رئيس التحرير
عصام كامل

المستفيدون من تداول حبوب الموت المشبوهة!

على الرغم من ردود الأفعال الغاضبة التى صاحبت إنتحار الفتاتين بسنت وهدير بسبب حالة الانحطاط والإبتزاز الالكتروني التى باتت بمثابة مهنة يحترفها عدد من معدمى الضمير، إلا أنه غاب عن الجميع في كل تلك الجرائم، مسئولية تسهيل القتل العمد باستخدام حبة الغلة القاتلة والتى تتحملها كل الحكومات التى تعاقبت على مصر خلال السنوات الأخيرة، لتقاعسها جميعا عن وقف استيراد تلك الحبوب المشبوهة، وسط العديد من علامات الاستفهام حول المستفيد المباشر من تداولها دون رقيب بداخل البلاد.

 

فبالعودة إلى الوراء لسنوات قليلة، سنجد أن إنتحار هدير وبسنت مجرد حادثتين ضمن سلسلة طويلة من حوادث الإنتحار باستخدام حبة الغلة القاتلة دون أن يحرك الأمر ساكن لأى من البرلمانات أو وزراء الزراعة أو الصحة أو رؤساء الوزراء الذين شهدت حكوماتهم مثل هذه الكوارث، والذى كانت خطورة الأمر تحتم عليهم ضرورة الإسراع منذ سنوات بوقف استيرادها وتجريم استخدامها بداخل البلاد، مثلما فعلت العديد من الحكومات العربية.

 

وحتى نعلم مدى مسئولية الحكومات المتعاقبة على مصر فى تلك الحوادث، يكفى القول أن حبة الغلة السامة المعروفة علميا بإسم الألومنيوم فوسفيد يتم استيرادها بشكل رسمى منذ سنوات تحت مسمى مبيد حشرى، لدرجة انه يوجد منها بالأسواق المصرية 18 منتجا بتركيبة واحدة وتحت أسماء تجارية مختلفة، ويتم تداولها وبيعها للجميع دون أدنى محاذير رغم العلم بسميتها الشديدة من خلال محلات بيع المبيدات والبذور الزراعة بسعر جنيه واحد للحبة.

 

تسبب السرطان

 

ولعل ما يدعو للعجب فى الإصرار على تداول تلك الأقراص القاتلة فى الأسواق المصرية طوال هذه السنوات ودون أدنى تدخل من البرلمان أو الحكومة، أن الإحصائيات تؤكد مسئوليتها الكاملة عن ثلث حالات الانتحار سنويا فى العالم، وأن ما بين 250 و370 الف شخص يلقون حتفهم نتجة لتناولها سواء عمدا أو عن طريق الخطأ، حيث يجمع العلماء على خطورة استخدامها في وقاية الغلال والحبوب من التسوس والحشرات، نظرا لاطلاقها كميات هائلة من غازى "الفوسفين وفوسفيد النيتروجين" الذى يؤدي استنشاقهما لفترات طويلة للإصابة المباشرة بالعديد من السرطانات المختلفة.

 

كما يجمع الأطباء على أنه لا مجال للتراجع أو الإنقاذ بعد تناول تلك الحبة القاتلة، حيث تكون النتيجة الحتمية وللأسف هى الموت بفعل غاز الفوسفين شديد السمية، الذى يعتبر بمثابة قنبلة كيماوية تنفجر وتتفاعل مع المياه وعصارة المعدة، وتؤدى إلى تسمم حاد تتوقف معه كافة أجهزة الجسم بشكل متتابع وسريع، ودون ظهور أعراض سريرية.

 

وعلى الرغم من أن كارثة انتحار بسنت وهدير قد دفعت عدد من أعضاء مجلس النواب إلى التقدم بطلبات إحاطة لمناقشة قضية تداول حبة الغلة تحت قبة البرلمان، إلا أن الثابت أن ذلك المشهد قد كرر خلال السنوات الماضية عدة مرات، وتحديدا مع كل حادثة إنتحار بذات حبة الغلة، غير أن المناقشة تنتهى داخل  لجنة الزراعة والرى بالمجلس المقر دائما ما تنتهى إلى لا شيء، وكأن الحبة القاتلة مجرد حبة اسبرين يمكن أن يتناولها المواطن يوميا عدة مرات مع كوب الشاى.

 

وحتى لا نتهم بالتجنى أو المبالغة، سأكتفى بعرض التصريح الذى أطلقه النائب هشام الحصري، رئيس لجنة الزراعة والرى فى مجلس النواب عقب مناقشة اللجنة لقضية حبة الغلة فى يونيو من العام الماضي، لمعرفة ما ستنتهى إليه القضية داخل البرلمان هذه المرة، كما هو الحال خلال كل المرات السابقة، حيث قال رئيس اللجنة نصا فى تصريح نشرته كل الصحف المصرية: "أحضرنا كل أطراف الموضوع وخاصة لجنة المبيدات بوزارة الزراعة، وتأكدنا من أن حبة الغلة موجودة فى كل دول العالم، وليس لها بديل حاليا لتخزين الحبوب وخصوصا القمح، وليس هناك مبرر منطقى لمنعها، بزعم أنها سبب فى وفاة العشرات أو المئات".

 

غير اننى لا أدرى كيف غاب عن اللجنة البرلمانية الموقرة، أن هناك عشرات الدول فى العالم قد حظرت دخول أو استخدام حبة الغلة وأن هناك عشرات الطرق الأمنة المستخدمة في العالم لحفظ ووقاية الحبوب والغلال، ودون أدنى تأثير على صحة الإنسان.

 

 

غير أن واقع سقوط العشرات سنويا نتجة لتناول حبة الغلة وعدم وجود قرار حازم بوقف استيرادها وتجريم استخدامها يلقى بالعشرات من علامات الاستفهام حول جدوى إصرار البرلمان والحكومة على استمرار تداولها، وكأن هناك مستفيد من وراء القضية، والاستمرار في طرح بمبررات ساذجة كتشديد الرقابة ودور الإعلام والأطباء وخطباء المنابر والإخصائى الاجتماعى والنفسى، والتى لن تقدم جميعها ولن تؤخر.

يقينى أن واقع الكارثة يستوجب ضرورة صدور قرار عاجل من رئيس الوزراء بمنع استيراد حبة الغلة القاتلة والتقدم بمشروع قانون عاجل للبرلمان يجرم استخدامها داخل البلاد، حفاظا على صحة المصريين، وقضاء على الشبهات التى تتحدث عن وجود مستفيد من وراء استمرار تداولها وسقوط العشرات من المصريين سنويا دون وجود سبب مقنع.. وكفى.

الجريدة الرسمية