رئيس التحرير
عصام كامل

انتخابات الصحفيين.. فرصة للإنقاذ أم مزيد من التدهور؟! (1)

ما أكثر ما تواجهه مهنة الصحافة وأصحابها من صعوبات وتحديات مهنية ومادية تتعاظم يومًا بعد الآخر.. حتى باتت الصحف الورقية على شفا هاوية في ظل غلاء فاحش في مستلزمات الطباعة والتشغيل وندرة الإعلانات والموارد.. ومنافسة شرسة غير متكافئة مع الفضائيات والسوشيال ميديا والمواقع الإلكترونية التي سحبت البساط من تحت أقدامها.. 

 

ناهيك عن تراجع المحتوى وقيم المهنة وأخلاقها وأحوالها المالية والإدارية بعد يناير 2011.. وكلها عوامل تعكس عمق مأساة وقسوة ما تعيشه الصحافة التي تجري انتخابات نقابتها الجمعة 3 مارس المقبل لاختيار النقيب وستة من أعضاء المجلس.

صناع المجد الصحفي
 

ثمة مرشحون كثر هذه المرة (55 مرشحا؛ بينهم 13 على منصب نقيب الصحفيين، و42 لعضوية المجلس؛ وهو عدد قابل للتراجع بعد الطعون والتنازلات) لكن عدد الجمعية العمومية أكبر من الدورات السابقة، وهو ما يجعل اكتمال النصاب القانوني اللازم صعبًا من أول جولة.. 

 

فهل يقدم كل هؤلاء المرشحين برامج انتخابية مثمرة وقابلة للتنفيذ وقادرة على حل معضلات مهنة كانت صاحبة جلالة يومًا ما وهي الآن تصارع الموت.. وهل ينأى المرشحون بنقابتهم عن تجاذبات الأيديولوجيا والسياسة لضمان الوصول بها لبر الأمان؟ 


وهل قرأ المرشحون لمنصب نقيب الصحفيين أو لعضوية مجلس النقابة سيرة وتاريخ نقابتهم ومهنتهم التي كانت يومًا رقمًا مهمًا في معادلة الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وكيف كان نقباؤها وأعضاء مجالسها منذ إنشائها في عام 1941، صحفيين ومفكرين عظامًا وقامات سامقة مهنيًا وثقافيًا وتأثيرًا بأفكارهم وأقلامهم في الرأي العام..

 

حتى أنهم كان يشار إليهم بالبنان ويعمل لهم ألف حساب، وأذكر منهم محمود أبوالفتح، ومحمد عبدالقادر حمزة، وفكري أباظة، وحسين أبوالفتح، وحسين فهمي، وأحمد قاسم جودة، وصلاح سالم، وحافظ محمود، وأحمد بهاء الدين، وكامل زهيري، وعلي حمدي الجمال، وعبدالمنعم الصاوي، ويوسف السباعي، وصلاح جلال، وإبراهيم نافع، ومكرم محمد أحمد وغيرهم.


هذه الأسماء اللامعة وغيرهم من صناع المجد الصحفي والنقابي أهم ما كان يميزهم وضوح الرؤية وقوة الملكة الصحفية، والتمكن المهني والحس السياسي والقدرة الخلاقة على الجمع بين أداء مهامهم الصحفية وأدوارهم النقابية في خدمة صاحبة الجلالة وأبنائها، والذود عن حرية الرأي والتعبير وفي الوقت ذاته إحداث توازن مع الحكومة، والنأي بالجماعة الصحفية عن الصدام مع السلطة ليتحقق الصالح العام.. 

نقابة الصحفيين وإسقاط القانون المشبوه

فمن ينسى مثلًا ذلك الدور العظيم الذي لعبه مجلس نقابة الصحفيين ونقيبهم الأستاذ إبراهيم نافع رحمه الله في إسقاط القانون المشبوه رقم 93 لسنة 95، الذي صدر بليل لاغتيال الصحافة وحماية الفساد.. انتفضت الجماعة الصحفية ونقابتها وخاضت نضالًا مشرفًا ومعركة ضارية على قلب رجل واحد بصلابة ورؤية واعية وضمير مهني لا يرضى بغير الانتصار لكرامة الصحفي والتقاليد المهنية العريقة..

 

فلم تجد الحكومة بدًا من التراجع عن القانون لتظفر الصحافة بحريتها وتنتصر في معركتها، التي كنت واحدًا ممن خاضوا غمارها من موقعي أمينًا عامًا لنقابة الصحفيين، وعضوًا بلجنة إعداد القانون البديل 96 لسنة 96.. هذا غيض من فيض أرجو أن يكون ماثلًا في أذهان المرشحين لانتخابات الصحفيين حتى يستلهموا هذه الروح في الحفاظ على حقوق زملائهم وكيانهم النقابي الشامخ.


لكل عصر رجاله وقاماته وظروفه ومعطياته.. ومن ثم فلا بأس من التذكير بأن مهمة نقيب الصحفيين ومجلس نقابتهم باتت اليوم أكثر صعوبة مما سبق لأسباب لا تخفى؛ فثمة تراجع حاد لدور الصحافة تحريرًا وتأثيرًا وتوزيعًا وأجورًا..

 

وهو ما يلقى على عاتق المرشحين أمانة ثقيلة وعظيمة تحتاج لكوادر من طراز خاص ليضعوا الحلول بخارطة طريق قابلة للتنفيذ وليس بشعارات جوفاء إنشائية لكسب الأصوات، ثم بعد الفوز تغلق الهواتف ويغيب الناجحون حتى عن الحضور لمبنى النقابة، ليتركوا الجمعية العمومية تواجه مصيرها وتتعامل مع موظفين لا قرار لهم ولا قدرة على تحقيق المراد حتى في أبسط الخدمات.


لا يخفي ما تعانيه النقابة والمهنة من  تراجع وربما انطفاء للدور والرسالة في ظل جحافل هائلة تسربت إلى  بلاط صاحبة الجلالة في غفلة أو كبوة بلا تأهيل ولا حاجة لكل هذا العدد، ولا لكل هذه الأقسام والكليات التي تدرس الإعلام والصحافة في مصر، حتى صارت أعداد خريجيها أكبر من طاقة سوق العمل في الصحف والفضائيات التي تشعبت بهم ولم يبق فيها قيد أنملة لأي قادم جديد.. 

 

أما الأسوأ فهو أن بعض أعضاء النقابة يحمل مؤهلًا جامعيًا من التعليم المفتوح وما أدراك ما التعليم المفضوح.. وانظروا مثلا ماذا فعلت نقابة المحامين لتنقية جداولها ممن لا يستحقون شرف عضوية لحماية المهنة وسمعة المحامين من هذا الغثاء الذي لا يضيف شيئًا للنقابة ولا للمهنة ذاتها.

 


فهل تخطو نقابة الصحفيين في ظل نقيبها ومجلسها الجديد خطوة مماثلة لتنقية جدول النقابة وتشديد ضوابط قبول أعضاء جدد لإنقاذ ما يمكن إنقاذه وتحسين أحوال الصحفيين الذين يرزح سوادهم الأعظم تحت خط الفقر المهني والمعيشي.. دعونا نتفاءل فلا غنى عن التمسك بالأمل عملًا بالحكمة القائلة: "تفاءلوا بالخير تجدوه".. ولمَ لا وقد قال نبينا الكريم: "«لا عدوى ولا طيرة، ويعجبني الفأل»؟!

الجريدة الرسمية