رئيس التحرير
عصام كامل

"فقه الفيروسات".. ودور الأزهر الشريف

لجأ الإمام الشافعي إلى تغيير مذهبه الفقهي عقب انتقاله مكانيا من العراق إلى مصر، هذا التغيير كانت له أسباب منهجية وفقهية، فضلا عن الظروف التى من أجلها تتغير الأحكام بتغير الزمان والمكان. هذا يثبت أن القواعد الفقهية، بعيدا عن الثوابت، يمكن أن تتغير وتتبدل تبعا للظروف والأحوال الجغرافية والتاريخية والاجتماعية والاقتصادية والتعليمية والعلمية والصحية وغير ذلك.


بالطبع، ليس لكائن من كان أن يدعو لتغيير نسب الزكاة، مثلا.. فما يتغير هو القيمة.. ولا أن يدعو إلى تغيير عدد ركعات الصلاة، أو مواقيتها.. وهكذا.. فهناك قواعد ثابتة. المشكلة كلها في تحديد تلك الثوابت، فكثيرون من المتشددين يلجأون إلى توسيع نطاق الثوابت، ويرفضون مجرد التفكير في إحداث أي تغيير أو تخفيف فيها!

فتاوى حديثة
أتصور أن على مشيخة الأزهر الشريف باعتبارها رأس المؤسسة الدينية في العالم، أن تجهز لمؤتمر عالمي ضخم، كل فترة، سنة مثلا، لبحث شئون الشريعة الإسلامية، وما يمكن التفكير في تغييره إذا اقتضت الظروف. هذا المؤتمر يحضره علماء الدين من مختلف البلدان، مضافا إليهم علماء في الطب والكيمياء وسائر العلوم.. ويجب أن يتناقش الجميع في مختلف الأمور المؤثرة على الإنسان في حياته اليومية، وتتعلق بالشريعة والفقه.

على سبيل المثال، على المؤتمر أن يحدد عقوبة الشخص الذي يعلم بإصابته بفيروس "كورونا"، ويتعمد ممارسة شئون حياته بشكل عادي.. يخرج للسوق، والسوبر ماركت، وإلى عمله، دون أن يخبر أحدا، أو أن يقوم بعزل نفسه! وعلى المؤتمرين، أيضا، أن يقولوا لنا رأي الدين فيمن يلتزم بالإجراءات الاحترازية أمام رجال السلطة التنفيذية، فإذا أيقن أنه بعيد عن أعين رجال الأمن، أو مسئولي الصحة خلع الكمامة، وتخلى عن اشتراطات التباعد الاجتماعي!

يجب على الباحثين، من حضور المؤتمر، أن يعلنوا فتاويهم حول من يشككون في نتائج اللقاحات الخاصة بفيروس كورونا! شكك بعض العلماء في قتلى العمليات الاستشهادية، وضحايا الهجرة غير المشروعة، ومن ثم علينا التأكيد على أن ضحايا "كورونا" من الأطباء، والأطقم الصحية، من الشهداء.

الاستفادة من الجائحة في التكسب غير المشروع.. تفريط بعض الناس في واجباتهم نحو توعية أفراد أسرهم بالوقاية من العدوى.. تخلي رب الأسرة عن واجباته تجاه زوجته وأبنائه، والتقتير عليهم بحيث يتسبب في تعريضهم للإصابة.. وما إلى ذلك! طلب الزوجة الطلاق عندما تعلم بإصابة زوجها بـ "كوفيد 19"، أو اللجوء لطلب الخلع.. أو تعمدها إصابته للتخلص منه!

قواعد لفقه الفيروسات
ما سبق طبعا، حالات افتراضية، قابلة للحدوث في أي مجتمع، وكفانا تقصيرا في الاجتهاد في تجديد الفقه. علينا أن ننتهز الفرصة لتعويض خطايا الماضي. أذكر أنني حضرت عددا من الفعاليات حول مرض نقص المناعة المكتسبة "الإيدز".. وكان من بين الحضور أحد رجال الدين المستنيرين، والذي وضع مؤلفات وأجرى أبحاثا حول ذلك المرض من منظور إسلامي..

فمثلا يتعامل الجميع، مسلمين وغير مسلمين مع مريض الإيدز على أنه "قنبلة" على وشك الانفجار في أية لحظة.. وينظرون له باعتباره خاطئا، ومجرما، و"شاذا"، رغم أن أسباب الإصابة يأتي على رأسها نقل الدم.. وحدث منذ سنوات أن أصيب العشرات أثناء عمليات الغسيل الكلوي بأحد أعرق مستشفيات القاهرة!

من هنا أحسن ذلك العالم بوضع قواعد فقهية وسلوكية للتعامل مع الإيدز والمصابين به. لماذا لا يقدم الأزهر الشريف، وشيخه المجدد والعالم الكبير الدكتور أحمد الطيب، على هذه الخطوة الرائعة التي ستنقل الشريعة والفقه، في شقيه؛ العبادات والمعاملات، إلى مواكبة العصر، ومجاراة القرن الواحد والعشرين؟ فهل ننجح في وضع أسس وأطر فقه "فيروس كورونا"، أو فقه الفيروسات"، لاسيما أنه من الواضح أن هناك فيروسات أشد وطأة في الطريق؟!
الجريدة الرسمية