رئيس التحرير
عصام كامل

رغيف الغلابة

لا يختلف اثنان على أن تصريحات الرئيس السيسي حول رفع سعر رغيف الخبز المدعم، ومقارنة سعره بثمن السيجارة قد خلق كثيرا من الجدل فى الشارع المصري، حيث انحاز البعض لتصريحات الرئيس السيسي من منطلق أن سعر الرغيف أصبح لا يتناسب والسعر العالمي المرتفع للقمح، في حين رأى البعض أن المقارنة لم تكن في محلها، وأن المساس بسعر رغيف الخبز يمس صلب حياة الملايين من الأسر الفقيرة في مصر. ولأنني لست بصدد الدفاع عن الرئيس السيسي، أو الانحياز لرأى من يرون في القرار جورا على الكادحين الذين يعتمدون على الخبز المدعم كأسس في طعامهم اليومي، فلا مفر هنا من استخدام لغة الأرقام التي لا تكذب أو تنحاز.

فالواقع على الأرض يقول، إن سعر رغيف الخبز المدعم ثابت ولم يتحرك عن سعر الـ 5 قروش منذ عام 1988 أي منذ 33 عاما، في الوقت ارتفع فيه سعر طن القمح عالميا خلال تلك الفترة بنحو يقارب الـ 1000% وهو ما جعل فاتورة دعم الخبر ترتفع إلى ما يقرب من 45 مليار جنيه في العام المالي الماضي، وسط توقعات بارتفاعها في العام المالي الحالي، بعد أن قدرت الحكومة سعر طن القمح فيه بـ 199.5 دولارا، في حين قاربت الأسعار العالمية من حاجز الـ 300 دولارا للطن. 

أرقام وبيانات

وتقول لغة الأرقام أيضا، إن جوال الدقيق زنة 100 كيلو جرام ينتج 1450 رغيف مدعم، أي أن طن الدقيق ينتج 14500 رغيفا، يباع للمواطنين داخل الدعم بسعر 725 جنيها، فى حين أن سعره قمحا قبل الشحن والطحن والنقل والعمالة يزيد عن الـ 4500 جنيها، أي أن الدولة التي تنتج ما يزيد عن الـ 250 مليون رغيفا مدعما يوميا تدعم كل طن دقيق بمبلغ 3275 جنيها قبل إضافة تكلفة الإنتاج الأخرى.

وبنظرة بسيطة على بيانات العام المالى الماضي، نجد أن الحكومة قد قدمت دعما تموينيا كليا للمواطنين يزيد عن الـ 84 مليار جنيها، خصصت منه ما يقرب من الـ 45 مليار جنيه لدعم الخبز الذي تقول الأرقام السابقة إنه يتم دعم الرغيف الواحد منه بما يزيد عن الـ 60 قرشا، ويقدم يوميا لنحو 67 مليون مواطن، بمعدل 5 أرغفة لكل مواطن، وبإجمالي إنتاج يتراوح بين 250 و275 مليون رغيف مدعم كل صباح.

فى حين تقول لغة الارقام أيضا، أن سعر علبة السجائر التي تحتوي على 20 سيجارة يتراوح في مصر الآن بين 20 و50 جنيها، أي أن سعر السيجارة الواحدة يتراوح بين 1 و2.5 جنيه، أى أن سعر أرخص علبة سجائر فى مصر يعادل ثمن 400 رغيفا مدعما، بل ويتدرج حسب نوع السجائر ليعادل ثمن 1000 رغيفا، في دولة تعد الأولى فى قائمة الدول المستوردة للقمح فى العالم.

بيانات الشرقية للدخان

وتقول بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، أن إجمالي عدد المدخنين في مصر يصل إلى 18 مليون مدخن، أي ما يعادل 17،7% من عدد السكان، وأن نحو 41،3% من الأسر المصرية يوجد بها مدخن أو أكثر، ينفق الفرد منهم على التدخين سنويا ما يزيد عن ال 6300 جنيها، أى أكثر من 20 ضعف مما ينفقه على الخبز المدعم سنويا.

فى حين تقول البيانات الصادرة عن الشركة الشرقية للدخان، أن معدلات المدخنين فى مصر فى تزايد بشكل كبير، لدرجة أن المصريين استهلكوا خلال الفترة من يوليو 2020 وحتى أبريل 2021 نحو 51 مليار سيجارة، بنسبة تزيد 4 مليارات سيجارة عن نفس ذات الـ 9 أشهر من العام الماضي، هذا بالطبع بخلاف مليارات السجائر المهربة التي تم استهلاكها في مصر خلال تلك الفترة، ولم تشملها بيانات الشركة، التي تؤكد أن المصريين يستهلكون سنويا ما يزيد عن الـ 70 مليار سيجارة.

دعم نقدى

وعلى الرغم من أن هذه هي لغة الأرقام التي لاتكذب أو تنحاز، والتي سأترك للقارئ حرية الفصل فيها، إلا أنه كان بإمكان الحكومة الإبتعاد عن كل هذا اللغط، وإراحة نفسها والمواطن معا، بالأقدام بشجاعة على إلغاء منظومة الدعم بشكل كلى، واختصارها فى صورة دعم نقدي يقدم شهريا للأسرة طبقا لعدد أفرادها.

على أن يتم دعم الفرد الواحد نقديا عن الخبز بـ 90 جنيها شهريا، أي ما يوازي قيمة الدعم العيني الذي توجهه له شهريا في الخبز المدعم، وبالتالي منح المواطن حرية الحصول على الخبز من المكان الذي يختاره وخلق منافسة بين المخابز لتقديم رغيف خبز أكثر جودة بدلا من المنتج الردئ بالمخابز المدعمة، وتجنيب الحكومة أعباء تلاعب الموردين بالقمح، والتبخير، والتعبئة، والتخزين، والنقل، وفساد كثير من المطاحن وأصحاب المخابز، والقضاء على طابور طويل من الفساد والفاسدين.

وهو ما يمكن تطبيقة أيضا على منظومة دعم السلع التموينية، وتقديمه الدعم بشكل نقدى يتيح للأسرة حرية اختيار المنتج الجيد، بعيدا عن تلاعب التجار، وفرض سلع رديئة بأسعار مرتفعة، والابتعاد بالحكومة عن شبهة الحصول على عمولات، أو توريد سلع منخفضة الجودة لمستحقي الدعم.

يقينى أن تقديم الدعم النقدى سيريح المواطن والحكومة معا، وسيقضي على منظومة لا تخلو من التلاعب والسرقات والعمولات، وسيخلق منافسة بين المخابز والمصانع والتجار لتقديم المنتج الأفضل، ويتيح للمواطن حرية اختيار السلع الجيدة بسعر منخفض دون التعريض لضغط أو إجبار.. وكفى.

الجريدة الرسمية