رئيس التحرير
عصام كامل

ماركوس يفتح الباب لأبناء الحكام

يراود حلم النفوذ والسلطة جميع من عاش في دائرتها، خصوصا أبناء قادة الدول، وسعى كثير من رؤساء الدول لتأهيل أبنائهم كي يخلفونهم في الحكم، بعضهم نجح والبعض الآخر خسر الرئاسة قبل تحقيق التوريث. يتجسد طموح الاحتفاظ بالسلطة في عائلة ديكتاتور الفلبين الأسبق، فرديناند ماركوس، الذي أنهى الشعب حكمه بانتفاضة كبيرة قبل 36 عامًا، لكن أسرته سعت لاستعادة الحكم حتى نجح ابنه ماركوس الشهير بونغ بونغ في الفوز بانتخابات الرئاسة، ويصبح رئيس الفلبين الـ 17، ويتسلم الحكم في 30 يونيو الجاري.

 

يستغرق فرز الأصوات في الفلبين وقتا، لكن الرئيس المنتخب، الذي يحمل نفس إسم والده، أعلن فوزه بالرئاسة مبكرًا، حين تأكد من اكتساحه التصويت، وقد أصبح أول رئيس فلبيني يفوز بأغلبية مطلقة منذ الإطاحة بوالده بعد حكم دام 20 عامًا.

 

أعلن مجلسا الشيوخ والنواب رسميا فوز السيناتور السابق فرديناند ماركوس الابن، بحصوله على 29.9 مليون صوت، بفرق أكثر من 16.5 مليون صوت عن أقرب منافسيه، نائبة الرئيس المنتهية ولايتها، ليني روبريدو، التي كانت تفوّقت عليه بنحو 200 ألف صوت فقط في المنافسة على منصب نائب الرئيس في انتخابات العام 2016. كما أعلن كذلك فوز سارة دوتيرتي- كاربيو، ابنة الرئيس المنتهية ولايته رودريغو دوتيرتي، بمنصب نائبة الرئيس، وتقدمها بفرق 22 مليون صوت عن أقرب المنافسين وهي التي تحالفت انتخابيا مع ماركوس الابن.

 

احتفال بالفوز

 

تواجدت في البرلمان والدة الرئيس المنتخب، إيميلدا ماركوس (92 عامًا)، للاحتفال بإعلان فوز ابنها بالرئاسة وتحقيقه حلمها بعودة العائلة إلى حكم الفلبين بعد 36 عامًا من خروجها المهين إلى المنفى، وقد اشتهرت إيميلدا، بحياة الترف والبذخ واقتناء المجوهرات ونحو 3 آلاف زوج أحذية فاخرة، في وقت عانى الشعب الفقر وشظف العيش.


وبعد إعلان فوزه، توجه ماركوس الابن لزيارة قبر والده في العاصمة مانيلا، خصوصا أن الرئيس المنتخب لم يقدم أي برنامج سياسي، واكتفى بقيادة حملته الانتخابية على أساس رسالة بسيطة تقوم على الوحدة، مستغلا توق الشعب لوضع مستقر بعد سنوات من الاستقطاب السياسي والصعوبات الوبائية والاقتصادية واضطهاد الأقليات الدينية، وقد تعرض ماركوس لانتقادات كثيرة لعدم مشاركته في مناظرات رئاسية، كما لم يطل عبر وسائل الإعلام إلا نادرا.

 

وينتظر أن يستلهم ماركوس الابن خلال رئاسته، نهج الرئيس المنتهية ولايته دوتيرتي، الذي تمكن بأسلوبه الصارم في الحكم من تعزيز سلطته سريعا، وحظي بشعبية كبيرة لتطبيقه القانون على الجميع. بينما تسعى نائبة الرئيس المنتخبة سارة دوتيرتي، إلى التمرس في موقعها الجديد كي تترشح للرئاسة في الانتخابات المقبلة، خصوصا أنها تحظى بمحبة وثقة الشعب.

 

بدأ الرئيس المنتخب، مسيرته السياسية في عمر 23 عامًا، ورغم إطاحة الشعب بحكم والده وتراجع مكانة عائلة ماركوس، فقد عادت من المنفى في التسعينات، ونجحت بفضل الأم إيميلدا ماركوس في استعادة نفوذها لتصبح قوة مؤثرة في السياسة، كما احتفظت في الوقت ذاته بثروة طائلة، استولت عليها خلال سنوات الحكم الاستبدادي للأب.


شغل ماركوس الابن، بعد العودة من المنفى، منصب حاكم إقليم وعضوية مجلسي النواب والشيوخ، كما تتمتع شقيقته إيمي، حاليا بعضوية مجلس الشيوخ، فيما شغلت والدته إيميلدا، عضوية مجلس النواب لأربع فترات. ومنذ عودتها من المنفى، سعت إيميلدا، لتحسين صورة عائلتها وزوجها الديكتاتور الراحل، وتمكنت خلال 30 عامًا من "غسل أدمغة الشعب" بتغيير وقائع التاريخ ليصبح عهد ماركوس المستبد هو العصر الذهبي، مستعينة في ذلك بأكبر شركات الإعلام والتسويق العالمية، كما حققت نجاحا باهرا في استغلال منصات التواصل الاجتماعي منذ نشأتها لتغيير الحقائق، وتمكنت من خلق رأي عام يزين صورة عائلتها ويشوه الخصوم حتى إن كانوا صادقين.

 

 

أقنعت إيميلدا، الشعب أن ثروة فرديناند أساسها كنز ذهب كان لديه قبل توليه الرئاسة، رغم أن التحقيقات أثبتت اختفاء مليارات الدولارات خلال حكمه، إلى جانب تضاعف ديون الفلبين بشكل مبالغ فيه بدعوى التنمية، ومع هذا لم تنجح لجنة استرداد الأموال المنهوبة إلا في تحصيل ثلث المليارات التي استولت عليها عائلة ماركوس.

ختاما، يجب أن يستفيد المدافعون عن مصالح البلاد والشعوب من أخطائهم، مثلما فعلت عائلة ماركوس، التي أنعشت آمال الطامحين إلى السلطة وأحبطت عزيمة المناضلين والراغبين في مكافحة الفساد. 

الجريدة الرسمية