رئيس التحرير
عصام كامل

الاستثمار الأبيض ينفع في الرمل الأسود

تمتلك مصر ثروة تتفرد بها عن العالم كله في حجم الاحتياطي من هذه الثروة، وهي الرمال السوداء التي تعد بحق المستقبل الزاهر لأي دولة تمتلك منها أية كمية، والرمال السوداء هي رواسب شاطئية سوداء ثقيلة، وتتركز رواسب الرمال السوداء عند مصب النيل بالقرب من دمياط ورشيد، وهي رواسب فتاتية من حبات معادن ثقيلة ملونة تتراكم على الشواطئ نتيجة مصبات الأنهار فيها يحملها النيل آلاف الكيلومترات، ليلقي بها على شواطئ البحر المتوسط. وتتكون الرمال السوداء من مجموعة من الطبقات داخل التربة بالدلتا، مما يعني اختلاف أحجامها ونسب وجودها من منطقة لأخرى، بحسب انخفاض المنطقة أو ارتفاعها، بالإضافة إلى تأثير الميل والرياح. 

 

ويؤكد بعض الخبراء أن الدراسات والأبحاث حول الرمال السوداء بدأت بمصر منذ 60 عاما تقريبا من عدة جهات مختلفة، مثل الشركة العامة للرمال السوداء، وهيئة المساحة الجيولوجية، وهيئة المواد النووية. ويبلغ الاحتياطي الجيولوجي لرواسب الرمال السوداء في مصر حوالي حوالى 200 مليار متر مكعب من الرمال موزعة بين رشيد حتى العريش، وهو أكبر إحتياطي في العالم يسبق البرازيل والهند، وتعد رشيد أكبر منطقة تحتوي على احتياطي من الرمال السوداء بكمية حوالي 500 مليون متر مكعب.. ثم دمياط بحوالي 300 مليون متر مكعب وبلطيم بكفر الشيخ 200 مليون متر مكعب وشمال سيناء 100 مليون متر مكعب.. بالإضافة إلى الاحتياطي الكبير بمنطقة شلاتين - أبو رماد بساحل البحر الاحمر جنوب الصحراء الشرقية.. وخليج العقبة.

أهمية الرمال السوداء

وتأتي أهمية الرمال السوداء اقتصاديا نظرا لكونها تحتوي علي ٤١ عنصرا مثل اليورانيوم المشع والزركون ومعادن أخرى تدخل في صناعة الصواريخ وهياكل السيارات السيراميك البوياتمواد الإشعاع النووي، ومن هذه الرمال يستخرج الوقود النووي الذي تعمل به المحطات النووية في العالم، وتسيطر روسيا على إنتاج هذا الوقود، وقد طلبت من مصر أن تقوم باستخراج الوقود النووي من رمال مصر في نظير مبالغ ضخمة، لكن مصر رفضت ذلك حتى يكون لها دور في إنتاج الوقود النووي الذي هو مستقبل الطاقة في العالم؛ لذلك –ولأسباب أخرى– تميزت العلاقة المصرية الروسية بالفتور بعد أن كانت تتميز بالحميمية في بداية حكم الرئيس السيسي..

 وقد أنشأت مصر بالفعل عدة مصانع لاستغلال الرمال السوداء، منها مصنع بشرق البرلس على مساحة 80 فدان، وآخر على مساحة 35 فدان غرب البرلس؛ بجانب استثمارات تقدر بـ24 مليون دولار؛ ولتحقيق أعلى إنتاجية تم تدريب الكوادر العاملة في هذا المجال باستخدام أحدث التقنيات الحديثة العالمية وقد تم شراء الكراكة العملاقة "تحيا مصر" من هولندا خصيصا لهذا الغرض، تزن 550 طن بطاقة إنتاجية 2500 طن في الساعة.

 

ويؤكد المتخصصون أن الرمال السوداء تحتوى على نسب عالية من المعادن الاقتصادية، وقد يصل في بعض العينات أن الكيلوجرام من الرمال السوداء يمكن فصل حوالى الثلث (200-300 جرام ) منه، معادن اقتصادية يمثل الألمينيت، والماجنيتيت، أكثر من النصف.. لذا تأتي أهمية التصنيع وفصل الأكاسيد والعناصر بدلا من تصديرها "خام".. فعلى سبيل المثال معدن الألمينيت الذي يحتوي على عنصري الحديد والتيتانيوم بنسبه تصل في بعض المناطق الي 42% لكل منهما وصل سعر الطن الخام إلى حوالي 150 دولارا..

الاستثمار في الرمال السوداء

 

ولكن الأهم هو التصنيع لأنه يضاعف القيمة إلى مئات المرات، حيث يصل سعر أكسيد التيتانيوم إلى أكثر من 2500 دولار للطن، أما فصل عنصر التيتانيوم، الذى يدخل في صناعة الحديد والطائرات والصواريخ، فيصل سعر الطن إلى أكثر من 40 ألف دولار. ويتم أيضا فصل معدن الماجنتيت، من الرمال السوداء، بطريقة سهلة وبسيطة وغير مكلفة، والتي تصل نسبة الحديد فيه من 75 الى 86 %   ويقدر سعر طن الماجنتيت تقريبا 360 دولار للطن المطحون وتتضاعف القيمة الى عشرات المرات إذا تم التصنيع وفصل الحديد الثنائى والثلاثى.. ويدخل الماجنيتيت في صناعة حديد البليت والحديد الاسفنجي وحديد الزهر وسبائك الفيروتيتانيوم، وصناعة أحبار الطباعة، والراتنجات الصناعية، وأنواع مختلفة من البوليمر، وتخصيب وإزالة ملوحة التربة. 

ويعد معدن المونازيت الوجود في الرمال السوداء، من أهم المعادن حيث يصل سعره الي 1900 دولار للطن الخام قبل التصنيع والفصل، نظرا لأنه يحتوى على 17 من العناصر الأرضية النادرة، والتى تصل إلى 60% من حجمه، مثل السيريوم، واللانثانم، والنيوديميوم، والسماريم، وعناصر مشعه مثل الثوريوم، واليورانيوم، وهي عناصر استراتيجية أسعارها مرتفعة للغاية.. وقد يصل سعر الكيلوجرام الواحد – بعد استخلاصها عن من الرمال- إلى عشرات الآلاف من الدولارات وذلك لإعتماد أكثر من 50 صناعة إلكترونية ومنها الهواتف الذكية عليها.. 

كما أن المونازيت المشع يعد أيضا مصدرا للحصول على الثوريوم واليورانيوم، الذي يصلح كوقود نووى.. كما يصل الطن لعنصر اللوتيتيم حوالي 100 ألف دولار، والذى يمكن فصلة من معدن المونازيت أيضا. كما أن المعادن المستخرجة من الرمال السوداء تدخل أيضا فى صناعة الألياف البصرية والليزر والبصريات، والهواتف الذكية، والمغناطيسات، والمحفزات وتكرير البترول، والسبائك المعدنية، والسيراميك، والفوسفوريات، ولذلك تأتى أهمية فصل العناصر وخاصة من المعادن الهامة مثل معدن الروتايل الذي يحتوى الطن منه علي 650 كيلوجرام تيتانيوم.. ويباع خام بسعر 400 دولار للطن أما طن التيتانيوم فيصل بعد فصله من معدن الروتايل فيصل إلى حوالي 40 ألف دولار "أي 100 ضعف" إذا تم الفصل والتصنيع، لأن التيتانيوم يدخل في صناعة الطائرات وسفن الفضاء والصواريخ والمفاعلات النووية وهياكل الدبابات.

الجريدة الرسمية