رئيس التحرير
عصام كامل

في الذكرى الأربعين لمذبحة صبرا وشاتيلا.. العالم لا يزال صامتا

صورة أرشيفية من المجزرة
صورة أرشيفية من المجزرة

يتذكر العالم اليوم المجزرة التي اهتز لها ضمير العالم كله، حيث يذكر التاريخ أنه في مثل هذا اليوم من 1982 وقعت مجزرة "صبرا وشاتيلا" بالمخيمات الفلسطينية في لبنان، وصبرا وشاتيلا.. كلمتان تعنيان مذابح وجرائم حرب.. كلمتان في التاريخ تعنيان ترميل نساء وقتل آباء وعنوانًا للخزي العربي، وبمجرد نطقهما يتداعى إلى الذهن آريل شارون وهو يقود مجزرته مجتاحًا المخيمات الفلسطينية ليعلن انتصاره على أطفال عزل وشيوخ لا يحملون سوى غصن الزيتون. وفي ذكرى بدء مذبحة «صبرا وشاتيلا» ترصد فيتــو الأطراف العربية التي شاركت في تلك المذبحة.

صبرا وشاتيلا

سبب المذبحة


كان الصراع الذي ضرب لبنان عام 1975 واستمر لمدة 15 عامًا ضمن حرب أهلية تشابكت فيها كل القوى واتحد اليسار بقيادة كمال جنبلاط جنبًا إلى جنب مع منظمة التحرير الفلسطينية بقيادة ياسر عرفات، ضد كلٍ من حزب الكتائب بقيادة بشير الجميل، وحركة أمل الشيعية التي كانت تأخذ التعليمات من حافظ الأسد إثر صراع الأسد التاريخي مع حركة فتح.

وكان سبب مذبحة «صبرا وشاتيلا» في مثل هذا اليوم هو السبب الذي قامت على إثره الحرب الأهلية بعد اتهام السلطات اللبنانية حركة فتح بأنها تسعى للاستقلال وتورط لبنان من خلال مهاجمة الكيان الصهيوني من الأراضي اللبنانية مما عرض لبنان للقصف الإسرائيلي، ومن ثم دخلت الدولة حربًا مع المخيمات الفلسطينية.

بعد التنسيق المشترك بين إسرائيل وحزب الكتائب وحركة أمل تم الاتفاق أن يكون اليوم هو يوم الانتهاء من سكان المخيمات ليتم تجهيز 3 فرق لتنفيذ المجزرة التي راح ضحيتها 3500 من الرجال والنساء.

 

مجزرة صبرا وشاتيلا

حزب الكتائب

 


كان أول من دخل إلى المخيمات لتنفيذ عملية القتل البارد هو حزب الكتائب بقيادة أيلي حبيقة فتمت عمليات القتل التي طالت الأطفال والنساء، وقاموا بأكثر من 50% من تلك المجزرة قبل أن تساعده حركة أمل الشيعية.

حركة أمل


كان لحركة أمل أسبابها في الاشتراك في تلك المجزرة بعد غضب الرئيس السوري السابق حافظ الأسد على منظمة فتح الفلسطينية، ومن ثم أعطى توجيهاته للحركة بتطهير لبنان من المخيمات، وكان دور حركة أمل جنبًا إلى جنب مع حزب الكتائب في عمليات القتل.

جيش الاحتلال
 


كانت مهمة جيش الاحتلال هي محاصرة المخيمات من كل النواحي ومنع أي وكالة من وكالات الإعلام الدخول لنقل وقائع تلك المجزرة التي استمرت لمدة ثلاثة أيام استيقظ العالم بعدها على أبشع مشاهد القرن العشرين، وكان يقوده في هذا الوقت (آريل شارون). وكان لمناحم بيجن يد فيها، وقد أثارت تلك المجزرة ردود أفعال عالمية حيث طالبت عدة دول أوربية إسرائيل بوقف إطلاق النار ضد المدنيين من الشعب الفلسطينى وسرعة الوصول إلى حلول. حيث قام ثلاث فرق إسرائيلية بالإطباق على المخيم، وراحوا يقتلون المدنيين والأطفال في سن الرابعة والثالثة من العمر حتى غرق المخيم بدماء الضحايا كما ارتكب خلال المذبحة عدد من الجرائم الوحشية مثل بقر بطون الحوامل واغتصاب النساء قبل قتلهن بالإضافة إلى التمثيل بجثث القتلى.

 

ضحايا صبرا وشاتيلا


المحاسبة


الغريب في تلك المجزرة أن الكثير من القادة اللبنانيين لم يخضعوا إلى أي تحقيق، بل بعضهم تولي بعض المناصب في البرلمان ومازال قادة حزب الكتائب وحركة أمل ينعمون بحياة هادئة.

حبيب الشرتوني


ويعتبر حبيب الشرتوني الشاب الذي أشعل فتيل مذبحة صبرا وشاتيلا برصاصة في جسد الرئيس اللبناني بشير جميل.. اعترف بالاغتيال في مؤتمر صحفي قائلًا: «نفذت الإعدام بخائن».. لم يعلم حبيب الشرتوني، أن ما قام به سيكون مقدمة لأبشع المجازر التي ارتكبت في حق الشعب الفلسطيني.


فكان اغتيال بشير الجميل هو أحد الحجج الأساسية لارتكاب المذبحة التي أسفرت عن مقتل 700 فلسطيني، طبقًا للتقارير السلطات العبرية، ونحو 3500 شهيد طبقًا لتقديرات عربية وأجنبية محايدة.

حبيب الشرتوني لبناني ماروني ولد 24 أبريل عام 1958م في قرية صغيرة تسمى شرتون بالقرب من عالية جبل لبنان، تأثر بالحزب القومي السوري الاجتماعي، عندما بدأت الحرب الأهلية في لبنان. تطوع بعدها الشاب الماروني للخدمة في أحد مواقع الحزب في عالية، بعد أشهر قليلة نصحه أهله بمغادرة لبنان إلى قبرص ثم إلى فرنسا؛ حيث درس في جامعة في باريس ونال شهادة علمية.

قضى حبيب الشرتوني في باريس عاما بعيدا عن السياسة، حتى أواخر صيف 1977، وخلال زيارته إلى لبنان انضم رسميا للحزب القومي السوري الاجتماعي وأصبح عضوا فاعلا منذ ذلك الوقت.

قام حبيب الشرتوني، بالاتصالات اللازمة عند عودته إلى فرنسا مع ممثلي الحزب وبدأ حضور الاجتماعات السرية للحزب؛ حيث التقى نبيل علم، مسئول الشئون الداخلية في الحزب في ذلك الوقت، وترك نبيل علم انطباعا قويا لدى الشرتوني، ما مهد الطريق لاغتيال بشير الجميل.


وبعد انتهاء دراسته كاملة فرنسا كان أصبح مقربًا من نبيل علم الذي عمل على إقناعه باغتيال بشير الجميل؛ حيث نصحه بوضع متفجرات في غرب بيروت في الأشرفية في شرق المدينة فوق مقر الكتائب؛ حيث كان الشرتوني يقطن في الطابق الثالث في المبنى الذي يقع فيه المقر الرئيسي لحزب الكتائب.

و في ليلة 13 سبتمبر1982؛ حيث قام بالتسلل إلى الطابق الثاني من المبنى؛ حيث مكتب الكتائب في الأشرفية، ثم دخل إلى غرفة في يمين مكان يجلس فيه بشير الجميل ورفاقه ووضع نحو 40 أو 50 كيلو جراما من المتفجرات.

في اليوم التالي حام حبيب الشرتوني حول المكان؛ حيث كان من المفترض أن يلقي بشير الجميل خطابًا على رفاقه، حتى تأكد من وصول الرئيس، توجه بعدها حبيب الشرتوني بعد تأكده من وجود بشير الجميل خارج المبنى واتجه إلى حي النصرا؛ حيث يوجد موضع المفجر، وانتظر عشر دقائق بعد بدء البشير إلقاء خطابه قام بالضغط على المفجر، وسمع صوت الانفجار في كل بيروت.

وبعد يومين اعتقلت القوات اللبنانية حبيب الشرتوني واعترف ابن الرابعة والعشرين بدون تردد أو خوف أمام مؤتمر صحفي قبل تسليمه للسلطات اللبنانية، ووصف بشير الجميل بالخائن واتهمه ببيع البلاد لإسرائيل.

قال: "أنا حبيب الشرتوني أقر وأنا بكامل أهليتي القانونية بأني نفذت حكم الشعب بحق الخائن بشير الجميل، وأنا لست نادمًا على ذلك بل على العكس إذا أتى مرة أخرى فسوف أقتله وستصح مقولة لكل خائن حبيب، وأبشركم أن هناك ألف ألف حبيب لكل خائن عميل في بلادي" بعد تسليم الشرتوني للسلطات اللبنانية، خلف أمين الجميل، أخيه الأكبر بشير مباشرة بعد الاغتيال.

قضى حبيب الشرتوني 8 سنوات في سجن رومية بدون أي محاكمة رسمية، حتى 13 أكتوبر1990 عندما فر خلال الهجوم السوري لأجل إسقاط الحكومة التي يرأسها ميشال عون.


أريل شارون

ولد أرييل صموئيل مردخاي شرايبر (أرييل شارون) في قرية ميلان الفلسطينية، التي أصبحت فيما بعد تسمى مستوطنة "كفار ملال" عام 1928 لأسرة من أصول بولندية، عملت في مزارع الموشاف في فلسطين، بعد أن فرت إليها خوفًا من بطش النازيين، درس التاريخ وعلوم الاستشراق في الجامعة العبرية في القدس، وأكمل تحصيله الجامعي في كلية الحقوق في القدس المحتلة، ثم حصل على شهادة جامعية عام 1996، وأرسله والده إلى الكلية الزراعية ولكنه لم يكن راغبًا في الدراسة.

السفاح صغيرًا


عرف شارون منذ صغره بالإجرام، حيث كان يحمل عصا في صغره لضرب الأطفال وإخضاعهم، وقد انضم إلى عصابة الهاغاناة مبكرًا، وقاد إحدى فرق المشاه في حرب 1948، وأصيب في بطنه أثناء قيامه بحرق أحد الحقول.

بداية ظهوره
لم يبرز شارون إلا بعد عام 1948 كضابط في الوحدات الخاصة التي تعمل بأمر من الاستخبارات العسكرية؛ للقيام بالأعمال الانتقامية ضد مخيمات اللاجئين والقرى الفلسطينية الحدودية، حيث عهد بهذه الغارات إلى وحدة خاصة أُنشئت عام 1952، وأطلق عليها اسم «الوحدة 101"، واختار شارون أفراد الوحدة "شياطينها" حسب التسمية الإسرائيلية بنفسه من مجرمين وأصحاب سوابق ولصوص وقتلة، ولم يخضعهم شارون لتدريبات عسكرية نظامية وإنما لتدريبات شاقة ومن نوع خاص.

سجله الإجرامى
اتجه شارون بقيادة الوحدة 101 إلى قرية قبية العربية الفلسطينية التي تقع شمال القدس في المنطقة الحدودية تحت إدارة الأردن، ثم حاصرت قواته القرية وأمطرتها بوابل من نيران المدفعية فدكت القرية دكًا على من فيها، وأسفرت المذبحة عن سقوط 69 قتيلًا بينهم نساء وأطفال وشيوخ، ونسف 41 منزلًا ومسجد وخزان مياه القرية في حين أُبيدت أُسر بكاملها.

صابرا وشاتيلا


تُعد مذبحة صابرا وشاتيلا من أهم المحطات الإجرامية في حياة شارون، فقد صممها وأمر بتنفيذها وسهل للجناة فعلتهم وفتح لهم الطريق بعد احتلال بيروت عام 1982م، وبدأت المجزرة بعد تطويق المخيم من قبل الجيش الإسرائيلي الذي كان تحت قيادته، وقام الجيش الإسرائيلي بمحاصرة مخيمي صابرا وشاتيلا، وتم إنزال مئات المسلحين بذريعة البحث عن 1500 مقاتل فلسطيني، ولم يكن في المخيم سوى الأطفال والشيوخ والنساء وقام المسلحون بقتل النساء والأطفال، وكانت معظم الجثث في شوارع المخيم ومن ثم دخلت الجرافات الإسرائيلية لجرف المخيم وهدمت المنازل، وأشرف شارون على المذبحة رافعًا شعار "بدون عواطف".
وفاته
توفى شارون في 11 يناير 2014 عن عمر يناهز 85 عامًا، بعد دخوله في غيبوبة استمرت ثمانى سنوات منذ إصابته بسكتة دماغية عام 2006.

وثائق هاآرتس

ذكرت صحيفة هاآرتس الإسرائيلية، أن الوثائق التى تم الكشف عنها مؤخرًا عن مذبحة صبرا وشاتيلا عام 1982 لا تلقى ضوءًا جديدًا على المذبحة نفسها ولكنها تركز على أسباب انهيار حكومة بيجين الثانية رئيس الوزراء الإسرائيلى انذاك، وتنصل ارئيل شارون وزير دفاعه منه وتحميل بيجين وحده المسئولية.


أضافت الصحيفة أن شهادات ضباط الجيش الإسرائيلى فى ذلك الحين لاتزال تحت الرقابة ولم يسمح بنشرها وهو ما يعنى أن إسرائيل لديها ما تخفيه عن دورها فى المذبحة. ومن بين التقارير التى تم الكشف عنها جلسات التحقيق فى تورط إسرائيل بالمذبحة والتى كان يرأسها القاضى ورئيس المحكمة العليا "يتسحق كوهين"، بهدف استبعاد شارون الذى تمكن من الحفاظ على منصبه فى الحكومة ولكن ليس وزيرًا للدفاع..

وأدى صراع شارون مع رئيس لجنة "كوهين" إلى انخفاض مكانة بيجين من منطلق أنه كيف يحدث هذا تحت رئاسة بيجين للوزارة، وبدا شارون فى جلسات الحكومة جاحدًا محاولًا بكل الطرق إقناع الحكومة بعدم تبنى نتائج لجنة كوهين بهدف أنها ستثر الرأى العام العالمى ضد إسرائيل بتهمة الإبادة الجماعية.

 

وعلى خلاف ذلك فإن آراء اللجنة تم تبنيها بسبب ثورة الشعب الإسرائيلى لذكرى لجنة أجرناط والنتائج التى آلت إليها حرب أكتوبر 1973 والنتائج الهزيلة التى خرجت بها لجنة اجرناط والتى أدانت رئيس الأركان ومن هم أدنى منه ولم توجه أى اتهام بالتقصير لأى من وزير الدفاع أو رئيس الوزراء فى ذلك الحين جولدا مائير.

وأضافت هاآرتس أن شارون رفض أن يكون كبش الفداء لهذه المذبحة، فمارس ضغوطًا على الحكومة برئاسة مناحم بيجين حتى لا تطيح به من الحكومة واكتفى بتخليه عن منصب وزير الدفاع، والراجح أن الصراع بين شارون وبيجن هو السبب الرئيسى فى تصدع أركان تلك الحكومة.

الجريدة الرسمية