رئيس التحرير
عصام كامل

مصطفى كامل ومعركة النتش الكبرى!!

في معركة نظنها واحدة من وقائع الفصل بين الغث والثمين، وإقرار منا بما يجب أن نفعله لضبط الإيقاع وإعادة اليقين إلى مواضعه في قضية نراها على غاية من الأهمية.. نجح الفنان مصطفى كامل في انتخابات الموسيقيين. والموسيقى ليست إيقاعا راقصا أو ملفا هامشيا أو نوعا من قضاء وقت الفراغ في فراغ، وإنما تتعدى ذلك بكثير لتصل إلى تلوين وجدان الناس..الناس في حقولهم..في مصانعهم..في مدارسهم.. في جل حياتهم على كوكب الأرض.


والغناء ليس كلاما مرصوصا أو أبيات من شعر تتوافق نهاياته بقافية مصنوعة، وإنما هو الشعر والصوت والإيقاع الذي يشكل أحاسيس البشر وواقعهم وأمانيهم وأحلامهم. ومن أجل ما سبق وغيره؛ أعارض الظانين، وبعض الظن شر، بأن ترك الجماهير للحكم على لون الفن ونوعه وإيقاعه وترك المجال أمام كل صنف يظهر علينا جديدا أو رتيبا دون معايير.


فور إعلان فوزه في الانتخابات التي جرت وقائعها مؤخرا قال مصطفى كامل نقيب الموسيقيين إنه يخشى على أولاده وعلى أولادنا من موجات الهسس الغنائى والتي أطلقوا عليها "فن المهرجان". وأضم صوتى إلى صوته وأناضل معه، ومعى كثر، من أجل إعادة الوجه الحضارى للفن المصرى الذي ضل الطريق وواصل السقوط حتى وصل إلى مفهوم "انتش واجرى".

خطر انتش واجرى


إن خطر المصطلح وغيره من الأفكار المطروحة على أذاننا -رغما عنا- في الشوارع والحواري عبر مكبرات الصوت المتروكة إهمالا داخل مركبات لا تقل خطرا عن المهرجانات.. داخل العار المسمى «توكتوك». وقد وجدت المهرجانات بكل ما تحمل من منظومة قيم هي الأدنى والأحقر والأخطر، طريقها إلى أفراح الكبار.. كبار النتاشين والنهابين والاستغلاليين دون أن تجد من يوقفها.


إن معركة الفنان هانى شاكر المنسحب يأسا وهلعا وخوفا، كانت من أجل الحق ومن أجل إعلاء القيم الإنسانية وقد آثر الرجل الانسحاب أو الانسحاق أمام تيار أحاط به من كل جانب دون أن يجد من بيننا معينا أو مدافعا أو مقاتلا معه في نفس الصف.


ومعركة مصطفى كامل هي معركة بلد كان قبل هذا الانحدار هو المبدع الحقيقي الذي شكل وجدان أمة عربية غنت بلسان واحد أمجاد يا عرب أمجاد، وغنت لأم كلثوم وعبد الوهاب واستقطبت كبار النجوم العرب؛ ليصبحوا جزءا من إنتاج ثقافي شاركت فيه كل الأمة وقادته قاهرة المعز بما تكتنز من درر الشعر وياقوت الموسيقى وشجن الأصوات وعمقها.


ومن مآسى الأحداث أن يقول فينا قائل إن الفن منتج لابد من عرضه وعلى الجماهير أن تختار.. أليست المخدرات منتجا؛ إذن يجب تركه على المشاع لاختيار الناس. الفن الهابط أكثر خطرا من قوالب الحشيش وحقن الماكستونفورت وبودرة الكوكايين والآيس وغيرها من آفات حلت ببلادنا وتباع على الأرصفة.


تركنا لتجار المخدرات مجالا واسعا فانظر ماذا فعلوا بأبنائنا وبناتنا.. انظر إلى الجيل الجديد وما يعتريه من أمراض وتشوهات وعدم قدرة على العيش. انظر إلى حالات الانتحار.. أليست نتيجة لسيادة مفاهيم الإحباط وموسيقى الجنون وأغانى الجهل المتطرف ومخدرات تنساب بين شوارعنا وحوارينا وكأنها رياح تهب دون أن يراها أحد أو يقاومها جهاز أمني بات غارقا في تفاصيل أخرى.

 


معركة مصطفى كامل واحدة من معارك الوعى التي يجب علينا أن نشاركه القتال فيها والانتصار معها على كل متسلل علينا وعلى وجداننا وعلى أذواقنا ومسامعنا. لو تركناه تحت شعار اذهب فقاتل أنت وزملاؤك إنّا ها هنا متكئون على أرائك الوهن والضعف والاستسلام والرضا بالعبث الذي طال كل ما فينا فإننا بحق نعلن عن صدق بأننا أسقطنا وطنا في مستنقع القبح.

الجريدة الرسمية