رئيس التحرير
عصام كامل

تجربة الكتب الإلكترونية الجامعية في الميزان

قبل بداية العام الجامعي الحالي 2021/2022 بأشهر قليلة صدر قرار بتحويل الكتاب الجامعى الورقى إلى إلكترونى، وحظر بيع الكتب الورقية التى كان الأستاذ يعرضها لطلابه من خلال بيعها فى المكتبات الخارجية وأحيانا داخل الكليات، وربما كان الغرض من ذلك تطوير التعليم الجامعي في إطار ميكنته، وضبط عملية بيع الكتب التى شابها بعض المغالاة من البعض، وتحصيل الجامعة لبعض الرسوم من عائد هذه الكتب في إطار زيادة دخلها لمواجهة نفقاتها المتزايدة.

وجاءت ردود الفعل في الأوساط الجامعية مجتمعة بعدم الترحيب بالقرار؛ وذلك بمنتهى الصراحة لأن عائد هذه الكتب هو ما يسد رمق أستاذ الجامعة ويعينه على تحمل المرتبات المتدنية والتى لم تعد تكفى ستر احتياجاته المجتمعية، وكذلك لعدم ثقته بأن النظام الجديد للكتب الالكترونية سوف يعوضه ماليا، ووسط حالة الضبابية حول كيفية التطبيق، جاء الرفض على استحياء؛ تارة بحجة أن التعليم لا يكتمل إلا بوجود القلم والكراس ولا غنى عن الكتاب الورقي، وتارة أخرى لضعف شبكات الأنترنت وعدم اقتناء أغلب الطلاب للأجهزة الإلكترونية الحديثة التي تعينهم على تصفح الكتب الإلكترونية، وهذا صحيح في كثير منه ويتفق معه الكثيرون.

 لائحة تنفيذية ومالية

وصدرت القرارات المتوالية عن الجهات التعليمية العليا للجامعات ومن ثم الكليات مطالبة أعضاء هيئة التدريس بحظر طباعة الكتب الورقية وضرورة تحويل الكتب إلى إلكترونية أو توفير مادة علمية مجانية للطلاب لمن لا يرغب تحويل مقرراته إلى إلكترونية.

والأمر الغريب أن جميع أعضاء هيئة التدريس انتظروا وجود لائحة تنفيذية ومالية موحدة وملزمة توضح الحقوق والواجبات والمعايير الأساسية والعقوبات للمخالفين للقرار الذى يعد قرارا سياديا وملزما؛ حيث أن القرار لم يطرح للمناقشة فى مجالس الأقسام بل وصل للتصديق عليه مع ضرورة التنفيذ. 

واتخذت كل جامعة رؤية مختلفة للتنفيذ؛ وبدأ الجميع فى مراقبة طرق تطبيق الكتاب الإلكترونى فى كل مكان، وبصراحة متناهية جاءت طرق التطبيق والمحاسبة المالية فى بعض الجامعات منصفة لأعضاء هيئة التدريس وفى البعض الآخر مجحفة، كما أنصفت بعض الجامعات طلابها فى نظام المحاسبة على الكتب الإلكترونية وأخفقت أخرى في تحقيق ذلك.

مصاريف الكتب الإلكترونية

فرأينا جامعات تحصل كل مصاريف الكتب الإلكترونية جملة واحدة مع المصروفات الدراسية، والبعض الآخر حصل مصاريف الكتب بعيدا عن مصاريف الدراسة، كما طبقت بعض الجامعات نظام المحاسبة على عدد الكتب فقط التى بالفعل تم تحويلها إلى إلكترونية، والبعض حصل مصاريف الكتب كلها، حتى لو لم يتح إلا بعضها؛ معللة ذلك بوضع مستحقات الكتب التي لم تحول فى صندوق العملية التعليمية للطلاب، وفي ذلك بالطبع خلل وتضارب قانوني في التطبيق دفع بعض الطلاب إلى تقديم الشكاوى فى حق الجامعة. 

وهكذا أصبح هناك طلاب يدفعون ويحصلون على كتب إلكترونية، وطلاب يدفعون ولكن لا يحصلون لعدم موافقة الأستاذ على تحويل كتبه أو عدم وجودها، مما انتفى معه تحقيق العدالة للطلاب فيما يحصلون عليه مقابل ما دفعوا.

أما عن نظام المحاسبة المالية للكتب الإلكترونية بين الجامعات فأيضا اختلفت نظم المحاسبة؛ فهناك جامعات أقرت ما كان متبع من أسعار قديمة للكتب، وما استجدته فقط هو تحصيل هذه المبالغ بنفسها من الطلاب مع خصم نسبة 10 % أو 20 % لصالح الجامعة كرسوم إدارية، فى حين حددت بعض الجامعات سعر الكتب بتحديد سعر للساعة الدراسية بحيث لا يضر عضو هيئة التدريس، وحددت بعض الجامعات مبلغ ثابت يُحصل لهذه الكتب ويقسم على عدد المواد مع مراعاة عدد الساعات.

واختلفت المبالغ المحددة للكتب الإلكترونية ما بين جامعة وأخرى اختلافا كبيرًا؛ ما بين 300 جنيها فى بعض الجامعات و850 جنيها فى جامعات أخرى، كما اختلفت أيضا فيما يحصل عليه الأستاذ مقابل الكتاب الإلكترونى ما بين 80 جنيها للكتاب الواحد فى بعض الجامعات و15 جنيه فى جامعات أخرى!. ناهيك عن طرق عرض الكتب الإلكترونية ما بين CD يسلم يدويا وما بين  منصات تحمل كتب تفاعلية، أو PDF.

ووسط ترقب ومتابعة مستمرة من الطلاب وأعضاء هيئة التدريس في الجامعات لطرق وأليات التنفيذ والمحاسبة – شعر الكثيرون عند المقارنة بالظلم وعدم التقدير سواءً أكان ذلك من الطلاب أم من أعضاء هيئة التدريس؛ وتمثلت وجهة نظر الطلاب فى عدم وجود بعض الكتب الالكترونية رغم دفع ثمنها مع المصروفات إجباريا، واعتراض أخرون على مذاكرة تلك الكتب على شاشة الموبايل، وعدم توافر أجهزة كمبيوتر لديهم، وتحملهم لنفقات طباعة هذه الكتب على حسابهم حتى يستطيعوا المذاكرة بالطرق التي اعتادوا عليها، بالإضافة إلى تعرضهم لظلم أكبر عندما قرر بعض الأساتذة مذكرات أو كتب أخرى في مكتبات خارجية لنفس المقرر.

شكاوى طلابية

أما عن موقف أو مواقف أعضاء هيئة التدريس والتى تطورت بعد وضوح أليات وقواعد طرح الكتاب الإلكترونى ونظام المحاسبة، ففى بعض الجامعات كانت القواعد واضحة وطرق المحاسبة مرضية فالتزم الجميع بالنظام الجديد، أما بعض الجامعات فللأسف تأخرت الآليات ولم تتضح كيفية حساب مقابل الكتب، وأحيانا تم إغفالها عن عمد، مما اضطر كثير من أعضاء هيئة التدريس لعدم الموافقة على نظام الكتب الإلكترونية.. 

وقاموا بطرح كتبهم الورقية في مكتبات خارجية أو طرح مذكرات اعتراضا على المقابل الضعيف المحدد لسعر الكتاب، وعدم وجود ضمانة لحقوق الملكية الفكرية لمؤلفاتهم في ظل نظام الكتب الإلكترونية، ناهيك عن تأخر صرف مستحقات الكتب والتي لم تصرف حتى الآن في بعض الجامعات.


ونتج عن عدم استجابة عدد كبير من أعضاء هيئة التدريس بتحويل مقرراتهم الإلكترونية إلى ظهور مستجدات جديدة فى العملية التعليمية منها استبدال الاساتذة الراغبين فى بيع كتبهم مصطلح المرجع بالكتاب الجامعى من أجل التحايل على لائحة الكتاب الجامعى، وذلك على أساس انهم يطرحون مراجع وليس كتاب جامعى فى قرار منهم لأن يستردوا حقهم الطبيعى فى طرح كتبهم الورقية لطلابهم، والذى لم يستطعوا الاعتراض عليه صراحة وقت صدور القرارات التى تحظر ذلك، وظهرت المخالفات الواضحة فى بيع الكتب الورقية، كما قدمت الشكاوى الطلابية للأسف في حق الأساتذة متهمة أياهم بالطمع. 

لقد رأى الكثيرون أن الضحية فى ذلك الطالب وأسرته التى أُجبرت على دفع ثمن الكتب مرتين؛ إلكترونية مع المصاريف، ومراجع ورقية فى المكتبات الخارجية، ولم يقتصر الأمر عند ذلك فقد قام أخرون بطرح مذكرات مختصرة بجانب الكتب الإلكترونية لتعويض سعر الكتاب الإلكتروني المتدنى الذى تم تحديده من قبل الجامعة، أو فرض شيتات مع الكتب الورقية تسلم يدويا مقابل حصول الطالب على أعمال السنة.. 

حصاد العام الأول

ومن الأمور التى ظهرت أيضا قيام بعض المكتبات وسناتر الكورسات بطبع الكتب الإلكترونية ورقيًا مع بعض المونتاج وطرحها للطلاب الراغبين فى مذاكرة مقرراتهم ورقيا، كما استغل باعة الكتب القديمة توافر نسخ مستخدمة قديمة من بعض الكتب الجامعية في رفع سعرها لمن يبحث عنها من الطلاب الراغبين فى اقتناء الكتاب الجامعى الورقى.


هذا قليل من كثير مما حدث مع تجربة تطبيق الكتاب الجامعى الإلكتروني في عامه الأول، والتى يمكن للمتابع عبر مواقع التواصل الاجتماعى الرسمية وغير الرسمية لطلاب وجامعات مصر المختلفة رصد عدد من هذه التناقضات وازدواجية التطبيق، وما حدث من ظلم للطلاب فى طرق دفع ثمن الكتب الإلكترونية سواء وجدت أم لم توجد، وأيضا ما حدث من ظلم لأعضاء هيئة التدريس في نظام حساب سعر الكتاب والذى شهد تباين رهيب بين الجامعات، وكيف أضر الملتزم بالقرار فى ظل نظام محاسبة غير عادل، في حين حقق أخرون المكاسب بطرح كتبهم ورقيا، وهكذا رأينا كيف نجحت جامعات فى التطبيق وأخفقت أخرى، وإن إحصائيات الاستجابة خير دليل لو أردنا الوقوف على الحقائق. 

وأرى أن معالجة هذه الأخطاء تكمن في توحيد لوائح الكتاب الإلكتروني في كل الجامعات ونطم المحاسبة والمراقبة والعقوبات بما يحقق العدالة للطالب والأستاذ، مع مراعاة تفاوت أعداد الطلاب من كلية إلى أخرى. 
ونحن نضع الأن هذه الحقائق أمام مجتمع الجامعة العريق لعلنا نستطيع المحافظة على ما بقى من كرامة الجامعة ومنتسبيها، وحقوق أبنائنا من الطلاب في نظام تعليمي عادل ونافع، يكفل للجميع الحق في التعلم والعيش بكرامة بعيدا عن الصراعات فى محراب العلم، الذي هو رحم بين أهله.

الجريدة الرسمية