رئيس التحرير
عصام كامل

بداية قاسية وشهرة عالمية.. موهبة الشحات أنور سر التربع على عرش التلاوة

الشيخ الشحات أنور
الشيخ الشحات أنور مع الشيخ الشعراوي

تحل اليوم الأربعاء الذكرى الثالثة عشرة لرحيل الشيخ الشحات أنور، “أمير النغم” أحد أعظم قراء القرآن الكريم في مصر والعالم الإسلامي، ومن أعلام دولة تلاوة القرآن الكريم ونجله القارئ الشهير محمود الشحات أنور.




النشأة والمولد

ولد الشيخ الشحات في كفر الوزير بمركز ميت غمر بمحافظة الدقهلية، وبعد تسعين يوما من مولده توفي والده فتعهده خاله وحفظه القرآن الكريم وهو في الثامنة من عمره ورعاه طوال مراحل تعليمه، وتم اعتماده قارئًا بالإذاعة عام 1979، وسجل الشيخ القرآن الكريم مرتلا وأجازه مجمع البحوث الإسلامية.


فترة الطفولة

يقول الشيخ عن تلك الفترة: كنت سعيداً بحفظ القرآن سعادة لا توصف، وخاصة أثناء تجويدي للقرآن بعد ما أتممت حفظه، ولأن صوتي كان جميلاً وأدائي للقرآن يشبه أداء كبار القراء تميزت على أقراني وعرفت بينهم بالشيخ الصغير.

تابع: هذا كان يسعدهم جميعاً وكان زملائي بالكتّاب ينتهزون أي فرصة ينشغل فيها الشيخ عنا، ويطلبون مني أن أتلو عليهم بعض الآيات بالتجويد ويشجعونني وكأنني قارئ كبير.

أضاف: ذات مرة سمعني الشيخ من بعيد فوقف ينصت إليّ حتى انتهيت من التلاوة فزاد اهتمامه بي، وكان يركز عليّ دون الزملاء لأنه توقع لي أن أكون ذا مستقبل كبير، على حد قوله رحمه الله.

وأضاف: وأذكر أنني أثناء تجويدي للقرآن كنت كثيراً ما أتلو على زملائي ففكر أحدهم أن يحضر علبة كبريت "درج"، ويأخذ منها الصندوق ويضع به خيطاً طويلاً، ويوصله بالعلبة فأضع أحد أجزاء العلبة على فمي وأقرأ به كأنه ميكرفون، وكل واحد من الزملاء يضع الجزء الآخر من العلبة على أذنه حتى يسمع رنيناً للصوت فيزداد جمالاً وقوة.. كل هذا حدد هدفي وطريقي وأنا طفل صغير وجعلني أبحث جاهداً عن كل السبل والوسائل التي من خلالها أثقل موهبتي، وأتمكن من القرآن حتى لا يفر مني، وخاصة بعد ما صرت شاباً مطالباً بأن أعول نفسي ووالدتي وجدتي بعد وفاة خالي الذي كان يعول الأسرة.. فكنت لما أسمع أن أحد كبار العائلات توفي، وتم استدعاء أحد مشاهير القراء لإحياء ليلة المأتم كنت أذهب وأنا طفل في الثانية عشرة وحتى الخامسة عشرة، إلى مكان العزاء لأستمع إلى القرآن وأتعلم من القارئ وأعيش جو المناسبة حتى أكون مثل هؤلاء المشاهير إذا ما دعيت لمثل هذه المناسبة.


وخلال فترة وجيزة استطاع الشيخ الشحات باتساع الأفق والذكاء الحاد،  أن يكّون لنفسه شخصية قوية ساعده على ذلك ما أودعه الله إيّاه من عزة النفس، وبعد النظر والحفاظ على مظهره والتمسك بقيم وأصالة الريف مع التطلع بعض الشيء الى «الشياكة».


منافسة قوية :

ظهرت موهبة الفتى الموهوب فجأة لتدفعه بين عشية أو ضحاها ليكون نداً للجميع واحتل مكانة لا تنكر بينهم رغم صغر سنه فتألق كقارئ كبير يشار إليه بالبنان، وهو دون العشرين عاماً.

كانت بداية الشيخ الشحات بداية قاسية بكل معايير القسوة لم ترحم تقلبات الحياة المرة طفلاً يحتاج إلى من يأخذ بيده وينشر له من رحمته ويحيطه بسياج من العطف والحنان، وبدلاً من هذا عرف الأرق طريق الوصول إليه، فكيف ينام أو تقر له عين ويسكن له جفن أو يهدأ له بال وهو مطالب بالإنفاق على أسرة كاملة فبدأ بتلبية الدعوات التي انهالت عليه من كل مكان، وهو ابن الخامسة عشرة فقرأ القرآن في كل قرى الوجه البحري بأجر بسيط آنذاك لا يتعدى ثلاثة أرباع الجنيه إذ كانت السهرة بمركز ميت غمر تحتاج إلى سيارة، وقد تصل إلى 7 جنيهات إذا لزم تأجير سيارة مهما يكن نوعها.. فكان يعود من السهرة بما تبقى معه من الأجر ليسلمه إلى جدته ووالدته فتنهال عليه الدعوات؛ مما يشجعه على تحمل الصعاب في سبيل التطلع إلى حياة كريمة شريفة يتوجها بتاج العزة والكرامة، وهو تلاوة كتاب الله عز وجل.

الموهبة وبداية الشهرة:

وبعد أن تخطى العشرين عاماً بقليل صار للشيخ الشحات اسماً يتردد في كل مكان، وانهالت عليه الدعوات من كل محافظات مصر، وأصبح القارئ المفضل لمناطق كثيرة ظلت آمنة ساكنة لم يستطع أحد غزوها بسهولة لوجود المرحوم الشيخ حمدي الزامل والشيخ شكري البرعي، وتربعهما على عرش التلاوة بها؛ لدرجة أنها عرفت بأنها مناطق الشيخ حمدي الزامل، رحمه الله، ولكن الموهبة القديرة لا تعرف حدوداً ولا قوانين حتى ولو كانت القوانين قوانين قلبية مغلقة.. فكانت الموهبة لدى الشيخ الشحات هي المفتاح السحري الذي يتطاير أمامه كل باب.


الالتحاق بالإذاعة:

استطاع الشيخ الشحات أن يشق طريقه نحو الإذاعة لأن شهرته سبقت سنه بكثير، فقد وجّه إليه رئيس مركز مدينة ميت غمر في السبعينات المستشار حسن الحفناوي دعوة في إحدى المناسبات الدينية التي كان سيحضرها المرحوم د. كامل البوهي أول رئيس لإذاعة القرآن الكريم وذلك عام 1975 – 1976م.. يقول الشيخ الشحات: وكان لي صديق موظف بمجلس مدينة ميت غمر، فقال لي رئيس المركز يدعوك لافتتاح احتفال ديني سيحضره كبار المسئولين ورئيس إذاعة القرآن والحفل سيقام بمسجد الزنفلي بمدينة ميت غمر، فقبلت الدعوة وذهبت لافتتاح الحفل، وسمعني المرحوم د. البوهي.. وقال لي: لماذا لم تتقدم لتكون قارئاً بالإذاعة وأنت صاحب مثل هذه الموهبة والإمكانات وشجعني على الالتحاق بالإذاعة، فتقدمت بطلب وجاءني خطاب للاختبار عام 1976م، ولكن اللجنة رغم شدة إعجاب أعضائها بأدائي، قالوا لي: أنت محتاج إلى مهلة لدارسة التلوين النغمي، فسألت الأستاذ محمود كامل والأستاذ أحمد صدقي عن كيفية الدراسة، فدلني الأستاذ محمود كامل على الالتحاق بالمعهد الحر للموسيقى، فالتحقت به ودرست لمدة عامين حتى صرت متمكناً من كل المقامات الموسيقية بكفاءة عالية.

وفي عام 1979م تقدمت بطلب.. للاختبار مرة ثانية أمام لجنة اختبار القراء بالإذاعة.. طلب مني أحد أعضاء اللجنة أن أقرأ 10 دقائق أنتقل خلالها من مقام إلى مقام آخر مع الحفاظ على الأحكام ومخارج الألفاظ والتجويد والالتزام في كل شيء، خاصة التلوين النغمي، وبعدها أثنى أعضاء اللجنة على أدائي، وقدموا لي بعض النصائح التي بها أحافظ على صوتي، وانهالت عليّ عبارات الثناء والتهاني من الأعضاء، وتم اعتمادي كقارئ بالإذاعة عام 1979م.


وأضاف: تم تحديد موعد لي لتسجيل بعض التلاوات القصيرة حتى تذاع على موجات إذاعة القرآن الكريم، بالإضافة إلى الأذان وعدة تلاوات منها خمس دقائق وعشر دقائق وخمس عشرة دقيقة.. وبعد اعتمادي كقارئ بالإذاعة بحوالي شهر فقط كنت موجوداً باستوديو "41" إذاعة للتسجيل يوم 16/12/1979م، اتصل بي الأستاذ أحمد الملاح المسئول عن الإذاعات الخارجية والتخطيط الديني آنذاك، وقال لي: أنت جاهز لقراءة قرآن الفجر؛ لأن القارئ اعتذر لظروف خاصة؟!
فقلت: طبعاً أنا جاهز.. وكانت مفاجاة لي وفرحتي لا توصف فاسرعت إلى القرية، وقطعت المسافة بين ميت غمر والقاهرة في أقل من ساعة لكي أخبر الأسرة وأهل القرية بأنني سأقرأ الفجر الليلة فعمّت الفرحة أرجاء القرية، ولم ينم أحد من أبناء قريتي حتى قرأت الفجر، وعدت فوجدت مئات من المحبين والأهل والأقارب والأصدقاء في انتظاري لتهنئتي ليس على قراءة الفجر على الهواء فحسب وإنما على التوفيق كذلك لأن الله وفقني جداّ، وبعدها جاءتني وفود من جميع محافظات مصر لتهنئتي؛ لأنني كنت مشهوراً جداً في جميع المحافظات قبل الالتحاق بالإذاعة، وكانت دائرة علاقاتي كبيرة على مستوى الجمهورية.


الشهرة الواسعة:

للشيخ الشحات كثير من المجبين بصوته وأدائه في كل محافظات مصر، أشهرهم الرابطة التي كونها الحاج مصطفى غباشي بمحافظة الغربية، وبعد ذلك كله كان لابد من نقلة إلى آفاق عالية في عالم التلاوة تنبأ الناس له بمستقبل أكبر مما هو فيه.. ولأنه يتمتع بذكاء وطموح ودبلوماسية في المعاملة استطاع أن يرتل القرآن ويفتح باباً لجملة من القراء ليرتلوا القرآن، فأصبحوا كالمسبحة في عالم الترتيل، وفي شهر رمضان منذ 1985م، وحتى عام 1996م كان يسافر مرات مكلفاً ومبعوثاً من قبل وزارة الأوقاف المصرية ومرات بدعوات خاصة  فتعلق به الملايين من محبي سماع القرآن خارج مصر المستمعين بالمركز الإسلامي بلندن ولوس أنجلوس والأرجنتين واسبانيا والنمسا وفرنسا والبرازيل ودول الخليج العربي ونيجيريا وتنزانيا والمالديف وجزر القمر وزائير والكاميرون وكثير من دول آسيا، وخاصة إيران وفى باكستان عام 2003.


يشجعنا على الحفظ

وفي سياق متصل، يقول الشيخ محمود الشحات أنور في ذكرى رحيل والده: بدون والدي ودعائه وبدون إرادة الله لم يكن نجاحي ممكنا، فكان أبي يشجعنا دائما منذ الصغر، وكان يقول لنا دائما إن القرآن هو أعظم صحبة، كن صديقا للقرآن وسوف تجده صديقا حقيقيا لك.

وأكد في تصريح لـ"فيتو": بدأت أحفظ منذ سن مبكرة حيث أقرأ على والدي يوميا جزءا محددا، وكان يستمع إليه عند عودته من الحفلات القرآنية؛ وفي أول جلوس لي على دكة التلاوة كنت متوترا جدا، وأتذكر ذلك اليوم لأنه كان شرفا كبيرا، وكنت متوترا لأنني سوف أتحمل مسؤولية كبيرة بصفتي سفيرا للقرآن، لذلك كان عليَّ أن أتأكد من أن كل شيء كان على ما يرام.


وأضاف: كان يتمنى أبي أن يراني قارئا عظيما وسأبذل قصارى جهدي لتحقيق هذا، ولا ننسى أخي الشيخ أنور الشحات أنور الأستاذ الكبير، وهو أستاذي الذي علمني الكثير، وتعلمت منه الكثير، وما زال هو المرجع الأول لى في كل الأمور بارك الله لنا فيه.

الجريدة الرسمية