رئيس التحرير
عصام كامل

ليلة جني القطن

في منتصف الصيف وقبل بدء موسم جني القطن كانت طائرات الرش تحلق عن قرب لترش المبيدات على الأراضي المنزرعة بالقطن، كنا صغار وكنا نتتبع الطائرات عندما تدنو من المنازل، كانت كثير من الأراضي الزراعية وخاصة الأراضي التابعة للإصلاح الزراعي يتم زراعتها ب القطن، وبعد فترة تذهب الأنفار ل الحقول لجمع دودة القطن، وكان الكثير من التلاميذ والصغار يشاركون في هذا الموسم.. 

 

وما أن تهل علينا أيام المدارس وتهب نسائم بداية أكتوبر حتى ينشط موسم جني القطن فيغيب الكثير من التلاميذ عن المدارس لمشاركة أهاليهم في جني القطن، الذي يتم تعبئته في جوالات خيش كبيرة تمهيدا لبيعه، كثيرا ما رأينا حال كنا صغار كيف كان يتم تعبئة تلك الجولات ونقلها إلى الجرن الكبير بجوار مازلنا ليتم وزنها وكتابة وزنها وإسم صاحبها، ثم تأتي عربيات النقل التيمس بنقلها من القرية إلى مستودع كبير في قرية صنبو تمهيدا لتجميعها من القرى المحيطة ونقلها إلى القاهرة.. 

تراجع الإنتاج

وبعد ذلك بأيام يذهب الصغار للغيط للحصول على ما تبقى من بقايا القطن لبيعه بجنيهات معدودة للتجار بعد وزنه بالرطل، سنوات طوال مرت بعد ذلك دمرنا فيها ما تبقى من أراضي خصبة، جرفنا فيها الأراضي وزرعناها بكتل صماء أهلكنا الحرث والنسل بفعل ممارساتنا الخاطئة.


مصر التي اشتهرت بزراعة القطن طويل التيلة منذ أكثر من مائتي عام وكانت على رأس قائمة الدول المصدرة له تراجع انتاجها بعد تدهور زراعة القطن في مصر ومحدودية صناعة الغزل والنسيج التي تعتمد على القطن طويل التيلة، في الحقبة الناصرية انتشرت مصانع الغزل والنسيج وكان هناك اهتمام بزراعة القطن لاستخدامه في التصنيع المحلي وكذلك تصديره للخارج ثم ما لبث الأمر رويدا رويدا أن نعتمد على القطن قصير التيلة الذي يتم استيراده وكذلك الألياف الصناعية..

 

 

مما جعلنا نهمل زراعة القطن خاصة أننا فشلنا في ترويجه وتسويقه بشكل صحيح يتفق مع المكانة التي تبؤها القطن المصري على مدار سنوات طوال، وغياب دور الإرشاد الزراعي بما أدى لتراجع انتاجه وتراجع دور مصر في تصديره، القطن المصري ليس مجرد نبات بل هو إرث ثقافي وتاريخ طويل يعكس جزء من ثقافة مصر، الأمل أن يتم الاهتمام بملف الذهب الأبيض مرة أخرى وللحديث بقية إن كان في العمر بقية.

الجريدة الرسمية