رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

بيض الثانوية العامة!

انتهت امتحانات الثانوية العامة أمس الخميس، وقد أثارت الكثير من الجدل واللغط؛ مما جعلني استعين بأحد خبراء وضع المناهج والامتحانات للاستفسار منه عن طبيعة أسئلة الثانوية العامة هذا العام، وأمتعني الأستاذ الدكتور أحمد سلامة أستاذ المناهج بجامعة القيروان بحواره ومعلوماته حول الامتحانات، وذكر أن هناك مواصفات فنية ينبغي مراعاتها عند وضع الامتحانات أو بمعنى أدق معايير خاصة بمضمون الأسئلة.. 

ومن هذه المعايير أن تغطى الاسئلة كل المنهج الدراسي وأن تقيس الأسئلة جميع مخرجات العملية التعليمية (ILOs) (المعرفة والفهم – المهارات العملية – المهارات الذهنية – المهارات العامة الأخرى المتعلقة بالحياة المهنية للطالب فيما بعد)، ويعنى هذا أن تقيس الأسئلة كل من درجات التعلم الدنيا أى المعرفة والفهم والتطبيق، ودرجات التعلم العليا أى التحليل والتركيب والإبداع والاختراع.

كما يجب مراعاة تنوع الأسئلة بين المقالية والموضوعية وكذلك المنظومية إن أمكن، على أن تراعي الفروق الفردية بين الطلبة بالإضافة لبعض الأسئلة التى تكشف عن الطلاب الموهوبين. وأن تتسم الأسئلة: بالصدق أى مدى نجاح الاختبار فى قياس ما يدعى قياسه، والثبات والموضوعية أي عدم تباين نتائج الاختبار بين مصحح ونفسه، وكذلك بين المصحح ومصحح آخر.

ومن خلال ذلك ذكر سيادته أن أسئلة الثانوية العامة هذا العام افتقدت للكثير من تلك المعايير، وخاصة معيار في غاية الأهمية وهو أن تتنوع الأسئلة بين المقالية والموضوعية، فقد جاءت كل الأسئلة وكل الامتحانات بنظام الاختيار من متعدد أي أسئلة موضوعية وخلت تماما من المقالية وفي هذا – كما يؤكد الدكتور  أحمد سلامة– فضلا عن عدم قياسها كل مخرجات العملية التعليمية، ظلم شديد للطالب المجتهد المتميز..

اختيار أنسب الأجوبة

لأن ذلك الطالب في اختبار الفيزياء على سبيل المثال مطالب بأن يقوم بحل مسائل الامتحان، ثم بعد ذلك يصل للناتج الصحيح الذي يختاره من بين البدائل، ولو افترضنا أن الطالب قام بعمل كافة الخطوات لحل المسألة، ثم لم يوفق للناتج النهائي الصحيح فليس له درجة، بينما من الممكن أن يتمكن الطالب غير المجتهد من اختيار عشوائي ويكون صحيحا، وهو لم يقم بأي خطوة من خطوات حل المسألة، فيظلم المجتهد ويكون سبيل الغش سهلا على الطالب الكسول..

وكان ينبغي في امتحانات الرياضيات والمسائل أن يقوم الطالب بحلها بخطواتها في كراسة الإجابة، وله على كل خطوة درجة، وهنا نجد الطالب المجتهد حتى وإن أخطا في الناتج النهائي إلا أنه سيحظى بدرجات على خطوات الحل السليمة، بينما لن يحظى الكسول بهذه الخطوات والدرجات فيتميز المجتهد من الكسول. 

كما أن امتحانات اللغات جاءت موضوعية كذلك باختيار من متعدد، وهذا معناه أنها لن تقيس أبدا القدرة على التعبير وتنمية مهارة اللغة واكتساب الكلمات والأساليب التي من أجلها تدرس اللغات، وفي ذلك إهدار للموارد البشرية والفنية التي تقوم على تدريس اللغات، وإهدار لقيمة هذه اللغات.. وعند استعراض الامتحانات الموضوعية للثانوية العامة نجد أن بعض أسئلتها افتقدت للمعايير الامتحانية السليمة، فهي تقوم على أسئلة الاختيار من متعدد، ويقيس هذا النوع من الأسئلة المستويات العليا من نواتج التعلم (التذكر- الفهم- التطبيق والتحليل)، ويتم تصحيحه آليا، كما أنه وسيلة جيدة للتعرف على مستويات الطلاب. 

ويشتمل هذا النوع من الأسئلة على رأس للسؤال (stem) ومجموعة من الإجابات (الاختيارات أو البدائل)، وعلى الطالب اختيار أنسب الاجابة أو الإجابات حسب ما يطلب منه. لكن لها معايير دقيقة في الوضع، فلابد أن يكون رأس السؤال واضحا وتاما وكاشفا عن المراد بدقة، ويطرح مشكلة واضحة ومحددة. فالصياغة الجيدة للسؤال هي التي تمكن الطالب من الإجابة عليها دون النظر إلى البدائل أو الاختيارات. وتجنب استخدام كلمات النفي في رأس السؤال، ويفضل أن تكون لاختيارات أو البدائل أقصر ما يمكن. وأن ترتبط جميع البدائل بموضوع المشكلة  وليست غريبة عنها. وأن تكون جميع عبارات الاختيارات ذات أطوال واحدة. ويجب أن تتصف الاستجابات أو البدائل بالفعالية أي تكون كلها بدائل مناسبة من وجهة نظر الطالب. 

امتحان الجيولوجيا

إذا أهم معيار في وضع السؤال أن يكون محدد وواضح ولا يحتاج لتفسير أو توضيح؛ ليتمكن الطالب من الإجابة الدقيقة، ولو طبقنا هذا الأمر على سؤال جاء بامتحان الجيولوجيا وعلوم البيئة للطلاب لوجدنا عدم دقة السؤال، ففضلا على أن السؤال ليس من المنهج في الأساس، وبعيدا جدا عن تخصص الطالب، نجد أنه غير محدد مما أثار السخرية، وجاء السؤال في الامتحان على النحو التالي: "لماذا يقوم مربو الدواجن بوضع مصباح مضاء داخل الحظائر باستمرار؟"، وكانت الاختيارات المتاحة "لزيادة حجم الدجاج - لتقليل نشاط هرمونات النمو - لزيادة نمو صغار الدجاج - للحصول على كمية بيض أكثر". 

وقد احتار الطلاب بين إجابتين لزيادة حجم الدجاج أم للحصول على كمية بيض أكثر؟. ونجد أن ذلك السؤال يفتقد شرط التحديد القاطع، فهل يقصد واضع السؤال دواجن اللحم أم دواجن البيض؟ وكلاهما يحتاج مصباح لكن بعدد ساعات محدد. وحقيقة الوضع أن الإجابة الثالثة التي لم يختارها الطلاب تجوز كذلك وهي زيادة نمو صغار الدجاج، وبالتالي فالسؤال يحتاج لطالب له دراية بمزارع الدواجن وإضاءتها ليلا، كما كان يحتاج لتوضيح للسؤال فهل يقصد الدواجن البياضة أم التي تربى للحم وليس البيض؟، وهل يريد وضع المصباح باستمرار في مرحلة عمرية ما للدواجن أو بصورة عامة؟ 

مما أثار موجة سخرية بين طالب يؤكد أنه ليس له علاقة ببيض الدواجن سوى في الطعام وليس الامتحان، وآخر يؤكد أن والدته لم تزوده بهذه المعلومة وهي تربي دجاجتين في البلكونة؛ لذا هي المخطئة، وثالث يعلق أنه حضر لامتحان الجيولوجيا وليس اختبار اختيار مزارعي دواجن، ورابع يذكر أنه لم يعلم هل هي دواجن بلدي ام مزارع؟ فيما قالت طالبة: "شكرا لأمي اللي قالتلي انزلي هاتي لمبة للفراخ عشان تبيض". وبالطبع هذه الطالبة كانت أكثر حظا من غيرها من الطلاب.

Advertisements
الجريدة الرسمية