مراقد آل البيت ومشاهد الصحابة في حضن الإهمال (18)
للأسف نحن نفرط في تاريخنا وتراثنا وقوتنا الناعة بمنتهى السهولة، في الوقت الذي تتمنى فيه دول أخرى أن تتملك جزءًا بسيطًا جدًّا من تاريخنا، بل وبعض تلك الدول يعمل على تزوير تاريخ، وانتحال أمجاد. نحن نملك تاريخًا عريضًا، وأبطالًا نباهي بهم الدنيا، وعلماء أفذاذ علموا العالم، وعندنا العلم نفسه، بكافة فروعه، ومجالاته، ومع ذلك فإننا نفرط بشدة ويسر في هذا التاريخ العظيم.
هناك شارع يمتد من أمام مسجد ومقام السيدة عائشة بمصر القديمة، ويصل حتى مسجد ومقام الإمام الشافعي، يسمى شارع القادرية، وعلى رصيف المنزل رقم 3 بالتحديد، قد يلاحظ المدقق، قوي النظر، بقايا قبر صغير، بسيط، قد تسقط أحجاره في أي لحظة.
هل يتصور أحد أن هذه الأحجار المتداعية تضم رفات أحد كبار العلماء الأجلاء، الذين تحتفي بهم كتب التاريخ والتراث الإسلامي، فيما نضطهدهم نحن، وننبذهم، ونسعى لمحو آثارهم؟! العالم الجهبذ المدفون على الرصيف اسمه شمس الدين التتائي. وفي السطور التالية سنقدم لمحة من تاريخ حياته العطرة.
من هو العلامة التتائي؟
هو شمس الدين محمد بن إبراهيم التتائي المالكي العلامة، قاضي القضاة بالديار المصرية، كان ممن جمع بين العلم والعمل، صواما قواما، له شرح عظيم على الرسالة -الكتاب الشهير للإمام الشافعي-، وعدة تصانيف مشهورة، وأجمع الناس على جلالته وتحريره لنقول مذهبه. وهو من قرية تتا بالمنوفية.
وقيل عنه أيضًا: قاضي القضاة أبوعبد الله شمس الدين محمد بن إبراهيم التتائي، الإمام المتفنن، الفقيه الفرضي، العالم العامل، العمدة القدوة، الفاضل، أخذ عن النور السنهوري والبرهان اللقاني وسبط الدين المارديني، وأحمد بن يونس القسطنطيني وغيرهم.. وعنه الشيخ الفيشي وغيره، تخلى عن القضاء، وتصدر للتأليف والإقراء، له شرحان على المختصر، وشرح على ابن الحاجب الفرعي، وله شرح إرشاد ابن عسكر، والجلاب، ومقدمة ابن رشد، وألفية العراقي، والقرطبية، وحاشية على المحلي على جمع الجوامع، وشرح على الرسالة والشامل لم يكمل، وله تأليف في الفرائض والحساب والميقات، وفهرسه، توفي عام 942 هـ.
وقيل كذلك: محمد بن إبراهيم التتائي بتاءين فوقيتين مخففتين، أبوعبد الله شمس الدين المصري، قاضي القضاة بها، قال البدر القرافي: كان موصوفا بدينٍ وعفة وصيانة وفضل تواضع، تولى القضاء ثم تركه، وأقبل على الاشتغال والتصنيف، له يد طولى في الفرائض، شرح المختصر بشرحين؛ سمى الكبير "فتح الجليل"، والآخر "جواهر الدرر"، وشرح ابن الحاجب الفرعي في سفرين.. وشرح الإرشاد لابن عسكر والجلاب والقرطبية والشامل ولم يكمله ومقدمة ابن رشد، و"ألفية العراقي".
أنقذوا رفات العالم الجليل من العبث والتدمير، وأدعم المطالبة بنقله إلى مسجد السادة المالكية، فهذا أليق بقاضي القضاة، وفقيه المالكية الكبير.