رئيس التحرير
عصام كامل

أوصى لبعض أقاربه غير الوارثين بثلث ماله.. هل يُقسم بينهم بالتساوي؟

مجمع البحوث الإسلامية
مجمع البحوث الإسلامية
ورد سؤال إلى لجنة الفتوى بمجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف يقول فيه صاحبه: أوصى لبعض أقاربه غير الوارثين بثلث ماله، فهل يتم تقسيم هذا المال بينهم بالتساوي؟ أم يقسم بينهم على طريقة الميراث للذكر مثل حظ الأنثيين؟، وجاء رد اللجنة كالتالي:


الوصية تمليك مضاف لما بعد الموت، بطريق التبرع سواء كانت ذلك في الأعيان أو في المنافع، وهي مشروعة بالإجماع، وتقدّم على تقسيم التركة؛ لقوله تعالى " مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ " [النساء، من الآية: 12]

وعليه: فإنه إن كان الحال كما ورد بالسؤال؛ فإنهم يستحقون -بوفاة الموصي- هذا المال، بالتساوي بينهم لتساويهم في سبب الاستحقاق ما لم ينص الموصي على غير هذا، ولا يصح القول بأن للذكر مثل حظ الأنثيين؛ فإنه ليس ميراثًا، بل هي وصية، وليس استحقاقًا بطريق التعصيب؛ وقد جاء في فقه الحنفية في كتاب الوصايا، قال الإمام الموصلي: " وَيَسْتَوِي فِيهِ الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى ; لِأَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ بِالْعَقْدِ لَا يَتَفَضَّلُ فِيهِ الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى كَالِاسْتِحْقَاقِ بِالْبَيْعِ" (الاختيار لتعليل المختار (5/ 80)

ومن فقه الشافعية قال إمام الحرمين: " ولو أوصى ليتامى بني فلان، فيستوي في ذلك الذكور والإناث". (نهاية المطلب في دراية المذهب (11/ 323).



كما ورد سؤال إلى لجنة الفتوى بمجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف يقول فيه صاحبه "اشترى مني أحد التجار بعض السلع، وكتب لي شيكات مؤجلة وكمبيالات، ثم امتنع عن السداد، وليس لديه رصيد، فهل يجوز لي حوالة هذا المال لشخص آخر؛ على أن يدفع لي ما هو أقل قيمة الدين عاجلًا، ثم يتولى هو تحصيلها من المدين؟، وجاء رد اللجنة كالتالي: 

إن كان الحال كما ورد بالسؤال، فهذه المعاملة يسميها البعض "حسم الديون"، وهي مما لا يجوز الإقدام عليه؛ إذ قد اشتملت هذه المعاملة على ربا الفضل لعدم التساوي، وربا النسيئة لعدم التقابض في مجلس العقد؛ ومن ثم فهي بيع نقدٍ حاضرٍ بنقدٍ مؤجل من جنسه مع زيادة، وهي معاملة ربوية محرَّمة؛ لقول النبي (صلى الله عليه وسلم) فيما رواه الإمام مسلم من حديث أبى هريرة رضى الله عنه قال "الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ وَزْنًا بِوَزْنٍ ، مِثْلاً بِمِثْلٍ ، وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ وَزْنًا بِوَزْنٍ ، مِثْلاً بِمِثْلٍ ، فَمَنْ زَادَ أَوِ اسْتَزَادَ فَهُوَ رِبًا"، وفي رواية: "وَلاَ تَبِيعُوا مِنْهَا غَائِبًا بِنَاجِزٍ".

كما أنها معاملة تشتمل على الغرر لكون إمكانية الحصول على الدين مجهول العاقبة؛ لما فيه من جهالة القدرة على تحصيل الدين من المدين، وهو مما لا يجوز الإقدام عليه؛ لما رواه مسلم عن أبي هريرة قال: نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ الْحَصَاةِ ، وَعَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ".

قال أبو بكر ابن العربي: بَيع الحَصَاةِ: هو أنّ يُسَاوِم الرَّجلُ الرَّجُلَ وبِيَدِ أحدِهما حصاة، فيقول لصاحبه: إذا سقطتِ الحصاةُ من يدي فقد وجبَ البيعُ بيني وبينَك، وقيل: هي أنّ تكون السّلع منشورة، فيرمي المبتاع حصاة، فأيّ شيءٍ وقعت عليه وجبَ له بها، وأيّ ذلك كان، فهو من الغَرَرِ المنهيّ عنه". المسالك في شرح موطأ مالك (6/ 150).

وقال النووي: وقيل: أن يقول بعتك من هذه الأرض من هنا إلى ما انتهت إليه هذه الحصاة.. وأما النهي عن بيع الغرر فهو أصل عظيم من أصول كتاب البيوع ولهذا قدمه مسلم ويدخل فيه مسائل كثيرة غير منحصرة.." شرح النووي على مسلم (10/ 156).

وعليه: فالواجب عليك مطالبته بحقك، فإن امتنع وأنت تعلم أنه مليء قادر على السداد؛ فعليك مطالبته قضائيًا؛ لقول رسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "لَيُّ الْوَاجِدِ يُحِلُّ عِرْضَهُ وَعُقُوبَتَهُ" قَالَ وَكِيعٌ عِرْضُهُ شِكَايَتُهُ وَعُقُوبَتُهُ حَبْسُهُ. رواه أحمد في مسنده.

أما إذا ظهر أنه معسر فيستحب إنظاره لحين ميسرة؛ لقول رسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " تَلَقَّتِ الْمَلَائِكَةُ رُوحَ رَجُلٍ مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، فَقَالُوا: أَعَمِلْتَ مِنَ الْخَيْرِ شَيْئًا؟ قَالَ: لَا، قَالُوا: تَذَكَّرْ، قَالَ: كُنْتُ أُدَايِنُ النَّاسَ فَآمُرُ فِتْيَانِي أَنْ يُنْظِرُوا الْمُعْسِرَ، وَيَتَجَوَّزُوا عَنِ الْمُوسِرِ، قَالَ: قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: تَجَوَّزُوا عَنْهُ". رواه البخاري ومسلم

وأخرج البخاري ومسلم في صحيحيهما عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: " كان تاجر يداين الناس، فإذا رأى معسرا قال لفتيانه: تجاوزوا عنه، لعل الله أن يتجاوز عنا، فتجاوز الله عنه ".
الجريدة الرسمية