رئيس التحرير
عصام كامل

الرجل الذي خلع رأسه

قبل أن يخلد إلى النوم، خلع رأسه من بين كتفيه ووضعه تحت الوسادة، فقد تعود على ذلك منذ فقد رأسه الأصلي قبل سنوات، حين استيقظ ولم يجده وعرف فيما بعد أن لصا سرقه وباعه لرجل عاد من الحرب بلا رأس..

الرأس الجديد ليس على قياسه تماما، فهو لرجل أضخم منه مات في حادث سيارة، لكنه على كل حال يحميه من أسئلة الناس كلما شاهدوا كتفيه عاريتين، حتى أنه في الفترة التي عاشها بلا رأس كان يستخدم كرة بدلا عنه، غير أن الأطفال لم يتركوه لحاله، وكثير ما استعاروها ليلعبوا بها..

 

اليوم، كلما شعر بصداع ذهب إلى القبر الذي يحوي جثة الرجل صاحب الرأس المستعار، فيسقيه بعضا من الماء المذاب فيه حبتين من المسكن.. الغريب أنه كلما مشي في طريق، وجد جسده يتجه إلى ناحية، بينما الرأس يتجه دوما إلى الناحية التي يوجد فيها قبر صاحب الجثة مبتورة الرأس، ما دفعه لأن يفقأ عينيه بنفسه حتى تنتهي معاناته، فلا يتيه بين الاتجاهات المتعاكسة..

بات صاحبنا ضريرا، لكنه حافظ على وحدة جسده، وكف الناس عن السخرية منه، ولا يزال يخلع رأسه قبل النوم ويضعه تحت الوسادة ليجده في الصباح..

 تسامح وخذلان


* عانيت كثرا جراء التسامح مع الجميع دون تمييز.. سنوات طويلة لم أحصد خلالها سوى الخيبة، بل إنني كنت أعيد الكَرة مرات ومرات مع الشخص ذاته.. في كل جولة كنت أراهن نفسي على أن ذلك الذي أسامحه سيتغير، لكنني كنت أخسر، ومع كل خسارة فقدت جزءا من روحي التي أنهكها الخذلان المتكرر.

 

أمس، نظرت في المرآة فوجدتني شبحا ببقايا روح مهترئة، فقررت -ولو لمرة واحدة- ألا أنضم لطابور من خذلوني، وأن أنتصر لروحي أو بالأحرى ما تبقى منها، غير أن أكثر ما أخشاه هو أن يدفع ثمن قراري هذا شخصا ربما هو الوحيد الذي كان يستحق الفرصة.

على كل حال هكذا حال الدنيا، أحدهم يخطئ وغيره يدفع الثمن.

 

لصوص الحياة

 

* في الصورة يبدو كل شيء مثاليا، حبيبها يقف مبتسما في جو لا تنقصه الحميمية، أما الخطأ الوحيد أنها لم تر نفسها في الكادر، فلكي تكون اللقطة طبيعية ومنطقية لم يكن ينقصها إلا أن تكون هي من تقف إلى جواره في هكذا لحظة.

 

هل غضبت لأنها ليست في الصورة، أم لأن حبيبها يحتضن بعينيه غيرها، أم لأن تلك التي سرقت مكانها هي نفسها من كانت يوما صديقة مقربة؟! الحقيقة أننا نموت كمدا حين نرى صورتنا وقد أُخفينا منها عمدا وحل مكاننا بالتزييف شخص آخر.. وما يزيد الوجع أن ذلك الذي حل مكاننا هو أقرب الناس إلينا!!

 

مثل هؤلاء لصوص، غير أن سرقاتهم أشد خسة من سرقة مال أو ذهب.. هم يسرقون حياتنا، أحبابنا، تاريخنا الذي كتبناه بالدم والدموع.. تاريخ مفعم بالذكريات، حلوها ومرها.. تاريخ موشوم بنبض القلوب ورجفة البدن.

اسرقوا أحبابنا وحياتنا.. لكن اتركوا لنا ذكرياتنا نقية بدون تشويه، فهي الزاد الذي يبقينا على قيد المحبة.

 

 

* أحيانا نمر بفترات نفقد فيها الرغبة في مقابلة أو محادثة أحد، ليس كرها أو استغناءً ولا يمكننا أن نسمي هذا الأمر اعتزالا أو وحدة، لكنها فترات تصادف فتورا يعتري أرواحنا المجهدة غير القادرة على تحمل عبء الإنصات وتبادل أبسط أنواع المشاعر، في مثل هذه الأوقات قد يظن البعض أننا نمر بأزمة ما تستدعي التدخل، غير أن التصرف الأمثل في حالة كهذه أن يتركوننا دون ضغوط، وألا يحاولوا كسر ذلك الطوق الذي نحيط به أنفسنا ليحمينا، حتى تمر تلك الموجة ثم نعود لحالتنا الطبيعية..

الجريدة الرسمية