رئيس التحرير
عصام كامل

ما الحكمة في اشتراط الشرع أربعة شهود على جريمة الزنا؟ دار الإفتاء ترد

دار الإفتاء
دار الإفتاء
ورد سؤال إلى دار الإفتاء يقول فيه صاحبه "ما الحكمة في اشتراط الشرع الحكيم أربعة شهود على جريمة الزنا؟ ولماذا لم يكتفِ بشاهدين كما في حالة الدَّين؟"، وجاء جواب الدار كالتالي:



لمَّا كان الزنا جريمةً منكرةً وفاحشةً وساءَ سبيلًا، وكانت عقوبتها عقوبةً صارمةً وهي الجلد أو الرجم؛ لذلك فقد شرطت الشريعة الإسلامية شروطًا شديدة من أجل إقامة الحد؛ فلم تقبل شهادة النساء أبدًا، وفرضت أن يكون الشهودُ أربعةً من الرجال العُدُول الذين هم أهلٌ لأداء الشهادة، وأن يكونوا قد رَأَوْا بأعينهم هذه الفاحشة كالْمِيلِ في المكحلة -أي متلبسًا بها الجاني- وهذا بلا شك من العسير أن يتحقق أو يتصور بسهولة، وما ذلك إلا تحوطا من الشارع وتحقيقًا لمعنى الستر على المسلمين، وصيانةً للأعراض وللعلاقات الأسرية من أن تُنتهك، وسدًّا للسبيل على الذين يَتهمون الأبرياء ظلمًا ولأدنى حزازةٍ بعارِ الدهر وفضيحة الأبد.

كيف يكون الزنا

فاشترط في الشهادة على الزنا أربعة شهود من الرجال العدول، فإن نقصوا عن أربعةٍ أو لم يكونوا عدولًا واختلفت شهاداتهم حُدُّوا حد القذف، فإن تعذر على الزوج إثبات جريمة الزنا على زوجته بالشُّهود فقد جعل الشارع الحكيم له مخرجًا من ذلك بالملاعنة؛ وهي مشروحةٌ شرحًا وافيًّا في القرآن الكريم: ﴿إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ۞ وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ ۞ وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ ۞ وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ باللهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ ۞ وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ﴾ [النور: 6-9]، وفي السنة الصحيحة كما في "صحيح البخاري" (كتاب اللعان) و"صحيح مسلم"، وكل ذلك إعمالًا لقوله تعالى: ﴿فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ﴾ [النساء: 15]،


بخلاف سائر الحقوق؛ فإنه تقبل فيها شهادة اثنين فقط ولا تقبل شهادة النساء كما ذكرنا؛ لقوله تعالى: ﴿أَرْبَعَةً مِنْكُمْ﴾ أي من الرجال، وقوله تعالى: ﴿ثُمَّ لَمۡ يَأۡتُواْ بِأَرۡبَعَةِ شُهَدَآءَ﴾ [سورة النور: 4].

لماذا حرم الله الزنا

والمراد بالشهداءِ الرجالُ؛ بدليل تأنيث العدد، وأن يكونوا من أهل العدالة؛ لقوله تعالى: ﴿وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ﴾ [الطلاق: 2]، وأن يكونوا مسلمين بالغين عاقلين، وأن يعاينوا الجريمة برؤيةِ فَرْجِهِ في فَرْجِهَا؛ لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «ادْرَءُوا الْحُدُودَ بِالشُّبُهَاتِ» "مسند أبي حنيفة رواية الحصكفي"، والشهادة إحدى طرق الإثبات.


تفسير حلم الزنا

ومن الأسئلة التى وردت إلى الدار في هذا الباب أيضُا هو "لماذا كان عدد الشهود أربعة؟ ولماذا كان العقاب ثمانين جلدة؟ ولماذا في حالة عدم وجود الشهود الاكتفاء بشهادة أحد الأطراف أربع شهادات بالله؟"

إذا كان قذف النساء ورميهنَّ بالفاحشة أشنعَ وأنكى للنفوس، وفيه نفي نسب الأولاد إلى آبائهم من غير دليل مع حرص الإسلام الشديد على نسب الولد إلى أبيه محافظةً على أعراض الناس أن تَلُوكَها ألسنةُ السوء؛ لذلك أوجب الإسلام أن يكون عدد الشهود في إثبات جريمة الزنا أربعة؛ مبالغةً في الحيطة والحذر حتى لا يُرمى بها الأبرياء في شرفهم، ويُطعن الأبناء في نسبهم، وتغليظًا على المدعي وسترًا على العباد.

لماذا كان عدد الشهود أربعة في الزنا

وتحديد الشهود بالأربعة حكمٌ ثابتٌ في القرآن والتوراة والإنجيل.

وقيل: إنما كان الشهود أربعة؛ ليترتب شاهدان على كل واحد من الزانيين؛ كسائر الحقوق.

وكان العقاب في القذف ثمانين جلدة وفي الزنا مائةَ جلدة؛ لأنه متى تحقق الزنا فقد ثبت نفي النسب وتحقق، فلا بد فيه من تشديد العقوبة وذلك بجعلها مائة جلدة؛ لتتناسب العقوبة مع حجم الجريمة.


وأما في القذف -الذي هو اتهام بالزنا- فما زال الأمر غير ثابت ولا يترتب عليه نفي النسب؛ فناسب أن تكون العقوبة مخففة وأقل من عقوبة الزنا.

وإذا كان الإسلام أوجب وجود الشهود الأربعة كي تثبت جريمة الزنا فإن انعدام الشهود في هذه الجريمة لا يسقطها؛ إذ قد يقر أحد الطرفين بمقارفته لها.

لماذا كان العقاب ثمانين جلدة في الزنا

أما إذا رمى الزوج زوجته بالزنا وليس له بَيِّنَة ولم يُقِر بذلك فمن حقِّه أن يدفع عن نفسه حدَّ القذف بملاعنته إياها؛ بمعنى: أن يشهد أربع شهاداتٍ بالله إنه لمن الصادقين في دعواه، وفي الخامسة يطلب اللعنة من الله عليه إن كان من الكاذبين في اتهامه إياها، ويكون من حقها أن تدرأ عن نفسها بأن تشهد أربع شهاداتٍ بالله إنه من الكاذبين في ادعائه عليها بالفاحشة، وفي الخامسة تطلب غضب الله عليها إن كان من الصادقين فيما رماها به.

كيفية التوبة من الزنا 

ولما كان ذكر العدد واردًا في القرآن والتوراة والإنجيل فإن معنى ذلك أن ذكر الأربعة من الأمور التي تَعَبَّدَنَا الله تعالى بها فلا يصح السؤال عنها بماذا أو لماذا؛ لأن الأمور التعبدية لا يسأل عن عِلَلِها؛ لما فيها من الحكم الإلهية البليغة الخافية علينا والتي تقصر مداركنا عن فهم كُنْهِها وحقيقتها.


الجريدة الرسمية