسرته تمامًا. 


نجيب يقدم مصلحة مصر دائمًا على مصالحه الشخصية حتى في أحلك الظروف التي واجها لم يقطع ارتباطه بها.. وهذا ما أكده بقوله: "لو مصلحتي كمصري قبطي تعارضت مع مصلحة مصر هأفضل مصلحة مصر حتى لو أنا اتظلمت، لو على حساب أن طائفتي تتظلم، بس بلدي تطلع قدام هبقى موافق، عمري ما فكرت أدخل برلمان أو أعمل  حزب، أنا مش شجاع ولكن أنا مؤمن".

بساطة نجيب ساويرس

بساطة وتلقائية نجيب رغم أنها قد تجلب له المتاعب وتعطى فرصة لخصومه والمتربصين به لكي يكيدوا له ويفسروا كلامه على غير المحمل الذي أراده.. لكن ما لا يفهمه هؤلاء أن تلك العفوية دليل على صدق نجيب ساويرس الذي ينطبق عليه القول العامي "اللي في قلبه على لسانه"..

 

فهو لا يناور ولا يداور ولا يتلون، ولا ينطق إلا بما يراه صوابًا أو بما يقتنع به.. ولا يتاجر بالمبادىء ولا بالأوطان كما يفعل غيره من رجال أعمال يفضلون مصالحهم الضيقة حتى على مصالح مصر، التي لها أفضال لا تحصي عليهم، ولا كما يفعل إعلاميون يضرون بمصر من حيث أرادوا نفعها.. 

 

فهم يدافعون عن الحكومة على طريقة الدبة التي قتلت صاحبها فيجلبون لها السخط بغباء، ولا تجد في كلامهم حجة تقنعك بل كلام زاعق حنجوري يطلق السباب والألفاظ الجارحة في وجه الخصوم دون أن يتحسبوا للعاقبة التي ساء مردودها وطاشت سهامها.. 

 

هذا الصنف من رجال الأعمال والإعلاميين يتعاملون مع مصر بمنطق "إذا أُعطوا منها رضوا وإن لم يعطوا إذا هم يسخطون".. لكن في وقت الشدة والمحنة لا يظهرون دعمًا ولا مساندة وربما لا يبدون معها أي تعاطف مع بلدهم؛ فمثل هؤلاء مالهم وثرواتهم ومصالحهم هي وطنهم الحقيقي الذي يخافون عليه ويسعون لحمايته والدفاع عنه بكل ما أوتوا من قوة.. وهؤلاء ينطبق عليهم القول الشائع "رأس المال جبان".. ولا وطن له!

وطنية نجيب ساويرس

نجيب ساويرس كما عرفته ليس طائفيًا ولا طبقيًا كما وصف نفسه؛ بدليل أننى كمسلم تربطني به مودة واحترام منذ عرفته.. وقد اعترف نجيب ذاته بأن معظم أصحابه وأصدقاء عمره مسلمون؛ وتلك طبيعة مسيحيي الشرق عمومًا ومصر على وجه الخصوص، تربطهم بإخواتهم في الوطن روابط أقوى من نزعات الطائفية البغيضة التي يحاول المتطرفون وأعداء الأوطان اصطناعها وإثارتها في كل زمان.. 

لكنها بفضل الله وتلاحم المصريين تحطمت على صخرة حب مصر منذ ثورة 1919 التي أراد الإنجليز إطفائها بإشعال نيران الفتنة الطائفية لكنها سهامهم ارتدت إليهم.


هذه مصر التي تتسع للجميع وتسع الجميع بحب فطري وقدرة عبقرية على الامتزاج ورفض محاولات التذويب والوقيعة بين عنصريها.. والتي قال عنها البابا شنودة "مصر وطن يعيش فينا"..
نجيب ساويرس جسد هذه الحقيقة التاريخية ببساطته المعهودة حين قال "اتربيت في بيت أعز صديق ليا زي أخويا وكان مسلم، وكنت بصوم رمضان معاه، أنا تركيبتي معنديش حتة التحيز الطبقي أو الطائفي".


بساطة نجيب ساويرس لا تمنعه من إبداء رأيه في السياسة بل إنه قال عنها صراحة: "أكتر حاجة اكتشفتها في السياسة إنها متنفعش مع شخصيتي، وأوحش حاجة فيها إنها عايزة تنازلات عن المبادئ وطالما هتنازل عن المبدأ.. لأ أبقى بعيد عن السياسة، ومشيت بعيد عن السياسة لإن معدني هيتغير وأتلوث والحمد لله إني مشيت بعيد عنها".


المدهش حقًا أن بعضًا ممن يهاجمون نجيب ساويرس اليوم سبق لهم أن طلبوا مني التوسط لديه لإجراء حوار معه أو مساعدتهم للعمل مذيعين، ولم يتأخر نجيب عن مساعدتهم حتى تحقق لهم ما أرادوا، ثم نسوا أنفسهم وغرتهم الحياة الدنيا.. 

 

إنها آفة الجحود والنسيان ونكران الجميل إذا تقاطعت المصالح.. إنها الدنيا التي تظهر معادن البشر.. فالمعدن الثمين لا يتغير لكن المعدن الرخيص سرعان ما يصدأ وتظهر حقيقته مع الأيام.. وإذا صح أن الناس معادن؛ فبعض المعادن يعلوها الصدأ.. وبعض المعادن لا يغيرها الزمن!

 


وكما يقول الشاعر:
كم شدة كشفت معادن أهلها.. إن الشدائد للورى غربال
تحية لمن لم تغيرهم الأيام ولا المناصب ولا المصالح ولا غرتهم الحياة الدنيا بما فيها من نعيم زائل زائف وتحية للمهندس نجيب ساويرس الذي لم تغيره الثروة ولم تفقده عفويته وبراءته.. ولا اغتر بما اغتر به الآخرون!

الجريدة الرسمية