رئيس التحرير
عصام كامل

حاورت الرئيس السادات

إدارة منظومة الإعلام فى هذا البلد تدعو للعجب، وكأن من يتولون أمره خلال السنوات الأخيرة قد عقدوا العزم على أن يسيروا به الى الوراء عاما بعد عام، إلى أن وصلوا به إلى الحال الذى هو عليه الآن، لدرجة أنه بات بلا تأثير أو مصداقية أو مهنية، ويحتاج إلى إرادة صادقة وقفه جادة إن كانت هناك نوايا حقيقية لاصلاحه.

 

فالمتأمل فى خلفيات المشهد الكارثى المفبرك الذى عرضته قناة الحدث اليوم فى الأسبوع الماضى، وتجرؤها على اختلاق مداخلة هاتفية وهمية على الهواء مباشرة، يستطيع أن يجزم أن ذلك الانحدار الذى انزلق اليه مذيعان مبتدأن لم يأتى من فراغ، ولكنه استمرارا طبيعيا لحالة العبث التى يعيشها الإعلام المصرى منذ سنوات، وأن علينا أن ننتظر ما هو أسوأ فى ظل استمرار حالة التسيب وعدم الانضباط وغياب المهنية والإصرار على وضع أنصاف الموهوبين فى صدارة المشهد.

 

بيع الهواء

 

الواقع على الأرض يقول أن ما قامت به قناة الحدث اليوم طبيعيا للغاية، وحدث قبل ذلك عشرات المرات، وسيظل يتكرر طالما استمرت فوضى ترك هواء الفضائيات يباع لكل من هب ودب، لدرجة انه تحول فى غيبة من الدولة إلى سببوبة مربحة للمئات من أنصاف المتعلمين، ومن لا علاقة لهم بالإعلام، ومن لا يمتلكون الحد الأدنى من الدراسة أو الموهبة، ويطلون علينا يوميا دون رقيب وبصحبتهم المئات من لا حيثيه لهم، لدرجة أنه أصبح بإمكان أى جاهل أو جاهلة الخروج ببرنامج يومى يخاطب فيه المصريين طالما انه يستطيع أن يدفع المقابل التافه لساعة الهواء، وأصبح بإمكان أى لص أو مجرم أو منتحل صفة أن يحل ضيفا على هواء تلك البرامج المؤجرة، ويقول ما شاء ويعلن عن ما يشاء طالما أنه سيدفع للمذيع أو المذيعة أصحاب السبوبة.

 

ولآن هواء تلك القنوات بات بلا ضابط، فكان من الطبيعى أن تتحول إلى مرتعا للإعلان عن الدجالين والمشعوزين والأدوية غير المرخصة وكل السلع مجهولة المصدر، دون أن يحرك الأمر ساكن للمسئولين عن الإعلام، لدرجة أن بعض تلك الفضائيات نجحوا خلال السنوات الأخيرة فى تكوين شبكات محترفة من السماسرة، تخصصت فى جلب إعلانات السلع والمنتجات المجهولة، والتعاقد لعرضها على شاشات كل تلك القنوات فى مقابل مبالغ زهيدة للغاية.

 

وهو ما شجع العشرات من معدومى الموهبة من مقدمى البرامج المؤجرة إلى تكوين شبكات موازية من السماسرة تخصصوا فى اصطياد الجهلاء والدجالين والنصابين، وتقديمهم كنجوم ذو حيثية من خلال تلك البرامج، فى مقابل مبالغ مالية يدفعونها نقدا، فى عملية معروفة ومعتادة وتتم بشكل يومي ويعلم تفاصيلها كل ملاك تلك القنوات، بشكل أصبح يشكل عارا على الإعلام المصرى.

 

للأسف أن ما قام به المذيعان المبتدأن من فبركة مداخلة هاتفية بصوت الجراح المصرى العالمى الدكتور مجدى يعقوب يعد أمرا طبيعيا للغاية، فى ظل حالة التسيب التى تغاضت عنها الدولة، التى مازالت تصر على تصدير رسائلها للجماهير عبر وجوه فقدت المصداقية ولا تعرف عن المهنية سوى الصياح والتشنج، ورغم يقينها بأن مردود ما يقدمونه بات سلبيا، وأن المصريين سئموا من رؤيتهم منذ سنوات، مازال هناك إصرار على فرضهم على المشاهد.

 

غياب المصداقية

 

وكيف لا يتجرأ مذيعان مبتدأن على فبركة مداخلة، بعد أن سمحت الدولة بانحسار المهنية فى الصحف والمواقع فى قضايا الجنس والدعارة وزنا المحارم، وتتبع قضايا الطلاق والفضائح الأسرية، وتحول الانفراد الصحفى إلى مجرد فيديو ساقط لفلانه، أو أخر اطلالة أو رقصة لفلانه، أو بث مباشر مقيت لكشف خلاف بين فنان وأسرته أو فنانه ووالدها، واقتحام الخصوصيات وحرمة الجنازات، فى سوابق لا علاقة لها بالإعلام وأصابت الناس بالقرف.

 

للأسف أن ما قامت به قناة الحدث اليوم ما هو إلا واقعة طبيعية فى ظل ما يعانية الإعلام المصرى بسبب سوء الإدارة وضعف المهنية بفعل رغبة الدولة، غير أن وجع الواقعة جاء فى كشفها لعورات المنظومة التى فقدت الريادة بفعل الإصرار على الدفع بأنصاف الموهبين إلى صدارة المشهد الذى بات عاجزا بفكرهم العقيم عاجزا حتى عن التسويق لانجازات المرحلة.

 

للأسف أن ذلك التدهور المستمر ل الإعلام المصرى يحدث فى ذات التوقيت الذى يحقق فيه الإعلام الخليجى طفرات مهنية ابهرت الجميع، لدرجة انه بات فى ظل عجز الإعلام المصرى المروج الأول والمجانى لانجازات الدولة المصرية، التى مازال بينها من يصر على إنفاق مليارات الجنيهات سنويا من أموال الشعب على منظومة إعلامية خرجت من نطاق الخدمة.

 

 

يقينى أن عودة الروح ل الإعلام المصرى لن تأتي بوقف برنامج أو معاقبة مذيع كما تم علاج فضيحة قناة الحدث اليوم، ولكن فى إعادة النظر في منظومة الإعلام المصرى بأكملها، مع إرادة صادقة تدفع بالكفاءات إلى صدارة المشهد، وادارة مهنية تعيد ل الإعلام المصرى ريادته وهيبته ووقاره الذى كان عليه منذ سنوات، وإلا فلا عجب فى أن تنفرد إحدى القنوات غدآ بمداخلة مع الرئيس عبدالناصر، أو ينفرد موقع بحوار أو بث مباشر مع الرئيس السادات.. وكفى.

الجريدة الرسمية