رئيس التحرير
عصام كامل

الأوقاف تفتتح دورة أئمة الجزائر: الثوابت لا مساس بها لا عقديا ولا تعبديا.. والمفتي: شرف ابتغاء العلم يستحق بذل كل نفيس

افتتاح دورة ائمة
افتتاح دورة ائمة الجزائر

افتتح الدكتور محمد مختار جمعة وزير الأوقاف الدورة العلمية المتخصصة لأئمة ووكلاء وزارة الشئون الدينية والأوقاف بدولة الجزائر الشقيقة بالقاعة الرئيسية الكبرى بمركز التدريب الرئيسي بمسجد النور بالعباسية اليوم الخميس.

 


وحضر الافتتاح فضيلة الأستاذ الدكتور شوقي علام مفتي الجمهورية، والشيخ خالد الجندي عضو المجلس الأعلى للشئون الإسلامية.

وفي كلمته رحب وزير الأوقاف بأئمة ووكلاء وزارة الشئون الدينية والأوقاف بدولة الجزائر الشقيقة في بلدهم الثاني مصر، مؤكدًا أن هذا اللقاء أشبه بلقاء تعريفي سيكون بعده عدة لقاءات موسعة على مدار الدورة، وستكون هناك محاضرة علمية متخصصة مشتركة بين الأئمة الواعظات المصريين، وأشقائهم من دولة الجزائر الشقيقة مع فضيلة المفتي في لقاء مفتوح بعنوان: "الفتوى في زمن متغير" للإجابة على جميع الأسئلة سواء في المجال الشرعي أم المجال الإداري في شأن الوقف، مؤكدًا أن الهدف من هذه الدورات هو تبادل الخبرات.

وأشار وزير الأوقاف الى أن معظم الإشكالات جاءت من عدم التفرقة بوضوح بين الثوابت والمتغيرات، مؤكدًا أن الثوابت لا مساس بها لا عقديًّا ولا تعبديًّا، فإنزال الثابت منزلة المتغير هدم للثوابت وهم للدين، وإنزال المتغير منزلة الثابت عين الجمود والتخلف، وأنه يجب الوقوف على ذلك ببصيرة وأناة وتمييز دقيق، فالنص المقدس ثابت، والشروح والحواشي والآراء التي كتبت أو قيلت حول النص اجتهادات تتغير بتغير الزمان والمكان والأحوال والأشخاص والمستفتين، وما كان راجحًا في عصر وفق ما اقتضته المصلحة في ذلك العصر قد يكون مرجوحًا في عصر آخر إذا تغيرت ظروف هذا العصر وتغير وجه المصلحة فيه، والمُفْتَى به في عصر معين، وفي بيئة معينة، وفي ظل ظروف معينة، قد يصبح غيره أولى منه في الإفتاء به إذا تغيّر العصر، أو تغيّرت البيئة، أو تغيّرت الظروف، ما دام ذلك كله في ضوء الدليل الشرعي المعتبر، والمقاصد العامة للشريعة ؛ وكان صادرًا عن من هو أهل للاجتهاد والنظر.

 

وتابع: إذا كانت العبادات في جملتها تدخل في نطاق الثابت فهي علاقة تتصل بخاصة العبد فيما بينه وبين الله (عز وجل)، فإن الشريعة الإسلامية ومرونتها قد فتحت أبواب المرونة والسعة واسعة أمام معالجة المتغيرات فيما يتصل بمعاملات الناس بعضهم مع بعض بيعًا وشراءً، وإقامة مجتمع، ونظام حكم، بما يحقق المصلحة الشرعية المعتبرة، ولا يتجاوز الثوابت، شريطة أن يقوم بعملية الاجتهاد والتجديد أهل النظر من العلماء المتخصصين المستنيرين غير المنعزلين عن واقعهم كما أنهم اعتبروا بالعادة والعرف إلى حد كبير في معالجة المتغيرات والمستجدات، يقول الإمام الشاطبي(رحمه الله ) : إن الأصل في العادات الالتفات إلى المعاني، وبالاستقراء وجدنا الشارع قاصدًا لمصالح العباد والأحكام العادية تدور عليه حيثما دار، فترى الشيء الواحد يُمنَع في حال لا تكون فيه مصلحة، فإذا كان فيه مصلحة جاز.
 

وأوضح أن هناك ما تصرف فيه النبي (صلى الله عليه وسلم) بصفته نبيًا ورسولًا، ففما تصرف فيه باعتباره نبيًّا ورسولًا، وهناك ما تصرف فيه النبي (صلى الله عليه وسلم) بصفته نبيًّا ورسولًا وحاكمًا، ففيما يتصل بشئون العقائد والعبادات والقيم والأخلاق وصح نسبته إليه (صلى الله عليه وسلم) أُخذ على النحو الذي بينه (صلى الله عليه وسلم) لأصحابه، ولا يختلف أمر البيان فيه باختلاف الزمان أو المكان كونه من الأمور الثابتة سواء اتصل بأمر الفرائض كصوم رمضان، والصلاة، والزكاة، والحج، أم اتصل بأمر السنن الثابتة عنه (صلى الله عليه وسلم) كصوم عرفة أو صوم عاشوراء.
 

تصرف النبي 

لافتا إلى أن ما تصرف فيه النبي (صلى الله عليه وسلم) بصفته نبيًّا وحاكمًا أو بصفته نبيًّا وقائدًا عسكريًّا، أو بصفته نبيًّا وقاضيًا، فهو تصرف باعتبارين: باعتباره (صلى الله عليه وسلم) نبيًّا واعتباره (صلى الله عليه وسلم) حاكمًا أو قائدًا أو قاضيًا وإذا كان أمر النبوة والرسالة قد ختم بقول الله تعالى: "مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا"، وقوله (صلى الله عليه وسلم): ( فُضِّلْتُ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ بِسِتٍّ: أُعْطِيتُ جَوَامِعَ الْكَلِمِ، وَنُصِرْتُ بِالرُّعْبِ، وَأُحِلَّتْ لِيَ الْغَنَائِمُ، وَجُعِلَتْ لِيَ الْأَرْضُ طَهُورًا وَمَسْجِدًا، وَأُرْسِلْتُ إِلَى الْخَلْقِ كَافَّةً، وَخُتِمَ بِيَ النَّبِيُّونَ )، فإن ما تصرف فيه النبي (صلى الله عليه وسلم) باعتباره حاكمًا أو قائدًا عسكريًّا أو قاضيًا بقي من شروط وضرورات التصرف فيه توفر الصفة الأخرى وهي كون المتصرف حاكمًا أو قائدًا عسكريًّا أو قاضيًا بحسب الأحوال.

فهم المقاصد 

وأكد وزير الأوقاف على ضرورة فهم المقاصد، فمثلًا: هل العبرة في قضية السواك بعين أداة السواك؟ أو العبرة بنظافة الفم وطهارته وما يحقق ذلك سواء كان بالفرشاة، بالمعجون، بالغاسول؟ العبرة بالمقاصد والغايات، وكذلك قوله (صلى الله عليه وسلم): " إذا أوى أحدكم إلى فراشه فَليَنْفُضْ فِرَاشَهُ بِدَاخِلَةِ إزَارِهِ فإنَّهُ لا يدري ما خلفه عليه"، وقد علل بعض شراح الحديث التوجيه بالأخذ بطرف الثوب بأنه (صلى الله عليه وسلم) وجَّه بذلك حتى لا تصاب اليد بأذى من آلة حادة أو طرف خشبة مدببة، أو حية أو عقرب أو غيرهما من المؤذيات، أو عود صغير يؤذي النائم وهو لا يشعر، أو نحو ذلك لو عمد الإنسان إلى نظافة مكان نومه بيده، وهو ما يؤكد المعنى الذي ذهبنا إليه، وبعضهم قال إنما عبر بطرف الثوب والمعنى: ولو كان ذلك بطرف ثوبك. 
 

وأضاف: هذه الأمور من قبيل العادات وليست من قبيل العبادات، وقد ذكروا أن امرأةً فقيهةً عالمةً متمكنة نزلت على قوم فرأت فيهم تشددًا وميلًا نحو الشكل على حساب الجوهر، قالت من شيخكم؟ من عالمكم؟ من الذي يفتيكم؟ قالوا: فلان، قالت له يا هذا: كيف تأكل؟ قال: اسمِ الله، وآكل بيميني، وآكل مما يليني، كل هذا من آداب الإسلام، "يا غلام: سَمِّ اللَّه، وكُلْ بِيَمِينكَ، وكُلْ مِمَّا يَلِيكَ"، قال: وأصغر اللقمة، وأحسن المضغة أي لسهولة الهضم، كل هذه الآداب قالت: ما هكذا يكون الأكل، فاندهش الرجل! كيف يكون إذًا؟ وماذا تركت من الآداب؟ وماذا بقي؟ قالت: "كل حلالًا وكل كيف شئت"، فإذا أكلت حلالًا لا يضيرك إن نسيت بعض الآداب، أما إن أكلت حرامًا وبدئت بكل الأذكار والآداب ؛ "فكُلَّ جسد نَبَتَ مِنْ سُحْتٍ، فَالنَّارُ أَوْلَى بِهِ"، قالت له وكيف تنام؟ قال: آوي إلى فراشي، فآخذ بطرف ثوبي، فأنظف منامي أي مكان النوم، وأضطجع على يميني، وأتلوا أذكاري، قالت: وما هكذا يكون النوم، فاندهش! وماذا إذًا؟ ما الذي أفعله بعد؟، قالت: نم نقي الصدر سليم الصدر ونم كيف شئت، فالعبرة ليست بالمظهر وحده إنما بالجوهر والغايات والمقاصد، أما إنزال الثابت منزلة المتغير هدم للثوابت وهم للدين، وإنزال المتغير منزلة الثابت عين الجمود والتخلف، أما الفقه الحقيقي فهو رخصة من ثقة، وهو التيسير بدليل، وهو السماحة بيعًا وشراء، وقضاء واقتضاء، وإيمانًا بحق التنوع والاختلاف، ولم يقل أحد من أهل العلم المعتبرين إن الفقه هو التشدد؛ ذلك لأن الله (عز وجل) يقول: "‌يُرِيدُ ‌اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ"، ويقول سبحانه: "‌وَمَا ‌جَعَلَ ‌عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ".
 

تجديد الخطاب الديني 

وفي كلمته رحب فضيلة الدكتور شوقي علام مفتي الجمهورية بالحضور جميعًا وبضيوف مصر الأجلاء من دولة الجزائر الشقيقة، موجها خالص الشكر والتقدير لوزير الأوقاف على الدعوة الكريمة والتي أتاحت هذا اللقاء حول مائدة العلم للتحاور والنقاش في قضايا المسلمين بقواعد علمية راسخة.
 

 

وأكد أن العلماء هم ذخيرة الأمة الإسلامية، وهم مصابيح الهدى في ليالي الدجى، وهم ملاذ الأمة الآمن الذي به تلوذ، وحصنها المنيع الذي به تحتمي، وهم الموقعون عن رب العالمين سبحانه، وورثة خاتم الأنبياء والمرسلين (صلى الله عليه وسلم)، وهذا تكليف كبير للعلماء ليأخذوا الأمر بحقه، فالأمة في حاجة ماسة إلى توجيهات وإرشادات العلماء، ومن هنا أتت أهمية التكوين العلمي وتأهيل السادة العلماء لتجديد الخطاب الديني ومواكبة التطورات العصرية من الأفكار والأحداث والمتغيرات، ومجاوزة مرحلة التحصيل العلمي المكون للعقل العلمي إلى مرحلة إدراك الشأن العام والعلم بالزمان ومعرفة الضروري والمهم؛ من إدراك لثقافة العصر، والإلمام بهموم الناس وما يشغلهم حتى تكون الفتوى مواكبة ومحققة لمراد الله (عز وجل) وتجمع بين التأصيل الشرعي والتواصل المعرفي، مضيفًا أن الأحداث التي تمر بالأمة الإسلامية الآن وخاصة ما يتعلق بقضايا العنف والإرهاب وقضايا الإلحاد تحتاج إلى جهود السادة العلماء لدراسة الفلسفات المعاصرة دراسة معاصرة وافية، ووضع إجابات لكافة الإشكالات العصرية التي تشغل عقول أبنائنا، حفاظا عليهم من الإجابات غير المتخصصة لتحقيق التجديد الحقيقي للخطاب الديني والذي دائمًا ما يدعونا إليه الرئيس عبد الفتاح السيسي.
 

وأكد أن شرف ابتغاء العلم يستحق بذل كل غال ونفيس لتحقيق التكوين المعرفي والعلمي الذي يساعد على مواكبة العصر ومواجهة التحديات وتجديد الخطاب الديني والذي هو واجب الوقت.

 

وفي كلمته أكد الشيخ خالد الجندي عضو المجلس الأعلى للشئون الإسلامية أن قضية الواقع المتغير وعلاقته بالإعلام الديني قضية غاية في الخطورة، فالدين قضيته قضية إعلام، فلا فائدة من دعوة بغير إعلام، ولا فائدة من رسالة بغير بلاغها للمرسل إليه، بل إن وصول الرسالة للمرسل إليه هي من أوجب واجبات الشرع التي حرص الإسلام على إيضاحها، وحرص الإسلام على حمايتها، وحرص القرآن على بيانها قال تعالى: "وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ"، وعند الوقوف عند قوله: "وقال" فهذا ينبه إلى أن القرآن لم يكتف بأن تكون صالحًا في نفسك فحسب؛ بل حوَّلك من صالح إلى مصلح، فلابد من الإعلام ولابد من الجهر لهذا اللواء الذي أنت تحت لوائه، قال تعالى: "فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ"، فلابد أن تكون هناك رسالة تبلغها فإن فشلت في إبلاغها فقد فشلت في دعوتك، وهي أشرف رسالة، وقد أشاد القرآن الكريم بهذا الرجل الذي دعا إلى الله (عز وجل) حيًّا وميتًا قال تعالى: "قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ"، فأنت داعية تتحدث عن الله سبحانه كما فعل الأنبياء (عليهم السلام) من قبل، قال تعالى: "قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي"، فيجب أن تكون متبصرًا بالأحوال عندك وقد اصطفاك الله (عز وجل)، ويكفيك أن الله قدم العمل على الكلام في الحديث عن الدعوة، مبينًا أن أهل الباطل يتقاتلون لأجل إعلامك بما يعملون في كل موقع، لماذا يناضل من أجل باطله؟ إنهم يعلمون أن الإبلاغ مهم جدًا، وهنا سؤال لماذا يتباطأ أهل الحق في الإعلام عن دعوتهم؟ يجب أن يعلن أهل الحق عن دعوتهم وإبلاغها للناس لإخراج الناس من ظلم الإنسان إلى عدل الرحمن، هذه رسالتكم التي يجب أن تشرق بها وجوهكم، وتبيض بها صفحاتكم، ولتعلموا أن الله أراد لكم الخير بأن اختاركم لحمل هذا الخير.

الجريدة الرسمية