رئيس التحرير
عصام كامل

رؤية السياسي يا معالى الوزير

فرق شاسع بين مسئول يمتلك رؤية سياسية يستطيع من خلالها أن يزن كل قراراته وتصريحاته ومدى تأثيرها على الشارع، وبين مسئول يفتقد للحنكة السياسية لدرجة تجعله غير مدرك للكوارث السياسية والاقتصادية واللغط الناتج عما يصدر عنه، وهو النموذج الذى ينطبق وللأسف على كثير من المسئولين فى الوقت الحالى.

فمنذ أيام، شرعت وزارة التموين في الإعلان عن تغيير دمغة المشغولات الذهبية فى الأسواق المصرية، وهو إجراء روتينى انتهجته كثيرا من الحكومات المتعاقبة على مدار السنوات الماضية، تحقيقا للأمان فى سوق الذهب في مصر، غير أن الخطوة هذه المرة استهدفت مواكبة تكنولوجيا العصر وتحقيق مزيد من الأمان باستخراج ما يشبه شهادة ميلاد لكل قطعة ذهبية، من خلال توثيقها ودمغها باستخدام تقنية الليزر، بحيث تحمل باركود يتضمن الرقم والعيار وبيانات المصنع، بشكل يقضى على عملية غش الأعيرة وبيع الذهب المسروق، ومعرفة مصدر إنتاج وتفاصيل بيع وشراء ومكان كل قطعة ذهبية فى مصر، بدلا من نظام الدمغة بالقلم والمطرقة المعمول بها منذ سنوات.

 

إلا أن الغريب فى الأمر، أنه بدلا من أن يخرج وزير التموين برؤية السياسى لطمأنة كل من يمتلك مشغولات ذهبية تحمل الدمغات القديمة، إلا أنه خرج بتصريحات تفتقد للحنكة السياسية ويغلب عليها الشو الإعلامي والاستعراض والذاتية، أدت إلى إثارة كثير من الجدل وانتشار الشائعات، وإرباك المواطنين وسوق الذهب في مصر، التى ظلت لأيام كاملة عاجزة عن بيع 10 جرامات من الذهب في مدن بأكملها.

الشائعات وتصريحات الوزير

فعلى الرغم من أن الدمغة بالليزر لا يعد انجازا، وسبقنا إليه العديد من الدول منذ سنوات، إلا أن الوزير آثر الاستعراض والتباهى بالخطوة، مغفلا التأكيد على أن الدمغة الجديدة لا تعنى إلغاء للدمغات القديمة التى تحملها كل ما فى الأسواق ولدى المواطنين من مشغولات ذهبية، مما أتاح الفرصة لكثير من التأويلات والشائعات التى فسرت تصريحات وزير التموين على إنها دعوى للمواطنين للإسراع في بيع ما يمتلكونه من مشغولات ذهبية تحمل الدمغات القديمة، وأنه لن يكون باستطاعتهم التصرف فيها بعد طرح المشغولات بالدمغة الجديدة، في حين فسرها البعض على إنها توجه حكومى لحصر ما لدى كل مواطن من ذهب تمهيدا لفرض ضريبة عليه.

 

للأسف تصريحات وزير التموين والبيانات التى صدرت عن وزارة التموين فى موضوع الدمغة الجديدة خلت من أيه رؤية سياسية، وغلب عليها ذات المعالجة الإعلامية غير الدقيقة التى يستخدمها أنصاف الإعلاميين، والتى تنحاز للمسئول على حساب الإنجاز، وهو بالطبع ما خلق اللغط والاضطراب في سوق الذهب، واستدعى مجلس الوزراء إلى التدخل وإصدار عدد من البيانات تكذب ما يتم تداوله من الشائعات المغلوطة، وطمأنة المواطنين وإعادة الثقة إلى أسواق الذهب في مصر.

 

العقل يقول إنه كان بإمكان وزير التموين تلاشى كل ما أحدثه من بلبلة وخسائر في سوق الذهب، بمجرد الاكتفاء بتمرير القرار دون ضجيج لمصلحة الدمغة والموازين، للبدء في الاستعداد لعملية الدمغة الجديدة دون استعراض أو هالة، ولاسيما وأن التجهيزات التقنية لعملية الدمغة بالليزر لم يتم الانتهاء منها بعد، ولن يتم العمل بها سوى مع بداية العام القادم، أو الاكتفاء بتصريح مبسط يحمل وعيا سياسيا ولا يحتمل التأويل.

 

واقع اللغط الذى حدث بأسواق الذهب في مصر خلال الأيام القليلة الماضية يقول إن هذه ليست المرة الأولى التى تغيب فيها الرؤية السياسية عن وزير التموين، الذى خرج علينا منذ أيام أيضا معلنا بشكل أثار استغراب كل المصريين، عن إيقاف إصدار بطاقة التموين المفقودة والتالفة، وهو ما فسره الشارع المصرى بشكل طبيعى على أنه خطوة حكومية جديدة للتخلص من قطاع من مستحقى الدعم دون ذنب، مما استدعى مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء إلى الإسراع بنفى إيقاف إصدار تلك النوعية من البطاقات، وموضحا أن الإيقاف مجرد إجراء مؤقت لمدة أسبوعين فقط لحين الانتهاء من تحديث المنظومة.

 

 

لسان حال الحكومة يقول إنه لا إلغاء لبطاقات الدعم التالفة أو المفقودة، وأن كل دمغات الذهب القديمة حكومية ومعترف بها ولم ولن يتم إلغاؤها وأن ما كان يقتنيه الأجداد من مشغولات ذهبية تحمل دمغات مضى عليها قرون، مازالت تباع وتستوعبها الأسواق كما لو كان تم دمغها بالأمس.

غير أن تصريحات وزير التموين التى أثارت لغطا تؤكد أن هناك فرقا شاسعا بين مسئول يفتقد للرؤية السياسية ويغلب الذاتية في قراراته وتصريحاته، وبين آخر تربى وأصقل سياسيا ويعى قيمة وتأثير كل كلمة أو قرار يخرج عنه على الشارع والمواطن.. وكفى.

الجريدة الرسمية