رئيس التحرير
عصام كامل

بوتين والهيمنة الأمريكية!

أحد أهداف حرب روسيا فى أوكرانيا هى كسر الهيمنة الأمريكية على العالم.. هذا ما  أعلنه الرئيس الروسى بوتين، وأكده أمس وزير خارجيته في تصريحات صحفية له.. لكن هناك نفر من المحللين يرون أن الحرب في أوكرانيا زادت من تلك الهيمنة الأمريكية ولم تقلل منها، ويعللون ذلك بمشاركة أوروبا أمريكا وبحماس في العقوبات الاقتصادية القاسية ضد روسيا.. 

وبالنشاط الذى دب في ملف الناتو بعد الدعم الأمريكي له الذى كان قد فتر خلال سنوات حكم ترامب، وباتساع التدخل الأمريكي في أوكرانيا والدول المحيطة بروسيا وتقديم الأسلحة الأمريكية لها، وزيادة التدخل الأمريكي في أوروبا ونجاحها فى وقف التقارب الأوروبي الروسى وضرب التعاون بينها بعد تجميد مشروع نوردم  ستريم ٢، وأيضًا باتساع الضغوط الأمريكية على دول العالم لكى تصطف معها لعزل روسيا وتخفيض التعاون والتعامل معها.

 تراجع أم صعود

وكل ذلك صحيح بالطبع ولا يمكن إغفاله، لكنه بجانبه ثمة مظاهر أخرى تشير إلى عكس ما استخلصه هؤلاء المحللين من زيادة الهيمنة الأمريكية.. فرغم الضغوط الامريكية على حلفائها الأوروبيين فإنها لم تقدر أن تقنعهم بوقف استيراد الغاز الروسى مثلما فشلت بإقناعهم بطرد روسيا من نظام سويفت، بل إنها لم تقنعهم بالتصعيد ضد الرئيس الروسى بوتين كما فعل الرئيس بايدن الذى وصل إلى مدى بعيد في معاداة  نظيره الروسى بوصفه بالقاتل وباتهامه بارتكاب جرائم حرب والمطالبة بإسقاطه!

أما الدول غير الأوروبية فإن العديد منها رفضت مشاركة أمريكا فى فرض حصار على روسيا وعزلها، وخلال التصويت الأخير لطرد روسيا من مجلس حقوق الإنسان زاد عدد الدول التى رفضت ذلك أو امتنعت عن التصويت بالمقارنة بعدد الدول التى فعلت ذلك في الجمعية العامة.. وهكذا إستمر تعامل دول عديدة مع روسيا تجاريا واقتصاديا وسياحيا.. 

و لم يقتصر الأمر على عدم استجابة دول الخليج لطلبات أمريكا الملحة لزيادةَ إنتاج النفط للسيطرة على ارتفاع أسعاره العالمية، وإنما فكرت هذه الدول في بيع نفطها بعملات أخرى غير الدولار الأمريكي، وسوف تكون البداية البيع باليوان الصينى، وهو ما سوف يترتب عليه تراجع الدولار  الأمريكي كعملة احتياط عالمية.. وفى ذات الوقت وافقت دول أوروبية في مقدمتها النمسا على استيراد الغاز من روسيا  بالروبل الروسى.. وكل ذلك يمثل مؤشرا على تراجع وليس صعود الهيمنة الأمريكية.


نعم إن روسيا دفعت ومازالت تدفع ثمنا باهظا للحرب في أوكرانيا لأنها لا تواجه الجيش الأوكراني وحده ولكن تلك الحرب لم تحمل لأمريكا المكاسب فقط والمتمثلة في إنهاك واستنزاف روسيا، وإنما حملت لها خسائر هى الأخرى تمثلت في إخفاقها في فرض كلمتها ليس على كثير من دول العالم وإنما حتى على حلفائها الأوروبيين خاصة المشاركين معها في حلف الناتو.. وهذا مؤشر لتراجع وليس صعود الهيمنة الأمريكية..     

الجريدة الرسمية