رئيس التحرير
عصام كامل

الرأى الكنسي حول صوم الآباء الرسل (2)

بخصوص القاعدة المتبعة في مدة صوم الرسل: 
فهنا نلاحظ أن القاعدة، هى أن يبدأ صوم الرسل بعد عيد الخمسين مباشرة. وقد طلب المتنيح  نيافة الأنبا غريغوريوس أسقف البحث العلمى إلى المتنيح  نيافة المطران مارساويريوس زكا أغناطيوس مطران بغداد بالعراق للسريان الأرثوذكس أن يفيده بالتقاليد القديمة فى المصادر السريانية الأولى عن صوم الرسل، فأرسل إليه سيادته خطابًا بتاريخ 11 أغسطس”أب” 1975 يقول ما نصه: 

 

بخصوص تقليد الكنيسة السريانية بموضوع صوم الرسل، كتب لنا العلامة مار غريغوريوس يوحنا ابن العبرى سنة (1286م) مطران الشرق فى كتابه الشهير (الهدايات) فى الشرع الدينى والمدنى، فى الفصل الثانى من الباب الخامس ما ترجمته:”نصوم صوم الرسل بدءًا من يوم الأثنين التالى مباشرة لعيد العنصرة وحتى عيد الرسولين بطرس وبولس.. 

 

وقال أيضًا فى الموضوع نفسه: سأل يوحنا العمودى المطران يعقوب الرهاوى سنة 780 م عن هذا الصوم فأجابه: ”إن هذا الصوم.. يُلآم من لا يصومه.. ابتدأ الرسل يصومونه بعد صعود الرب وحلول الروح القدس عليهم، إستنادًا إلى قول الرب:”هل يستطيع بنو العرس أن يصوموا، مادام العريس معهم، ولكن ستأتى أيام حين يُرفع العريس عنهم، فحينئذ يصومون "( متى 15:9).


كذلك الحال بالنسبة إلى الكنيسة الأرمنية الأرثوذكسية: يصومون مثلنا بعد عيد الخمسين مباشرة، أما مدة صوم الرسل، فلا يحددها رقم ذى دلالة معنوية، أى ليس شأنه شأن الصوم الكبير، الذى يُحدد بثمانية أسابيع أو صوم الميلاد المحدد بثلاثة وأربعين يومًا.. وبخاصة لأن السيد المسيح فى تصريحه عن هذا الصوم، وتأسيسه لم يحدد له مدته.. تاركًا للرسل وللكنيسة، أن تعين مدته حسب الحاجة، فالصوم فضيلة وفرصة تعبدية، يمكن أن تطول وأن تقصر.

 
وقد رأت الكنيسة أن تبدأ هذا الصوم فى اليوم التالى لعيد العنصرة أو يوم الخمسين، وينتهى بعيد استشهاد الرسولين القديسين بطرس وبولس، ويقع دائمًا فى الخامس من أبيب”بما يقابل حاليًا ( 12 من شهر يوليو”تموز”). إذن فهناك قاعدة لمدة هذا الصوم وهى المدة ما بين عيد الخمسين”حلول الروح القدس"، وعيد استشهاد الرسولين بطرس وبولس”يوم 5 من أبيب”.


أما الذين يتساءلون عن نص الدسقولية: ”وبعد أن تكملوا عيد الخمسين، عيدوا أيضًا اسبوعًا آخر”. ويتخذون من هذا النص مسوغًا لتأخير بدء صوم الرسل أسبوعًا بعد يوم الخمسين.. فلهولاء نقول لهم: أن مفاهيم  الصوم فى الكنيسة، فى العهد الجديد، قد أخذ بعدًا بعد أخر لم يكن معروفًا فى العهد القديم.. وكان الصوم فى العهد القديم يقترن بالحزن والبكاء والنوح والتوشح بالمسوح، وحث الرماد على الرؤوس، كما فعل أهل نينوى، الذين: ”نادوا بصوم، ولبسوا مسوحًا من كبيرهم إلى صغيرهم.


أما بخصوص قرارت صادرة من المجمع المقدس، للكنيسة القبطية الأرثوذكسية بخصوص صوم الآباء الرسل: ففى عهد البابا كيرلس الثالث المعروف بأبن لقلق: (البابا الخامس والسبعون). من سنة 1235 حتى سنة 1243 وقد جاء بالقرار المجمعى وهذا نصه: لا تغير العوائد المستقرة فى البيع القبطية (الكنيسة)، كالختان قبل التعميد، ما لم تقطعه ضرورة.. ومثل حفظ صوم الأسبوع الذى بعد الخمسين”. أنظر كتاب ”القوانين” للصفى  أبن العسال –طبعة الأنبا ايسيذوروس– الملحق (صفحة 11 ) الفصل الثالث في النظام الكنسى.


وجاء فى كتاب تاريخ البطاركة تحت سيرة الأنبا أخرسطوذلوس –البطريرك البابا 66 (من سنة 1047 حتى 1077 م) قوله وإليك نص القرار:
"يجب على المؤمنين صيام الرسل الحواريين، الذى هو بعد الخمسين، شكرًا لله على ما أنعم به علينا من موهبة الروح القدس، صيامًا متصلًا إلى يوم الخامس من أبيب، ويعيدوا فيه كما جرت العادة ”(تاريخ البطاركة الكنيسة المصرية – المجلد2 – الجزء الأول  صفحة 167”. المرجع – كتاب موسوعة مثلث الرحمات  الأنبا غريغوريوس – رقم (10 ) – الكنيسة القبطية – علاماتها ورسالته وعقائدها من ( ص 340 إلى ص 341 ).


وكان قرار المجمع المقدس هو: ”قد أجتمع المجمع المقدس فى المدة مابين 14-20 ديسمبر سنة 1959م وبأمر وتحت رئاسة غبطة البابا المعظم الأنبا كيرلس السادس – بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، وقد قرر المجمع أنه لا تغير ولا تبديل ولا تزحزح عما تم تسليمه من الآباء الرسل الأطهار، بخصوص تثبيت الأعياد القبطية الأرثوذكسية على أساس التقويم القبطى – المصرى الذى حدد جميع الأعياد طبقًا لنصوص الكتاب المقدس وقوانين الرسل الأطهار”. 

إجماع الكنائس


تعاليم مثلث الرحمات قداسة البابا شنودة الثالث عن المسلمات الإيمانية، بواسطة الآباء الرسل:  فلما تسلموه من الرب سلموه للكنيسة، كما أشار القديس بولس الرسول بقوله: ”تسلمت من الرب ما سلمتكم أيضًا”( اكو 23:15). فما تسلموه من الرب سلموه لنا، فأصبح تعاليمهم تعليمًا إلهيًا، يُضاف إلى ذلك وحى الروح القدس.. وهم الذين سلمونا التقاليد الرسولى، فهم تركوا تقليدًا مكتوبًا، وتقليدًا معاشًا.. أما التقليد المكتوب، فهو تعاليم الرسل التى تُعرف بأسم الدسقولية، وأيضًا بقوانين الرسل حتى وصلت إلينا فى كتابين يشملان 127 قانونًا نشرتهما مجموعة (باترولوجيا أورينت اليس – مجموعة الآباء الشرقيين). 

 

أما تقليد الرسل المعاش، فهو الذى تركوه فى حياة الكنيسة، وبخاصة فى طقوسها وممارساتها وكل الأسرار الكنسية.. عاشوا هذه الممارسات، وتركوها فى حياة الكنيسة التى مارستها أيضًا جيلًا بعد جيل، وأدخلت عليها بعضًا، مما وجدته الكنيسة مناسبًا، ووصلت إليها هكذا.. تقليدًا معاشًا بما فيها الأصوام. راجع كتاب الآباء الرسل الأطهار لمثلث الرحمات قداسة البابا شنودة الثالث – ص 18،19 –إصدار كنيسة السيدة العذراء مريم بالزيتون.


بالاضافة إلى ما جاء عن صوم الآباء الرسل (ص342 – 344) فى كتاب اللآلى النفيسة فى شرح طقوس ومعتقدات الكنيسة للمتنيح القمص يوحنا سلامة:

إن صوم الآباء الرسل هو ضمن الأصوام المُسلمة للكنيسة، وهو تسليم رسولى.. إن آباء الكنيسة لم يذكروا أن هذا الصوم رتبه هذا الأب أو ذاك القديس أو إنه أخذ مبدأه من هذا أو ذاك العصر، فلذلك لا ريب برهانًا، على أنه تسليم رسولى وأن الرسل صاموه بعد الصعود، وأكبر دليل على ذلك إجماع الكنائس الرسولية على حفظه وممارستها إياه فى الوقت الذى تمارسه فيه كنيستنا ”راجع ( التحفة الزكية للأروام ص 313 ). 

 

 وهذا ما تجب ملاحظته هنا: إن الرسل لم يسمُوا هذا الصوم بأسمهم بل إن آباء مجمع نيقية  - على ما قاله أحد الآباء – هم الذين عينوه بأسمهم إكرامًا لهم، وقد كان قبل زمنهم يُدعى صوم العنصرة، ولذا حددوا أنه بعد مرور الخمسين، يصوم عموم المسيحيين هذا الصوم إلى يوم عيد الرسل.. وإن أيام هذا الصوم تزيد وتنقص وذلك لسبين أوضحهما أحد العلماء: أولهما لكون آخرها مرتبطًا بعيد الرسولين بطرس وبولس، ويقع دائمًا فى (5 أبيب)، والثانى مرتبط بعيد العنصرة الذى يقع يوم الخمسين بعد القيامة، والمذكور عيد العنصرة يتقدم ويتأخر تبعًا لعيد القيامة، وذبح خروف الفصح. 


وبالتالى بعد كل ما ذكرنا عن الرأى الكنسى بخصوص صوم الآباء الرسل يتضح لنا الآتى: 
أن الصوم لايصلح التعديل فيه، بل يظل كما هو، لأنه قائم على وصايا إلهية وردت فى الكتاب المقدس. كما أن هذا الصوم لا يجب المساس به لأنه تسليم رسولى منذ بدء آبائنا الرسل الأطهار.. وهذا يقودنا إلى أن نقول بأن هذا الصوم مرتبط بإجماع كنسى عام منذ الكنيسة الجامعة وتقليد موروث منذ تأسيس الكنيسة.

 


ومن الأمر الملفت للنظر وهو تعدد المصادر الدينية التاريخية فى الشهادة لهذا الصوم، كما أشرنا سابقًا، وهذا يوضح لنا مكانته بالكنيسة.. ولذا لا يجب التعديل فى هذا الصوم، لأن التعديل لا يوافق قوانين الكنيسة وتقاليدها.. ولا يفوتنا أن نشير بأن صوم الرسل وعيدهم مرتبط ارتباطًا وثيقًا بين بقية الأصوام.. بالتالى المساس بهذا الصوم ومدته وعيده يترتب عليه الإخلال بالقاعدة الطقسية القائمة عليها هذه الأصوام والأعياد.
بالإضافة إلى كل ذلك لا ننسى أن الأصوام والأعياد المسيحية هى من المسلمات الإيمانية التى تم تسليمها للكنيسة ولا يجب المساس بها، بل يجب الحفاظ عليها عملًا بوصية الرسول القائلة: ”اجتهدوا لأجل الإيمان المُسلم مرة للقديسين”( يه 3). نطلب من الله أن يحفظ كنيستنا المقدسة وإيماننا الأقدس المُسلم إليها.

الجريدة الرسمية