رئيس التحرير
عصام كامل

30 سنة أمومة.. رحلة "ماما سماح" في دار الفسطاط للأيتام| فيديو وصور

فيتو
«الأم اللي بتربي مش اللي بتخلف».. مثل شعبي دارج تردده العديد من السيدات في المواقف والمناسبات المختلفة، وهو المثل الذي جاء على لسان الفنانة الراحلة شادية ضمن أحداث فيلمها الشهير «لا تسألني من أنا»، وباتت الكلمة أيقونة تتردد على ألسنة الكثيرين، لكنها في داخل دار الفسطاط للأيتام الذكور في حي العمرانية بالجيزة، تجسدت في صورة السيدة «سماح أبو العلا» مسئولة الدار منذ عام 1990، فهي الأم للصغار والجدة لأبناء الكبار، لذلك استحقت قصة هذه السيدة أن تكون محل حديثنا في إطار الاحتفال بيوم عيد الأم.




الأم سماح : ثلاثين عامًا في الدار ربيت أجيال وزوجتهم وشفت أولادهم

ليست الأم هي من تنجب طفلها بعد حمله في رحمها تسعة أشهر فحسب، فقد ضربت سماح أبو العلا، مديرة ومسئولة دار الفسطاط للأيتام البنين في منطقة العمرانية بمحافظة الجيزة، خير مثال على أن الأم قد تكون تلك السيدة التي تسهر على راحة الأطفال الذي وُضعت مسئوليتهم على كاهلها، خاصة وإن كانوا ذكورًا يبلغ عددهم 24 ولدًا في أعمار متفاوتة يحتاجون إلى الرعاية والرقابة الدائمين، «مسئولية إني أكون مسئولة عن بنين في هذه الأعمار ليست سهلة للغاية، ولكني هنا أمهم مش مديرتهم أنا هنا مش موظفة، كل حاجة هنا بتحصل بحب وود لذلك هما كلهم قريبين مني أنا بقالي معاهم 30 سنة، ومكملة معاهم لحد ما أموت مش هقدر أعيش يوم بعيد عن بيتي الثاني وهو هذه الدار».


بداية «ماما سماح» تسلية  تحولت إلى تعلق وشغف بالمهنة


البداية كانت من خلال إحدى جارات «سماح» في السكن، كانت تعمل كمديرة لأحد دور الأيتام وعرضت عليها العمل معها في الدار، لم تكن «سماح» تتوقع يومًا أن الصدفة ستدفع بها إلى هذا المكان الذي هي به اليوم، وافقت على العرض وعملت في فترة الثانوية العامة في الدار، كمتدربة ومتطوعة في أيام العطلات الرسمية، وبعد أن اجتازت هذه المرحلة قررت الالتحاق بكلية الخدمة الاجتماعية لتوطد صلتها بدار الأيتام.

وفي عام 1995 تخرجت في الجامعة وظلت تعمل في الدار التي كانت مداومة على الذهاب إليها من عام 1990، «شعور جميل جدًا وإنتي شايفة قدامك أجيال بتكبر بتسمعي كلمة ماما منهم كلهم، قد إيه بتكون الكلمة وقعها جميل على الأذن».


«كان الوضع بالنسبة لي في البداية مجرد تسلية وقت الإجازة وتطوع في الجمعية، بدأت هنا كمدرسة للأولاد في المرحلة الإبتدائية، ومع مرور الوقت تعلقت بهم واكتشفت إنه المهنة دي مش مجرد مهنة إدارية فقط، لكنها مسئولية وأمومة صِرفة، حبيت الجمعية وارتبطت بالأولاد»، بعد التخرج عُينت «سماح» في وظيفة مشرف عام داخل دار الفسطاط، ثم تدرجت سريعًا بسبب شغفها وحبها للمهنة وللأطفال، «أنا كنت بشوف المكان ده كيان الأولاد بقوا حتة مني بتكبر قدام عيني، أنا مش مامتهم اللي خلفتهم لكن أنا اللي كبرتهم وشفتهم من وهما سنتين لحد ما فيه منهم اللي اتجوز وخلف وبنتهم بتقولي يا تيتة».


 كانت «سماح» الأجدر بتولي منصب مديرة الدار على دورات متعاقبة، فهي الأم التي إن غابت عن أبنائها قليلًا فتشوا عنها هنا وهناك، حتى أنها في فترة ما تقدمت باستقالتها فاحتج الأطفال وطالبوا بعودتها رة أخرى، فقررت أن تظل معهم حتى مماتها، «الدار دلوقتي فيها 24 ابن في أعمار مختلفة، أنا قررت مش هسيبهم إلا لما أموت فقط».



سماح في الدار «أم ومُعلمة وناصحة أمينة»

 يبدأ يومها في حوالي التاسعة صباحًا، تصعد إلى طوابق الدار للاطمئنان على كل طابق وجماعة الأطفال المتواجدين به، ونظام الدار شقق وليس عنابر ففي كل طابق تتواجد شقة تحوي بين 4 إلى 5 أطفال في أعمار واحدة، تبدأ بالأطفال تحت سن ثلاث سنوات، ثم تعرج إلى الجانب المخصص للأطفال بين 7 حتى 11 عامًا، وهناك تكون المهمة الأصعب لماما سماح.

تدخل عليهم فيهلل الجميع مرددا «ماما سماح جت»، «أنا زي أي أم بكون مسئولة عنهم في كل حاجة دراستهم علاجهم وتربيتهم وتقويم سلوكهم الخاطئ، بكون مسئولة عن إني أطلع شاب نافع نفسه ونافع للمجتمع، زي ابنك اللي في البيت بالظبط»، تسأل عن آخر التطورات في كافة جوانب حياتهم، تراقب سلوكهم خاصة من هم في سن التاسعة فيما فوق، تتابع المذاكرة وعملية تحصيل الدروس، تتناول معهم بعض المُسليات ثم يشاهدون التلفاز معًا.


تتركهم بعد ذلك متجهة إلى شقة «اليافعين» الشباب الذين تخرجوا في الجامعة وتسلموا عملهم وشققهم المنفصلة خارج الدار، ما زالوا يحنون إلى الدار التي بها «ماما سماح»، ينتهون من عملهم ويسارعون إلى الدار للاطمئنان عليها، تجلس معهم تتابعهم وهم يلعبون «بلاي ستيشن«، «الأولاد اللي استقلوا بحياتهم لسه بييجوا ليا هنا يشوفوا طلباتي لو عندي أزمة بيقفوا جنبي، وأنا كمان معاهم لو عايزين يرتبطوا أو يخطبوا بيشوروني، أنا كل حياتهم وهما كل حياتي».
الجريدة الرسمية