رئيس التحرير
عصام كامل

25 يناير و"رحلة الزمان والمكان".. الدكتور مصطفى الفقي يكشف تفاصيل حوارات "رجال مبارك" وكواليس "الجلسات المغلقة"

حسني مبارك والدكتور
حسني مبارك والدكتور مصطفى الفقي
«الرواية.. رحلة الزمان والمكان»، عنوان اختاره الدكتور مصطفي الفقي، لمذكراته، الصادرة مؤخرا عن الدار المصرية اللبنانية، كاشفًا في الصفحات التي تلت العنوان، العديد والعديد من الأحداث والكواليس التي كانت تجري خلف الأبواب المغلقة.


مزيحًا الستار عن مواقف لم تكن لتخرج إلى العلن، إلا بعدما يتخذ طرف من أطرافها قرار وضعها «في ذمة التاريخ».. و«د.مصطفي» اتخذ هذه المبادرة، متسلحًا بذاكرته القوية، وشهادته المحايدة عن كل ما جري في «مطبخ الحكم».




نظام مبارك والثورة

شهادة يقدمها «د.مصطفى» بحيادية تامة، حيث يروي قائلًا: «دار حوار بيني وبين الدكتور زكريا عزمي كان بمثابة مؤشر للسنوات العشر الأخيرة فى عصر الرئيس مبارك، والذى جاء على هامش عزاء المرحوم مصطفى السلاب، حيث قابلت صفوت الشريف والدكتور كمال الجنزوري، فبادرني زكريا عزمي بالسؤال: من الذى سيترشح فى الانتخابات الرئاسية القادمة؟.. فابتسمت قائلا : «يتحدث البعض أنه أيضا وكالعادة الرئيس مبارك».. قال لي: « ليس بالضرورة.. هناك تطورات جديدة ويبدو أن الابن قد يكون هو المرشح».

وأضاف: ورغم أن زكريا عزمي كان من الصامتين الذين لا يتكلمون كثيرا ، وكنت دائما أخبره أن علاقتي به طيبة ليس طلبا لمنفعة، ولكن أيضا منعا لضرر، لكن للحقيقة كان فى حديثة شخصية ودودة إلى أبعد مدى ، لذلك كنت أتحدث معه كثيرا وأستمع إلى نقده، لتصرفات وأفعال المجموعة الجديدة التى ستغرق البلد على حد تعبيره.

وعن الأيام التي سبقت ثورة 25 يناير 2011، قال «د.مصطفي»: فى الفترة القليلة التى سبقت أحداث 25 يناير 2011، وبعد أن سبقتنا دولة تونس وقتها، قال معظمنا إن مبارك ليس بن على وإن مصر ليست تونس، لكن يبدو أن الحسابات أحيانا لا تكون دقيقة، ويشوبها قدر كبير من الخطأ.. حيث كنا نتوهم أن مبارك يملك قبضة أمنية قوية ويستطيع تخطى المشكلة ولكن يبدو أننا كنا واهمين.




كان النظام قد وصل إلى مرحلة من العجز وافتقد لمستشارين لديهم القدرة على التحليل وقراءة المشهد بشكل جيد وإطلاع الرئيس الأسبق مبارك على حقيقه ما يدور لكى يحدث إصلاح أصبح ضرورة ملحة فى الأيام الأخيرة من حكمه، لذلك تعامل النظام مع أحداث يناير 2011 باستخفاف وقول المهندس أحمد عز «لا يوجد ما يدعو للقلق، اللواء حبيب العدلي وزير الداخلية قال لنا ثلاثة أيام وتنتهي الأزمة».

فكان كل ما يسمعه مبارك هو حوار المركز الرياضي يوميا ومقابلة بعض الطيارين من تلاميذه إلى جانب من ينتقيهم ممن يؤنسونه، فالمركز الرياضي كان للدعابة أكثر منه لأى شيء آخر وكان من بين من يحضرونه الفنان أحمد بدير والفنان المنتصر بالله.

كان مبارك فى أيام احتجاج الشعب المصري بميدان التحرير يُعطى القليل ومتأخرا ، ولا يستطيع أن يفهم نبض الشارع سريعا ويدرك ما يجب أن يقوم به فى الوقت المناسب ، فكانت النتيجة ما رأيناه من تصاعد المطالب ، بعد أن شعر المتظاهرون بالثقة نتيجة لانهيار الشرطة بشكل غامض ، فكانت الأمور تتصاعد للحد الذى جعل الدكتور حسام بدراوى يقول لمبارك إنه يرى فى الأفق نهاية «شاوشيسكو».

وأظن أنه كان يقصد أن هذا إنذار مخيف ، لأن «شاوشيسكو» رئيس رومانيا الأسبق بعد ثورة الشعب الروماني عليه أٌخذ هو وزوجته فى حقيبة سيارة و حقق معهما، وجرت تصفيتهما بفرقة إعدام كانت جاهزة ومعدة قبل التحقيق السريع معهما.

وحول مجريات الأمور داخل الحزب الوطني – الحزب الحاكم وقتها – قال «د.مصطفي»: مع بداية الأحداث شعر الإصلاحيون داخل الحزب الوطني بشيء من الحرج خاصة أنهم لم يتمتعوا بالتدليل فى ظل نظام مبارك، بل كانوا يعتبرون إلى حد ما عناصر معارضة، وقد جرت اتصالات بيني وبين الدكتور محمد حسن الحفناوي الذى دعانى للقاء فى منزله بضاحية المهندسين، خاصة وأننا شعرنا بالظلم لانتمائنا للحزب الوطني، فلم نكن شركاء فى الجزء السيء منه.

لذلك كان من الطبيعي أن نتخذ موقفا داعما لاحتجاجات الشعب بشكل أو بآخر ، وحضر اللقاء الدكتور عمرو سلامة باعتباره رئيسا لإحدى لجان برلمان مجلس الشورى فى آخر دوراته، والدكتور صبري الشبراوي، وتحدثنا فيما يمكن أن تؤول إليه الأمور.

وكانت الإجراءات قد بدأت تتوالى من قبل النظام الأسبق فى محاولة للإصلاح من وضعه وإن كان ذلك متأخرا، واتفقنا أن نبحث فى صيغة تجمع إصلاحى يمضي مع مبادئ الأحداث، ويربط بينها وبين كل الأفكار التى كنا نتداولها فى الحجرات المغلقة أو بعض المقالات المستترة وألزمنا أنفسنا بواجب توضيح تلك الأمور تبرئة لنا ولساحتنا أمام الرأى العام.

وجرت المحادثات للبحث عن عن حلول ومنها إنشاء حزب جديد أو تجمع وطنى فى هذه الظروف ، ولكن كانت الأمور تجري بسرعة ولم نكن قادرين على تحديد موقفنا فى ظل الظروف المتتالية التى لا تسمح لنا بالتفكير، وهنا علمت بما أطلق عليه «لجنة الحكماء» وتواصلت مع الدكتور أحمد كمال أبو المجد وطلبت منه الانضمام للجنة لمحاولة تقديم الدعم فى الأمور التى تتطلب خبراتى فطلب مني الانضمام إليهم فى اليوم التالى.  

لجنة الحكماء

وتابع: عندما ذهبت صباح اليوم التالى 6 فبراير ، لم يكن وجودى مستحبا من البعض، وجلست فى حجرة أحمد كمال أبو المجد ولم أحضر الاجتماع، وأجريت اتصالا مع عدد من الشخصيات الذين كانوا يتحركون على الساحة من بينهم الدكتور محمد سليم العوا والمهندس نجيب ساويرس.

وانتقلت موافقتهم جميعا بالتدريج من فكرة قبول استمرار مبارك حتى الانتهاء من مدة رئاسته مع تقليل صلاحياته إلى فكرة تفويض نائبه ، لكن فكرة الخروج الكامل لم تكن قد طرحت بقوة، لم يتصور نظام مبارك أن حاجز الخوف قد سقط ، وأن الشباب سوف يندفع باحتجاجاته ولا يبالى ، فأصبح الموت والحياة متساويين لديهم وسقط الشهداء وأصبحنا أمام ظروف غامضة ، لم يعرف فيها أحد من الذى أعطى أمرا بإطلاق النار وقتل المتظاهرين؟ الذين قتل بعضهم داخل ميدان التحرير والبعض الآخر فى مواقع أخرى .

وألقي «د.مصطفي» الضوء على العلاقة بين المؤسسة العسكرية والشرطة في عهد «مبارك»، وقال: كانت العلاقة بين بين القوات المسلحة والشرطة فى عهد مبارك ، ظاهريا تتمتع بالود والمجاملات فى المناسبات المختلفة مثل عيد الشرطة واحتفالات نصر أكتوبر.

لكن تسليح الشرطة فى العقود الأخيرة من حكم مبارك تقدم عن كونه شرطيا وأصبح مجهزا بما يستخدم فى ميادين القتال، السبب فى ذلك أن النظام جعل الشرطة مسئولا عن كل شيء مثل مواجهة الإرهاب وإدارة الانتخابات ومباريات الكرة و التشريفات أيضا، وهذا الأمر كان له تأثير سلبي على الأمن الجنائي فى ظل الحفاظ على الأمن السياسي.

وكان هذا سبب عدم قدرة جهاز الشرطة على احتواء أحداث يناير، وكان المشير محمد حسين طنطاوى وأعضاء المجلس الأعلى للقوات المسلحة حريصين على إعادة بناء جهاز الشرطة وأن يمارس دوره المنوط به .

وكشف «د.مصطفي» عن كواليس لقاء جمعه واللواء عمر سليمان، رئيس المخابرات العامة السابق، وقال: فى مطلع عام 2012 جمعتنى مائدة واحدة مع الراحل اللواء عمر سليمان رئيس المخابرات العامة المصرية الأسبق، وكان ذلك فى أحد أفراح أصهاره من العائلة الأباظية، وكنا فى أجواء الترشح للانتخابات الرئاسية الأولى بعد أحداث 25 يناير 2011.

وكان أحد المرشحين الذين ينتمون إلى التيار الديني قام باستعراض أنصاره فبلغ طول موكبه المسافة من الدقى إلى مصر الجديدة حيث مقر مفوضية الانتخابات، وقال لى عمر سليمان : إنه بعد ظهور ذلك المشهد على شاشات التليفزيون ، تلقى اتصالا من أمير سعودي بارز ، يسأله إذا كان ما يراه حقيقة أم أنه مشهد مفرك، فقال له عمر سليمان : «بل إن الأمر كما رايته يا صاحب السمو»،ـ فاستطرد الأمير السعودي فى دهشة : «أتريد أن تقول أن هذا المرشح يمكن أن يجلس على المقعد الذى جلس عليه ملوك أسرة محمد علي و جمال عبد الناصر و مبارك وغيرهم .. !».

فقال له اللواء عمر سليمان : «كل شيء محتمل يا صاحب السمو» .

وأكمل: تحدث عمر سليمان يومها عن عزوفه عن الترشح للانتخابات الرئاسية، وبعدها بايام اتصل بي مدير مكتبه ليخبرني برغبته فى الاعتذار وأن اكتب له صيغه الاعتذار، وقد فعلت ذلك وجرى نشرها مع تعديل طفيف، ولكننى فوجئت بعدها بفترة وجيزة ، بأن ضغوطا مورست على عمر سليمان من بعض أنصاره جعلته يغير رأيه ويجمع التوكيلات للترشح للمنصب الكبير، وأظن أن أحداث الربيع العربي قد اعتمدت على سيناريو ضخم لأحداث جرى تركيبها بشكل مفتعل.

وإن كان هذا لا ينتقص من الدوافع الوطنية والضغوط الاقتصادية والاجتماعية، التى حركت الجماهير فى اتجاه استثمرته تدخلات أجنبية وقوى داخلية لتغيير المسار وتحريك فى اتجاه مصالحها على حساب الأهداف العليا لشعارات الثورة وآمالها.

وربما نكتشف ذات يوم أن هناك صراعات مكتومة حول السلطة فى مصر فى تلك الفترة التالية بعد تنحى مبارك خصوصا فى الـ 18 يوم الفاصلة فى ثورة الشارع المصري، ولا أحد يغفل دور القوات المسلحة وانحياز قادتها للشعب خلال أحداث 25 يناير 2011 ورفض التوريث ومجيء جمال مبارك رئيسا بعد والده.

وهذا يفسر إلى حد كبير اجتماع المجلس الأعلى للقوات المسلحة والبيان الأول والبيانات التى تلته ودورهم الذى انتهى به الأمر بأقل قدر من الخسائر البشرية.
الجريدة الرسمية