رئيس التحرير
عصام كامل

مهمة الساعة 10.30.. أسرار إعلان وقف إطلاق النار في غزة من القاهرة

غارات إسرائيلية على
غارات إسرائيلية على غزة

حبست المنطقة العربية والعالم أنفاسه لمدة 72 ساعة عصيبة هى مدة العداون الإسرائيلى على قطاع غزة، فى عملية الغدر الصامد التى راح ضحيتها أكثر من أربعين شهيدًا أغلبهم أطفال ونساء، بذريعة تحجيم قدرات حركة الجهاد الإسلامي فى فلسطين، ولتبرير جريمة تل أبيب اغتال جيش الاحتلال الإسرائيلي الشهيد تيسير الجعبور داخل منزله بصاروخ موجه من طائرة مسيرة.

وسط خضم العدوان برزت كالعادة أصوات تشكك فى دور مصر التى تحمل القضية الفلسطينية برمتها فوق عاتقها، وسط هرولة الجميع للتطبيع مع الكيان المحتل، وعقد صفقات سرية بين تل أبيب وتيارات تحسب نفسها بالاسم على الإسلام تجيد الجهاد على الكيبورد وخلف شاشات الهواتف فى المنازل المكيفة متجاهلة جهود الأجهزة المصرية التى عملت بكامل طاقتها قبل إطلاق الرصاصة الأولى، لكن فضلت التزام الصمت حول التحركات والزيارات المكوكية لوفودها بين القاهرة وغزة والأراضى المحتلة للسيطرة على الأوضاع قبل الانفجار.. وفى السطور التالية سوف تسرد "فيتو" كواليس التحركات المصرية على مدار أيام متواصلة قبل العملية وبعدها لإنقاذ الوضع من الانفجار.

 

خطوات استباقية

العدوان الغاشم على غزة بدأ التحضير الممنهج له بخطوات استباقية، بدأت بإقدام القوات الإسرائيلية الأربعاء الماضى، على جريمة بشعة اقتحمت خلالها مخيم جنين واعتقلت القيادي فى حركة الجهاد الإسلامى "بسام السعدي" والاعتداء عليه وعلى أسرته بطريقة وحشية سجلتها كاميرات مراقبة وتسربت وقتها إلى وسائل الإعلام المحلية، وعلى الفور عقدت "كتيبة جنين" التابعة لـ"سرايا القدس" الجناح المسلح لحركة الجهاد في مخيم جنين شمالي الضفة الغربية المحتلة، وتوعدت إسرائيل بالرد على اعتقال السعدي وطالبت بالإفراج الفوري عنه، ومع ارتفاع منسوب التوتر والغضب ظهر الدور المصري على خط الأزمة، وعلى فور تحرك وفد رفيع المستوى من القاهرة وأجرى جولات مكوكية بين الطرفين بهدف السيطرة على الأوضاع ومنعها من الانفجار.

ساعات طويلة من المباحثات لوفد القاهرة، وبالفعل حصلت الوفد على وعود من الجانب الإسرائيلي بالإفراج عن السعدي، ونقل الرسالة لحركة الجهاد الإسلامى التى استجابت بدورها على أمل تحقيق الوعد الإسرائيلي، لكن كعادة الصهاينة فى نقض العهود والاتفاقات بعدما طمأنت جميع الأطراف، دبرت فى جنح الليل جريمة العدوان الجديد على غزة.

وتشكك مراقبون للملف الفلسطينى فى منح الجانب الأمريكى ضوءًا أخضر للعدوان، وهو الأمر الذي أكده بيان صادر عن مكتب وزير دفاع الاحتلال الإسرائيلي بيني جانتس، أكد فيه أن الأخير أجرى اتصالا هاتفيا الجمعة الماضية - وقت انطلاق العدوان- مع نظيره الأمريكي لويد أوستن، وأبلغه ببدء العملية العسكرية في قطاع غزة.

وصباح يوم عملية الغدر أصدرت وزارة الدفاع الأمريكية "البنتاجون" بيانا قال فيه، إن وزير الدفاع لويد أوستن اطلع على مستجدات الغارات الإسرائيلية على غزة وإسرائيل تنفذها حماية لمواطنيها-فى تبرير واضح للجريمة-، كما دعا إلى إجراء تحقيق بشأن مقتل المدنيين في الوقت المناسب.

دارت عجلة الحرب وبدأت إسرائيل بقصف المدنيين وحيدت حركة حماس برسالة أكدت فيها أن هدف العملية حركة الجهاد، واضطرت عناصر سرايا للقدس للدفاع عن شعبهم ومواقعهم وأمطرت الكيان المحتل بوابل من الصواريخ، دفع المحتل الغاشم فى نهاية المطاف لسماع صوت القاهرة وتحقيق مطالبها التى نقتلها من الجهاد قبل اندلاع القتال.

 

دور مصر 

وقال مصدر مسؤول: إنه في إطار حرص مصر على إنهاء حالة التوتر في قطاع غزة، كثفت القاهرة اتصالاتها مع كل الأطراف لاحتواء التصعيد الحالي، وطالبت بوقف إطلاق النار -وهو ما كان- بشكل شامل ومتبادل اعتبارا من الساعة 23:30 مساء بتوقيت القدس، وأشار إلى القاهرة تبذل جهودها وتلتزم بالعمل عن الإفراج عن الأسير خليل العواودة ونقله للعلاج، وكذا العمل على الإفراج عن الأسير بسام السعدي في أقرب وقت ممكن، واستمرار الاتصالات المكثفة مع كافة الأطراف للوصول إلى وقف دائن لإطلاق النار فى غزة.

واعترف زياد النخالة بالدور المصري عقب وقف إطلاق النار، بتأكيده على أن الجانب المصري تعهد بالعمل على إطلاق سراح بسام السعدي في غضون أسبوع، وأبدى احترامه للدور الذي لعبته القاهرة.

وكان استبقه المتحدث باسم الجهاد، طارق سلمي، بتأكيده إن الوسطاء المصريين يبذلون أقصى الجهود لإعادة الهدوء إلى القطاع، كما كشفت مصادر مطلعة على المهمة المصرية، أنه تم التوافق على إعلان بيان وقف إطلاق النار من القاهرة فى تمام الساعة الساعة الثامنة مساء الأحد الماضى بالتوقيت المحلي، على أن يدخل حيز التنفيذ الساعة 11.30 بتوقيت القدس 10.30 بتوقيت القاهرة.

وتقول الباحثة السورية فى السياسة الدولية، ميس الكريدي: لا نستطيع التعاطي بحيادية على الإطلاق في معركة هي معركتنا وفلسطين ماتزال قضيتنا المركزية، ونتمنى على مصر أن تقوم بجهودها الدبلوماسية من هذا الموقع.

إننا نؤمن بأهمية جمهورية مصر العربية وثقلها الدبلوماسي، هكذا أكلمت الكريدى تصريحاتها لـ"فيتو"، ومع معرفتنا بالواقع الجيوسياسي وتعقيداته ومدى التلاعب الدولي لصالح ملفات إقليمية عالقة ومولدة لحالات تمنع استقرار المنطقة خاصة وأن كيان الاحتلال بدعم من الولايات المتحدة الأمريكية يعرقل ويمنع أي تقدم في مستوى علاقات دول المنطقة مع الاتحاد الروسي لذلك يعمل على إحراج مصر في الموضوع الفلسطيني وتحميله تبعات سلوكه العدواني المستمر.

فربما ترى مصر ضرورة تجنب توسيع وتمدد الاشتباك لضرورات سياسية ولكنه بالمقابل يستهدف قيادات فلسطينية في الصف الأول للمواجهة كما يستهدف المخيمات والأطفال، ما أراده سواء على مستوى الملف الداخلي بصعود اليمين المتطرف مجددًا واستمرار عملية شرذمة القوى الفلسطينية المقاومة، أو على صعيد  الملف الإقليمي بتصعيد الخلاف العربي مع إيران لعدم منح المنطقة فرص استقرار، بعدما عبرت القوى العربية الفاعلة عن رفضها صراحة الدخول فى مواجهة عسكرية مع طهران، وفوتت الفرصة على التحالف العسكري الإقليمى الذي سعت واشنطن وتل أبيب لتشكيله، وروجت له قبل قمة جدة فى السعودية إبان زيارة الرئيس الأمريكى جو بايدن للمنطقة.

 

ريادة مصرية

من جانبه قال الدكتور أيمن الرقب، القيادي فى حركة فتح: مصر كتب عليها أن تتحمل هموم الشرق الأوسط بصفة عامة وهم فلسطين بشكل خاص، ونحن نشكر الله أننا لدينا دولة تهتم بنا اسمها مصر.

صحيح أن الاحتلال هو مَن بدأ الهجوم على شعبنا وقتل بهمجية ما يقرب من خمسين شهيدًا ربعهم أطفال، وكنا نتمنى أن تؤلم المقاومة الاحتلال أكثر لكن الإمكانات المحدودة وقفت عائقًا أمام ذلك، مراهنًا على ساحات عمل أخرى لكن دون جدوى لم نر حزب الله ولا إيران أو غيرهم سوى بالشعارات، ونشكر مصر على دورها في حقن دماء شعبنا الفلسطيني.

التحرك المصري وبيان وقف إطلاق النار المعلن من القاهرة، جاء ترجمة علمية لكلمة الرئيس عبد الفتاح السيسي أمام طلاب الكلية الحربية، حينما شدد على أن الدور المصري فى غزة إيجابى وأن هناك اتصالات مع جميع الأطراف على مدار الساعة حتى لا تخرج الأمور عن السيطرة.

وخلال الأعوام الماضية عقب ثورات الربيع العربى ومع الاهتزازة السياسية التى مرت بها مصر، عمدت أطراف إقليمية على التشكيك فى الدور المصري التاريخى تجاه قضيتها المركزية بهدف استغلال الشعب الفلسطينى وأرضه كمقيص عثمان لتحقيق الصفقات السياسية، لكن القاهرة رغم الضغوطات السياسية والاقتصادية التى مرت بها على مدار عقد من الزمن لم تتخل عن هذا الدور المنوط، وبمجرد أن دبت العافية فى جسده الدبلوماسي خارجيا وضعت فلسطين على رأس أولوياتها ولعل كلمة السيسي أمام نظيره الأمريكى جو بايدن فى قمة جدة، جاءت أبلغ رد على المشككين والمتربصين بالدور المصري الحاضر فى فلسطين.

نقلًا عن العدد الورقي…،

الجريدة الرسمية