رئيس التحرير
عصام كامل

فى رحيل جمعة: كلموهم.. قبل أن تندموا !

من الصعب أن أكتب عن جمعة.. جمعة فرحات.. رسام الكاريكاتير المصرى العالمى وقد رحل..مات. أراه الأن وهو يكتب جمعة بريشته ويجعل التاء المربوطة كبيرة ملفوفة بعذوبة خطوطه. أشعر بذنب عظيم أنى ظللت نهبا لرغبة في الإتصال به والتواصل معه.. دون أن أحرك ساكنا. أتصفح أرقام التليفونات.. يظهر رقمه.. أهم بالاتصال. أتراجع. لا أعرف. هل هو الشجن المقترن بإجراء المكالمة. هل هو العتاب على البعاد. هل هو العزوف عن إسترجاع قطعة حية من عمرك إرتبطت بالبدايات، في روزاليوسف بحلوها ومراراتها.. 

 

 

كان جمعة الجزء الحلو الطيب السمح الذي أحسن استقبالي وأنا بعد شاب صغير لم يبلغ التاسعة والعشرين داخل بأفكارى الليبرالية علي عرين اليسار المصرى.. إستقلت من كلية الإعلام جامعة القاهرة، معيدا بها، بعد ثلاث سنوات من الكتابة في روزاليوسف.. قدمت أحدث وأعقد الكتب الأمريكية في السياسة وفي المستقبليات.. نشرت حلقات.. لشهور.. فلما رآني عم عدلي فهيم، وجمعة، وعادل حمودة، وشفيق أحمد علي وعاصم حنفي وهم النجوم وقتها.. دهشوا.. ظنوا إني رجل كهل !

 

أثناء عملي سكرتيرا للتحرير، وكان الراحل الأستاذ عبد العزيز خميس رئيسا للتحرير، إقتربت من كشك جمعة.. كشك خشبي صغير في الممر ما بين مكتب عم عدلي فهيم المشرف الفنى المبدع والقسم الفنى، التنفيذ والجمع والتصحيح والخط، والناحية الأخرى حيث مكتب رئيس التحرير وصالة التحرير الصغيرة نسبيا، ثم غرفة كانت لعادل حمودة.. نفطر فيها سويا.. عادل وجمعة ومجدي مهنا ونبيل عمر.. وعم عدلي.. ثنائيات أو ثلاثيات.. بمن حضر.. وسندوتشات الفول والطعمية والبتنجان.. الله يرحمك يا عم عبد الراضي..

جمعة وريشة المبدع

 

في كشك جمعة رأيت ريشة المبدع وهويضع الفكرة.. ويعرضها علي أصحابه، وبخاصة عادل حمودة، ويذهب للموافقة عليها من الأستاذ خميس، ومن بعده الأستاذ محمود التهامي. كانت أفكاره عالمية وريشته سلسة ومنسابة بلا تعقيدات، وكانت شخوصه النسائية مربربة.. إأذا تعلق الرسم بتحقيق اجتماعي.. له أسلوبه الخاص في التخيل وفي الرسم وفي الجرأة. 

 

جمعة فرحات من أعمدة الكاريكاتير في مدرسة روزاليوسف العملاقة، وهو جزء حي لا يموت من تاريخها في المعارضة الوطنية، عارض بلا تزايد ولا متاجرة ولا فجاجة يسارية، ولم أشعر قط في التعامل معه بأنه مصنف مذهبيا، بل كان وطنيا سمح العقل والقلب.. الذي تحمل جراحة مفتوحة قبل أكثر من ثلاثين عاما.. جمعة فرحات مبتسم طول الوقت. أنيق طول الوقت. قنوع طول الوقت. كريم طول الوقت. 

 

تعلمت من جمعة فرحات فن التعامل في وسط يساري بالجملة، إستقبلنى بتوجس، وبحياد.. ثم احتضنوني جميعا وصرنا أبناء بررة لأم طاردة بطبعها لمن كبر وتنجم! تستقبلهم صغارا موهوبين.. ثم تلفظهم إلى عروش المهنة في كل المؤسسات.. نجوما.. في التفكير وفي التعبير وفي الكلام. لست من جيل جمعة فرحات.. لكن حبات المسبحة شرعت في الانفراط.. والأعمار بيد الله.. فكلنا سنلقى وجه رب كريم، يعاملنا بإحسانه، لا بعدله.. والإ هلكنا.

 

الوداع يا صاحبي.. جمعت بيننا صفحات روزليوسف والميدان والعالم اليوم ونهضة مصر.. ثم بعدت بيننا المسافات والأزمنة، لكن نبض الصور في الذاكرة لا يزال حيا.. بك ومعك. سامحنى أن أرجأت الاتصال والتواصل ..

نصيحتى آلا تتكاسلوا ولا ترجئوا المودة..

إنى أتألم إذ فعلت.. ولا ينفع الندم. أين الأصدقاء والأحباب.. أسنقرأ نعي بعضنا البعض؟

الجريدة الرسمية