رئيس التحرير
عصام كامل

أغلقوا الإرهاب الصحي.. التأمين الصحي سابقًا

إذا حصد الإرهاب الأسود من أبنائنا، فنحن لا نحزن إلا على فراقهم، ولكننا نعلم يقينًا أنهم شهداء في الجنة، وأن الإرهاب لا يزيد هذا الوطن إلا تماسكًا وقوة، ولكن الأخطر على شعب مصر هو الإرهاب الصحي الذي تمارسه هيئة التأمين الصحي، التي ظن القائمون عليها أن المصريين عبيد إحسانها، تلقي لهم بما تبقى من فتات الوقت والجهد والمال، وليهلك من يهلك، ويحيى  من يحيى، ولسان حال كل مسئول فيها: أنا ربكم الأعلى.
 

التأمين الصحي هو المظلة التي يستظل بها أغلبية المواطنين الضعفاء الفقراء، ومن أجل ذلك تكبدت الدولة نفقات باهظة للحفاظ على صحة المصريين، وأولت جزءً كبيرًا من تلك المهمة إلى هيئة التأمين الصحي، فتحولت إلى هيئة الإرهاب الصحي، ليحصد إهمال القائمين عليها من أرواح البسطاء في اليوم الواحد ما لم يحصده الإرهاب الأسود في سنوات، دون تدخل من الجهات الرقابية، ودون إشراف حقيقي من وزارة الصحة، فصارت مستشفيات التأمين الصحي إهانة مَذَّلة للمرضى وذويهم.

 

وقد سبقني لدق ناقوس الخطر الأستاذة إيمان راشد، الكاتبة الصحفية بجريدة الأخبار وعددٌ غير قليل من الصحفيين والإعلاميين، ظنوا بحسن نيتهم أن كشف المستور في معتقلات التأمين الصحي هو وسيلة لإصلاحه، ولم يفطنوا إلى أن ذلك الكيان صار سرطانًا لا بديل عن استئصاله لتبقى حياة المصريين البسطاء في مأمن من الإهانة والمذلة والهلاك، ولكن بعد دراسة متأنية ومتابعة دقيقة، ومعاينة شخصية أصبح لا مناص من كشف سوأة هذه الهيئة أمام الجميع، وليكن الاحتكام للشعب.

 

العناية المركزة

 

وقبل أن نتدرج في فظائع وكوارث الإرهاب الصحي عبر محافظات مصر كلها، يود كاتب هذه السطور أن يعرض حالة والدته التي تناهز الثمانين، والتي تَطَّلبت ذهابها الى مستشفى شبرا للتأمين الصحي.. وما لا يعلمه إلا الله من المعاناة والآلام للمريضة ولذويها، مع فواصل متعددة من الإهانة والإهمال واللامبالاة التي لا يتسع المقام لذكرها، إلا أن اطمأنت قلوب القائمون على المستشفى من أنها مريضة، وفجأة، ودون تشاور مع ذوي المريضة نُقلت إلى العناية المركزة، وهو أمر قد يراه القارئ نذير خير، وكنا نراه كذلك.

 

وبعد نقل المريضة للعناية المُركزة لسوء حالتها الصحية بسبب أمراض الشيخوخة، مُنِع ذووها من رؤيتها أو الاطمئنان عليها بأمر السيد مدير المستشفى، وبعد توسلٍ ورجاء سّمِح لإبنتها الدخول إلى المُعتقل شديد الحراسة المُسمى بالرعاية المركزة، وكانت الفاجعة أن حالتها ساءت عما قبل دخول المستشفى، وانفطر قلبُ الابنة على أمها، وحاولت مقابلة أحد الأطباء ليبرر لها ما آلت إليه الحالة، وقد بات التسليم بقضاء الله أقرب من محاولة إنقاذها، وبعد إلحاح ومحايلة سمحوا لها بمقابلة الطبيب المختص.


وبدا الطبيب هادئًا مطمئنًا وهو يستعرض ما ألمَّ بالأم المُسِنة من أمراض، منها: الكورونا وقُرح الفراش وتسمم الدم والالتهاب الرئوي، وأشياء أخري، وكانت كلمات الإبنة اليائسة قبل انصرافها أن أوصت الطبيب بالمريضة خيرًا بوصفها في مقام جدته، وطمأنها الطبيب بأنه سيتم اتخاذ اللازم، وفي اليوم التالي كانت الطامة الكبري، قررت المستشفى خروج المريضة من الرعاية ومن المستشفى بزعم أن حالتها الصحية استقرت!

 

وقائع متكررة

 

ولم تكن هذه الواقعة هي الاولى من نوعها، بل هي نُسخة كربونية من وقائع متكررة كان أشهرها حالة مماثلة منذ عام بمحافظة الدقهلية، ونشر نجل المريضة فيديو لها بالمستشفى حتى تدخل المحافظ المحترم لحل المشكلة، ولكن، هل يُدرك محافظ القاهرة ونوابه، ومحافظو باقي محافظات مصر تلك الجرائم، أم يبحثون عن وسائل الحفاظ على كراسيهم؟؛ ويكتفون برفع التقارير الدورية "كله تمام يافندم"؟

 

كل ما ذكرناه نقطة في بحر، وهو أول درجة في سلم استئصال سرطان الإرهاب الصحي، يتبعها درجات موثقة بمقاطع الفيديو والتسجيلات والمستندات وشهادات المرضى وذويهم، حتى نصل إلى حل يحفظ كرامة البسطاء الذين هم غالبية هذا الشعب، ودافعو الضرائب تارةً استقطاعًا من رواتبهم، ومعاشاتهم، وتارةً في صورة قيمة مضافة ومسميات أخرى بلا طائل.. وللحديث بقية

الجريدة الرسمية