رئيس التحرير
عصام كامل

بطل الحكاية

شغفي بالقصص الإنسانية، وثقتي أن وراءها عالم غامض، يستحق الغوص في أغواره واكتشافه، كان السبب وراء اختياري لذوي القدرات الخاصة.. ولإيماني أن بعض الحكايات يجب أن تروى على لسان أصحابها، فهم الأحق بأوجاعهم وأفراحهم، والأصدق فى نقلها والأكثر تعبيرا عنها. فكان سبب حواري مع جينا جميل وهى أم لشاب مصاب بالتوحد، سردت فيه بكل دقة تجربتها ولماذا لم تكتمل فرحتها. 

فقد رزقت ابنا قدر له أن يعيش حبيس الكلمات، لم تسعفه الحروف أو الكلمات، ولكنها لم تمنعه عن التواصل مع البشر بقلبه، ومع أمه بعينيه. استعدت لرحلتها وكان زادها قراءتها، تواصلت مع أطباء نفسيين متخصصين في حالته، علمت أنه اضطراب ليس مرضا له أسباب جينية أو حتى مظاهر واختلافات شكلية، وخضع ابنها لاختبارات معروفة ومحددة، وتأكدت بذلك إصابته. لم يقدر عليها اليأس ولم يوقفها حزن، بحثت عن دور متخصصة لرعايته واكتشاف مهاراته وقدراته، وتيقنت من يومها أنه لا مفر من تغيير حياتها.

معاناة مستمرة

وكانت البداية مكان عملها، فتطوعت للعمل فى الدار التى اختارتها لرعاية ابنها، كى يطمئن قلبها، وتتعايش مع وضعها. "انصهرت في عالمه" على حد قولها، وهى عبارة تحمل فى طياتها الرضا والمزج بينهما بشكل يصعب معرفة سببه أو حتى فصله، مرت سنين وهى ترى ابنها وتتابعه بل وتقدم المساعدة لغيره، فقلبها لم يعد له وحده، بل يسع كل من ينتمى للمكان باختلاف أعمارهم وحالاتهم.

لم يكن التوحد كل أزمتها أو نهاية قصتها، فما أن أتم إبنها العاشرة حتى أصيب بنوبات صرع وتعقدت المشكلة، فبعدما اعتادت بنظرة أن تفهم احتياجاته، أعجزها صراخه وآلامه. أيقنت بعدها بنفس مطمئنة وراضية، إنها خلقت له، وإن الله قد اختارها لتكون خير رفيق في رحلته، والسند والأمان في اختباره. 

ولكن أصبت بصدمة في نهاية حواري معها، فعند سؤالي عن أمنيتها، فأجابت أدعو كل يوم  "أن يتوفى الله ابني قبلي"، سالت دموعها وكدت أسمع دقات قلبها، وهي تردد مسرعة، لمن سأتركه بعدي؟ من يتحمله ويرعاه مثلي؟

 لم تستمر مفاجئتي ولم أطل النظر إليها أو ألومها، فأنا أثق جيدا بأنها تطمئن عليه يوميا بقلبها قبل عينها، وإن ما قالته ما هو إلا عتاب للمجتمع، ورجاء ألا يزيد معاناتهم وأن يرضى بهم كما رضوا هم بقضاء ربهم.

داعبت تفاصيل حكايتها قلبي وأثرت وجداني، فقد وجدت فيها كل التناقضات النفسية البشرية وبنفس القوة، تارة يجذبك العزيمة والإصرار، وتارة تستسلم للضعف والخوف. 

أما بطل الحكاية؟ يصعب عليك الرد، فالأبطال هنا تتجاور أسماؤهم وتترابط أدوارهم، وتمتزج أوجاعهم وتتكامل نجاحاتهم، سيراهم فقط من لديه من البصيرة والحكمة أن يعلم المعنى الحقيقى للحكاية.

الجريدة الرسمية