رئيس التحرير
عصام كامل

المستوى المتوسط للأسرة.. والتعيين في النيابة الإدارية

يتحدث الكثيرون عن المعيار الموضوعي لاختيار وتعيين معاوني النيابة الإدارية، ويتندر البعض بحالات ينطبق عليها شروط التعيين دون أن يحالفهم الحظ بالتعيين في هذه الوظيفة القضائية المهمة، ومن هنا يجب أن يكون أسلوب الاختيار تحت بصر الجميع، حتى تهدأ الأفئدة، ويلتفت الشباب إلى مستقبلهم الذي اختاره الله لهم، والسؤال الذي يبحث عن إجابة هو: هل المستوى المادي والاجتماعي المتوسط للأسرة يعد سببًا للاستبعاد من شغل وظيفة معاون نيابة إدارية؟

 

المادة 38 مكررًا من قانون النيابة الإدارية تنص على أنه: يكون شأن أعضاء النيابة الإدارية فيما يتعلق بشروط التعيين.. شأن أعضاء النيابة العامة، واجتياز مقابلة اللجنة المشكلة لمقابلة المتقدمين للتعيين بالوظائف القضائية شرطًا لازمًا يضاف لشروط التعيين المقررة، وأن تلك اللجنة غير مقيدة في اختيار المتقدمين سوى بمدى توافر الأهلية اللازمة لشغل الوظيفة القضائية، وسلطتها في الاختيار هي سلطة تقديرية لا يحدها سوى استهداف المصلحة العامة.

 

وإذا كانت تلك المهمة التي أسندت إلى اللجنة لم تقترن بطريق صريحة قاطعة ومعيار واضح يحدد لها كيفية أداء مهمتها واستخلاص الأهلية اللازمة لشغل الوظيفة، فإن ذلك لا يعني حتمًا أنها مارست عملها دون ضوابط أو معايير، فلا جدال في أنها استعانت بالعُرف العام الذي يحيط تولي الوظائف القضائية والوظائف التي يضفي عليها المشرع هذه الصفة بمعايير دقيقة وضوابط قاطعة وصفات سامية، ومن غير المسموح به أن تحل المحكمة نفسها محل اللجنة في إعمال تلك المعايير والضوابط واستخلاص تلك الصفات.

 

شيوخ القضاء

 

ولا غنى من أن يُترك لأعضاء لجنة الاختيار بما أوتوا من حكمة السنين التي رقت بهم في وظائف القضاء حتى بلغت منتهاها وأضحوا شيوخًا لرجال القضاء أن يعرفوا ما بداخل نفس وقياس عمق كل متقدم لشغل الوظيفة القضائية لاستخلاص مدى توافر الصفات والقدرات الخاصة التي تؤهله لممارسة العمل القضائي على الوجه الأكمل والتي يتعذر على الأوراق والشهادات أن تثبتها أو تشير إليها باختيار أفضل العناصر لتولي الوظيفة القضائية.

 

كما يتعذر على القوانين واللوائح أن تضع لها قيودًا أو ضوابط يمكن التقيد بها، فلا مفر من أن توضع مسئولية اختيار العناصر المناسبة لشغل تلك الوظائف أمانة في عنق شيوخ القضاء يتحملونها أمام الله وضمائرهم ولا معقب عليهم في ذلك من القضاء ما لم يقم الدليل صراحة على الانحراف بالسلطة أو التعسف في استعمالها تحقيقًا لأهداف خاصة.

 

جاء ذلك في حكم حديث أصدرته المحكمة الإدارية العليا، وأكدت أن الطاعنة حاصلة على ليسانس الشريعة والقانون من كلية الدراسات الإسلامية والعربية للبنات بالقاهرة جامعة الأزهر بتقدير عام جيد جدًا مع مرتبة الشرف بنسبة 87،92% وترتيبها السابعة على الدفعة، وقد تقدمت لشغل وظيفة معاون نيابة إدارية، ولم تبد النيابة الإدارية المطعون ضدها سببًا لتخطي الطاعنة سوى عدم اجتيازها المقابلة الشخصية التي أجريت معها دون تحديد عناصر المقابلة رغم تعيين من هم أقل منها في التقدير.

 

المستوى المادي والاجتماعي

 

ولا ينال مما تقدم ما ورد بالتحريات التي أجريت على الطاعنة من أن المستوى المادي والاجتماعي للأسرة متوسطة فهو لا يعد سببًا كافيا للاستبعاد فالعبرة هنا بأن يكون العمل الذي يقوم به الشخص عملًا شريفًا وكريمًا دون النظر إلى المستوى الوظيفي، وإلا أصبح شغل تلك الوظائف حكرًا على طائفة معينة دون سواها، وهو ما يفضي إلى حرمان أصحاب الكفاءات العلمية المتميزة التي تنتسب إلى أصحاب الدخول البسيطة من تولى تلك الوظائف، وهذا القول تأباه قواعد العدالة والمساواة وتكافؤ الفرص بين المواطنين في ظل مبدأ سيادة القانون الذي يسود نظام الحكم في الدولة.

 

والمشرع لم يحدد أسباب فقدان حسن السمعة والسيرة الحميدة على سبيل الحصر، وأطلق المجال في ذلك لجهة الإدارة تحت رقابة القضاء، الذي استقرت أحكامه على أن السيرة الحميدة والسمعة الحسنة هي مجموعة من الصفات والخصال التى يتحلى بها الشخص فتكسبه الثقة بين الناس، وتجنبه قالة السوء وما يمس الخلق، ومن ثم فهي تلتمس في أخلاق الشخص نفسه، إذ هي لصيقة بشخصه ومتعلقة بسيرته وسلوكه، ومن مكونات شخصيته، فضلا عن أن الثابت بالتحريات التى أجريت على الطاعنة وأقاربها المدونة بوثيقة التعارف أنه لم يستدل لهم على معلومات جنائية مسجلة.

 

 

والمرشحة وأسرتها سمعتهم طيبة بمحل إقامتهم، الأمر الذي يضحى معه قرار النيابة الإدارية المطعون ضدها قد صدر غير مستند إلى سبب صحيح يبرره سواء من ناحية الواقع أو القانون، ولهـذه الأسباب قضت المحكمة بقبول الطعن شكلًا، وفى الموضوع بإلغاء قرار رئيس الجمهورية فيما تضمنه من تخطي الطاعنة في التعيين في وظيفة معاون نيابة إدارية مع ما يترتب على ذلك من آثار، أخصها وضعها بين أقرانها فِي القرار المطعون عليه وفقًا لمجموع درجاته بعد استكمال باقي إجراءات التعيين مِنَ الكشف الطبي ونحوه.. وللحديث بقية

الجريدة الرسمية