رئيس التحرير
عصام كامل

ليلة عرس بابا غنوج

حين رأيتها تلمع بين أخواتها خطفت قلبي خطفا، ثمرة باذنجان سمراء فاقع لونها ذات وزن مثالي يناسب خمس جنيهات، هي كل ما تبقى من راتبي الشهري. منذ البداية كان تقديري لها واضحا ومحبتي ظاهرة، حتى أنني رفضت أن يضعها الخضري على الميزان. 

 

إذ قدمت له الجنيهات الخمس، واشترطت عليه أن يهبني الباذنجانة دون أن يهينها بوضعها على الميزان كباقي المعروضات في محله الذي لا يليق بملكة أفريقية ضلت طريقها إلى العرش.. وكذا رفضت بشكل قاطع أن يضعها في كيس من البلاستيك، فمثلها يحمل حملا على الكفوف..

الأميرة السمراء

 

سرت بها إلى البيت، قاصدا المطبخ، وتحت «الحنفية» حممتها بشكل يليق بأميرة، قبل أن أدثرها بمنشفة جافة ملونة بدت فيها الباذنجانة في أبهى صورها. بكل محبة قبلت الأميرة السمراء، ووضعتها في فرن معتدل الحرارة، وبينما كانت هي تتراقص مع لهيب النيران، استدعيت فصين من الثوم، قشرتهما وكأني أدغدغ قشرتهما، وفي هون خشبي ورثته عن جدتي، هرستهما ليمتزجا كندف الثلج المتساقط في ليل يناير في مشهد من فيلم هوليوودي يلائم أعياد الميلاد.

 

وفي الجوار كانت هناك  ثمرة فلفل حارة حمراء، تتفتت حبا واشتياقا، وكأنها قطع حلوى صغيرة تتقافز بين يدي طفل يتقافز فرحا في ليلة عيد. أخرجت أميرتي السمراء من الفرن، خلعت عنها رداءها، فبدت في لون الخمر، بجسد بض يتراقص طربا، قبل أن تقفز طوعا في طبق غويط مزركش، وكأنها عروس في حوض الاستحمام، بينما الملعقة تدلك جسدها الناعم بقليل من الطحينة على إيقاعات أفريقية مدوية.

 

وهنا رحت أنثر عليها ورود من ثوم وملح وكمون، قبل أن أعطرها بقطرات من الليمون والخل.. وهكذا باتت أميرتنا مستعدة للتزين بأزهار البقدونس الخضراء اليانعة وزهور الفلفل الحمراء الحارة، التي نزلت عليها ترفرف بأجنحة الشوق، لتكتمل الصورة وتصبح أميرتنا في أبهى حلة، متأهبة للقاء أميرها.

 

 

كان الأمير رغيفا من خبز بلدي، دخل الفرن عقب خروج أميرتنا ليشتد عوده ويزداد صلابة، فخرج مقرمشا لذيذا ساخنا كموجة صيفية عابرة.. والآن نحن في قلب العرس، حيث تمتزج كسرة من الخبز ببعض من «البابا غنوج» الدافئ، تزفهما روائح الكمون والليمون والخل، يلهوان في فم متذوق تتشوق معدته لاستقبال الحفل.

الجريدة الرسمية