رئيس التحرير
عصام كامل

سيناريوهات «الحرب الباردة» بين العواصم الثلاث.. «واشنطن» تخطط لـ«تقليم أظافر بكين» و«إضعاف موسكو».. و«بايدن» يخشى سيناريو قطع شريان التجارة

شعاري الصين وامريكا
شعاري الصين وامريكا
«تصريحات عدائية ضد روسيا».. «خطوات استفزازية ومناورات عسكرية بالقرب من مناطق النفوذ الصيني».. إستراتيجية جديدة تحاول الإدارة الأمريكية بقيادة جو بايدن، فرضها على الواقع العالمي.


اتهامات واشنطن

فـ«واشنطن» اتهمت «بكين» بأنها تهدد الاستقرار العالمي، و«بايدن» خرج ليهدد رأس النظام في «موسكو» الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي يحاول امتصاص الغضب الأمريكي بتصريحات دبلوماسية ومبادرة لـ«الاتصال الهاتفي» وتهدئة الأجواء الملتهبة.

غير أن الرجل الأول في البيت الأبيض لا يزال يسير في طريق يرى خبراء أنه نفس الطريق الذي كانت نهايته الحرب الباردة التي اشتعلت بين «العواصم الثلاث». 

الجزر الصناعية

«الجزر الصناعية».. الخطر الصيني الذي رأت الإدارة الأمريكية بقيادة «بايدن» ضرورة الرد عليه بقوة، عن طريق وضعها ضمن الأهداف العسكرية الرئيسية للولايات المتحدة الأمريكية خلال العقود المقبلة، لا سيما وأنها شعرت بالقلق من السرعة التى بنت الصين بها العديد من الجزر الصناعية فى بحر الصين الجنوبى.

فضلاً عن تجهيزها بالأسلحة المتقدمة لضمان السيطرة عليها مما يضر بالمصالح الأمريكية ومصالح حلفاء واشنطن الإقليميين كاليابان وكوريا الجنوبية، وهذا يعد تحد واضح للقوانين الدولية، وفقاً للائحة إتهام واشنطن لبكين فى هذا الصدد. 





وفي هذا السياق أوضحت الدكتورة نادية حلمي، الخبيرة فى الشئون السياسية الصينية والآسيوية، أستاذ العلوم السياسية جامعة بنى سويف،  أن «خطورة سيطرة الصين على معظم المساحة والجزر الاصطناعية فى بحر الصين الجنوبى، تكمن في حجم التجارة الذى يمر فى هذه المنطقة، والذى يصل إلى 5.3 تريليون دولار سنوياً».

مشيرة إلى أن «هذه التحركات الصينية تثير غضبا وقلقا كبيرا فى واشنطن، حيث إن الإدارة الأمريكية الجديدة، تعتبر  الممارسات الصينية فى بحر الصين الجنوبى ترقى إلى محاولات بكين لامتلاك القدرة على قطع شريان التجارة العالمية الرئيسى الذى يمر عبر تلك المنطقة فى بحر الصين الجنوبى».

وأضافت: الولايات المتحدة الأمريكية تقرأ التحركات الصينية الإقتصادية بتوجس شديد، خصوصاً أن حراك بكين الإقتصادى قد نما وتطور بإطراد، رغم كل تلك الأزمات الإقتصادية العالمية، ما يشكل خطراً حقيقياً يهدد المصالح والنفوذ الأمريكى فى العالم، ومن هنا، تنبهت إدارات واشنطن المتعاقبة على نمو الاقتصاد الصينى منذ وقت مبكر.

لكن اتخاذ خطوات عملية لتأخير عملية نموه وإبطائها لم تكن إلا خلال ولاية الرئيس دونالد ترامب، إذ فرضت رسوم جمركية تبلغ 50 مليار دولار أمريكى على السلع الصينية، بموجب المادة 301 من قانون التجارة الأمريكية لعام 1974 المتعلق بالممارسات التجارية غير العادلة وسرقات الملكية الفكرية.

التخوفات الأمريكية

وتابعت: زادت التخوفات الأمريكية من الصين، خاصة بعد نقل العديد من الشركات الأمريكية إنتاجها إلى الصين للتمتع بميزة انخفاض تكلفة العمالة هناك، غير أنه كان على هذه الشركات دفع ثمن باهظ نظير الانتقال للصين، فانتقال الشركات الأمريكية إلى الصين، ترتب عليه نقل التكنولوجيا الأمريكية معهم أيضاً، ونقل حقوق ملكيتهم الفكرية أيضاً للسوق الصينى، وفقاً لاتهام واشنطن لبكين.

حتى الشركات الأمريكية التى لم تنتقل للصين، اتهمتها واشنطن بأنها منحت الصينين فرصة التسلل لأسرارها التجارية، لذا وضعت وكالات إنفاذ القانون فى الولايات المتحدة قائمة طويلة من الاتهامات ضد أفراد صينيين وشركات للتجسس والقرصنة الإلكترونية، حيث نجد الآن أمام الكونجرس الأمريكى أكثر من 1000 تحقيق على الأقل من التحقيقات التى أجريت مؤخراً حول سرقات فكرية من مؤسسات أمريكية تشير بإصبع الإتهام إلى الصين.

وكشفت «د.نادية» أن وزارة الدفاع الأمريكية «البنتاجون» قادت خطة الحرب لكسر نفوذ الصين، وذلك عبر تشكيل فريق لصياغة إستراتيجية جديدة للتعامل مع صعود الصين ونفوذها، وحتى جنرالات الجيش الأمريكى أنفسهم أكدوا خطورة صعود الصين على مصالح الولايات المتحدة الأمريكية، وكتاب الجنرال الأمريكى المتقاعد روبرت سبالدينج، «حرب السرية: كيف سيطرت الصين، بينما النخبة الأمريكية نائمة»، يعد واحداً من أبرز الكتب التى ظهرت فى واشنطن خلال الفترة الأخيرة.




ولدى سؤاله عن التهديد الذى تمثله الصين للمصالح الأمريكية،وصفه الجنرال سبالدينج، بأنه «أكبر تهديد وجودى منذ الحزب النازى فى الحرب العالمية الثانية»، كما وجهت وزارة الدفاع الأمريكية فى واشنطن اتهامات لبكين، فبوصفها القوة الاقتصادية الثانية فى العالم، اتهمتها الولايات المتحدة الأمريكية، صراحةً بأنها تمتلك القدرة على الوصول للحكومات والمؤسسات فى الغرب بدرجة تتجاوز ما كان عليه السوفييت بكثير، خاصةً مع تشييد الصين وبنائها جزراً صناعية فى بحر الصين الجنوبى تهدد مصالح واشنطن وحلفائها الإقليميين فى منطقة شرق آسيا والمحيط الهادئ كاليابان، وكوريا الجنوبية.

وأكملت: تبلور عمل وزارة الدفاع الأمريكية فى صياغة إستراتيجية الأمن القومى الأمريكى الجديدة، التى نشرت فى ديسمبر عام 2017، واعتبرت  الوثيقة الرئيسية فى الحكومة الأمريكية التى يجب أن تسترشد بها كل الوزارات، فكانت تلك الوثيقة بمثابة تحول عميق تجاه الصين.

التنين الصيني

وعلى الجانب الصينى، فقد شهدت السنوات الأخيرة تحولاً سلبياً واضحاً فى المواقف الصينية نحو الولايات المتحدة، ومن المهم إدراك أن هذا التحول تواكب مع وصول الرئيس السابق دونالد ترامب للبيت الأبيض.

وهنا نجد أن الحوار السياسى الدائر حالياً بين واشنطن وبكين فى ولاية ألاسكا الأمريكية بين وزير خارجية الصين وانج يى والمسئول الصينى البارز يانج جيتشى مع نظرائهم فى واشنطن، ليس هدفه التغلب على الصين، بل البحث عن أفضل السبل لتحقيق ذلك، مع الأخذ فى الاعتبار أن  أغلب الديمقراطيين فى إدارة الرئيس الأمريكى الجديد جو بايدن، يفضلون التعاون مع الحلفاء كاليابان وكوريا الجنوبية لتطويق واحتواء النفوذ والتغلغل الصينى.

«د.نادية» أشارت أيضا إلى أنه «تدور أبرز ملامح الخلافات بين أكبر اقتصادين فى العالم واشنطن وبكين كما فهمنا، حول قضايا  التنافس التجارى والتكنولوجى والأمنى وحقوق الإنسان وفيروس كورونا الذى ظهر لأول مرة فى الصين.

وتتهم واشنطن الصين بالتسبب فيه، وضرورة دفع تعويضات لضحاياه فى أمريكا، وهو ما ترفضه الصين بشدة. ونجد أن الصراع الحالى بين الولايات المتحدة الأمريكية ضد الصين تتحالف فيه أطراف أخرى دولية وإقليمية، فهناك من يحاول إذكاء‭‭‭ ‬‬‬الفصل الاقتصادى الأمريكى الصينى، والتحريض على مواجهة أيديولوجية بين قيم ليبرالية ديمقراطية تمثلها واشنطن، وقيم شيوعية تقودها الصين، الأمر الذى ينذر بحرب باردة جديدة بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين.

عصر التحالفات

وأكملت: وفى مواجهة التحالف الثلاثى الأمريكى اليابانى الكورى الجنوبى، هناك تحالف ثنائى صينى كورى شمالى بين الزعيم الكورى الشمالى «كيم جونج أون» مع نظيره الرئيس الصينى «شى جين بينج»، عبر تأكيد كيم خلال لقائه مع أعضاء حزب العمال الحاكم فى البلاد عن دعم كوريا الشمالية (الذى لا يتغير) للصين فى رسالة موجهة منه إلى الزعيم الصينى.

مع تشديد الرئيس الكورى الشمالى فى رسالته على أنه هو والحزب الحاكم وشعب جمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية بالكامل سيواصلون دعم الرئيس الصينى والحزب الشيوعى الصينى والشعب الصينى فى النضال من أجل تحقيق الهدف المشترك للدفاع عن الاشتراكية وتمجيدها.

وتبقى أبرز السيناريوهات التى يمكن أن تنتهجها الولايات المتحدة ضد كوريا الشمالية هى الدفع نحو تقويض النظام الحالى، أو السعى إلى تغيير النظام الكورى الشمالى، أو تسريع توحيد شبه الجزيرة الكورية، أو تحريك قوات شمال المنطقة المنزوعة السلاح.

وهنا نجد أن زعيم كوريا الشمالية كيم جونج أون، ومسئولى كوريا الشمالية لم يظهروا أى مؤشر حول رغبتهم أو استعدادهم لإجراء أى حوار مع الإدارة الأمريكية الجديدة بقيادة جو بايدن، بخصوص نزع السلاح النووى.

وفيما يتعلق بالاختلاف بين الرؤيتين الأمريكية والصينية تجاه ملف كوريا الشمالية النووى، قالت «د.نادية»:  نجد هنا أن التباين بين الطرفين الصينى والأمريكى مستمر، فالدبلوماسية الصينية لا تزال تطالب بحل سلمى لأزمة كوريا الشمالية، وترفض بكين الحرب الكلامية الصادرة من واشنطن تجاه الزعيم الكورى الشمالى كيم جونج أون.

وتحاول بكين أن تواصل جهودها فى الوقت ذاته من أجل الدفاع عن مبدأ الوقف المتزامن للتجارب البالستية والنووية لبيونغ يانغ، وللمناورات العسكرية الأمريكية الكورية الجنوبية، لكن واشنطن لا تزال ترفض هذا الحل، وترفض الصين أيضاً أى تدخل أمريكى محتمل فى شبه الجزيرة الكورية المحاذية لحدودها، حتى لا يهدد ذلك أمنها القومى، فى حين لا يستبعد أحد فى واشنطن إمكانية استخدام أو اللجوء إلى الخيار العسكرى فى مواجهة كوريا الشمالية، وصولاً إلى تهديد نظام كيم جونج أون بـ «الدمار الكامل».

كوريا الشمالية

كما شددت على أن أهم تقرير كتبته صحيفة «جلوبل تايمز الصينية الرسمية» فى افتتاحية لها العام الماضى، جاء فيه «يبدو أن المجتمع الدولي يتوجه فيما يخص نزع السلاح النووى من شبه الجزيرة الكورية إلى سحق كوريا الشمالية بالكامل أو التفاوض معها لتشعر بأنها فى أمان أكبر.

وهنا فإن الصين وروسيا تفضلان الخيار الأخير»، ومن الناحية السياسية، تسعى كوريا الشمالية إلى تعزيز قوتها التفاوضية مع الولايات المتحدة من خلال التعاون مع حليفتها الصين، وعلى الصعيد الاقتصادى، تجد كوريا الشمالية أيضاً أنه من الضرورى الحفاظ على علاقات ودية مع الصين بسبب ظروفها الاقتصادية المتدهورة نتيجة لتدهور أوضاعها الاقتصادية مع إغلاق الحدود بسبب جائحة كورونا، فضلاً عن العقوبات الاقتصادية الأمريكية والأممية ضدها بسبب انتهاكاتها العسكرية والنووية وتهديدها للسلم والأمن الدولى.

واستأنفت الصين بالفعل الآن جزءاً من تجارتها الحدودية مؤخراً مع كوريا الشمالية، لكن اعتماد كوريا الشمالية الإقتصادى على الصين أصبح أثقل عن ذى قبل. ومن خلال إعراب كوريا الشمالية عن دعمها الكامل لبكين، فإن بيونغ يانغ تضغط أيضاً على كوريا الجنوبية بوصفها حليفة لعدوتها اللدود واشنطن. 

من جهته قال أشرف كمال، مدير المركز المصري الروسي للدراسات:  هناك خلل في قمة العالم، بينما تسعى أغلب الدول نحو التعاون الدولي وتفعيل دور الأمم المتحدة في إدارة الازمات الدولية، تأتي الولايات المتحدة بعقيدة مختلفة مفادها أنه يجب على الولايات المتحدة الحفاظ على التفوق العسكري والاقتصادي والحد من ممارسة اي دولة تعرقل النفوذ الأمريكي.

ويمكن القول هنا إن إدارة «بايدن» لم تأت بجديد فيما يتعلق بأسس العلاقات مع الكرملين، منطق المواجهة يسيطر على مجمل إستراتيجية الولايات المتحدة، ومن غير المتوقع أن تتخلى عنه، وهذا ما أكدت عليه اختيارات مساعدي بايدن وتصريحاتهم ورؤيتهم للعلاقات مع موسكو، وأن السياسات العدائية لواشنطن تجاه موسكو لم تعد خافية.

فالإدارات الأمريكية المتلاحقة اعتمدت في صياغة إستراتيجية العلاقات مع روسيا على  مبدأ «لا مصلحة في الحوار مع روسيا، وإدارة العلاقات مع موسكو يتعين أن تسير في إطار من الإجراءات الصارمة وممارسة الضغط على الاقتصاد الروسي، وتقييد الاستفادة من التطور التكنولوجي في كافة المجالات» بمعنى آخر «إضعاف روسيا بوتين»عن طريق عرقلة فرص التنمية.

وتابع: الخطاب السياسي لإدارة بايدن غير مريح، ومؤشر يقود الى مواجهة سياسية صعبة ومعقدة مع موسكو وافشال كافة محاولات بناء الثقة والحوار، في ظل رؤية أمريكية متشددة تعوظ بالمجتمع الدولي إلى ظلال أجواء الحرب الباردة ودفع أوروبا والعالم من جديد إلى الاستقطاب والمواجهة.

كما ان إدارة العلاقات الخارجية لروسيا ما بعد الاتحاد السوفييتي، تعتمد على الحوار والتعاون والشراكة والاحترام والمنفعة المتبادلة وعدم التدخل في الشئون الداخلیة للدول، ویظل الدفاع عن مصالح الشعب وصیانة الأمن القومي للدولة أولویة حتمیة لإدارة بوتين، وفق المبادئ والتقالید الروسیة.

نقلًا عن العدد الورقي....،
الجريدة الرسمية