رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

راح ولم يأخذ معه الشر

عبارة مصرية خالصة نطلقها إذا ما اختفى من المشهد شرير مثل دونالد ترامب رغم ما حققه ل"أمريكا" من ثروات منهوبة، وسيادة لا تضاهيها سيادة، وقوة لا يستهان بها، فقد خاض حروبا ضارية ضد العرب والصين وأوروبا، وكل من تصور أنه يعاند الهيمنة الأمريكية.


"أخد الشر وراح" عبارة لا تنطبق على النموذج الرئاسي الأمريكي، فقد ذهب ترامب ولكنه لا يستطيع أن يأخذ معه النموذج ألا وهو الشر الأمريكي المتجذر منذ النشأة التي ابتنت نموذجها على حرق الأرض بمن عليها من السكان الأصليين، وحتى حروب الدمار التي خاضتها البلاد الجديدة في كل أصقاع الأرض.

لم يمنح العرب رئيسا أمريكيا ما منحوه للسيد دونالد ترامب الذي كان يتفاخر بما جناه من أموال عربية في دقائق معدودة، والأكثر إثارة أن منا من أراد له البقاء والاستمرار فيما يمثل شعار "القط يحب خنّاقه"!!

أمريكا العظمى

ذهب ترامب ولكنه ترك ملف الشرور الأمريكية لإدارة جديدة، منحت الحق في استمراره وبنهج مختلف هذه المرة، فالنموذج الأمريكي للهيمنة يعتمد مصالحه دون النظر إلى فكرة القيم الإنسانية، إذ لا إنسانية في السياسة، السياسة مصالح والمصالح تتصالح، وعندما تتقاطع يظهر الوجه الأمريكي الشرير.

ولكن هل الشعب الأمريكي شعب شرير؟ الإجابة قطعا: لا.. لا يوجد في قاموس الحياة الإنسانية شعب شرير، ولكنه النموذج الحاكم الذي يعتمد كل الطرق من أجل تحقيق المصلحة، ومصالح أمريكا ليست لدى العرب، مصالحها تكمن في أشهر وأرخص قاعدة عسكرية لها في المنطقة وهى بالطبع إسرائيل.

يتصور البعض أن إسرائيل تدير آلة السياسية الأمريكية وهذا غير صحيح، فوجود إسرائيل وبقاؤها أكبر مصلحة لأمريكا والغرب، لذا فمن غير المتصور للذين هرولوا ب"التطبيع" مع الكيان الصهيوني، أن يحققوا مصالحهم ب"التطبيع"، لأن فلسفة وجود الكيان المحتل في المنطقة لا تتوافق مع العيش السلمى في محيطها، لابد من استمرار الصراع وإلا فقدت شرعية وجودها الممثل للمصالح الغربية والأمريكية في المنطقة.

جو بايدن الرئيس الأمريكي سيمضى قدما نحو تحقيق الأهداف الثابتة للولايات المتحدة الأمريكية والغرب، سيمضى جو بايدن على نفس النهج ، ولكن بطريقة مختلفة فالمطلوب ذبح العرب، تختلف وسيلة الذبح بين الجمهوريين والديمقراطيين، ولكن في النهاية لابد وأن يكون الهدف هو الذبح ولكن ما الذي يجعل العرب مستسلمين لهذا الوضع؟

باختصار لأن أي حكومة لا تستمد شرعيتها من الشعب هي بحاجة إلى شرعية وجود من القوة المهيمنة على العالم، وتلك الشرعية لها ثمن أوله الانبطاح وتنفيذ كل ما يطلب دون اجتهاد، أي نظام لا يستمد شرعيته من شعبه هو نظام احتلال، لا فرق بين احتلال أجنبي أو احتلال وطنى، والمحتل لابد وأن يدفع ثمن بقائه واستمراره ووجوده.

عندما يصبح رئيس الدولة داعشيا

أقول ذلك بمناسبة ما قيل فور وصول الديمقراطيين إلى حكم أمريكا، ونية ضغطهم على مصر في ملفات حقوق الإنسان والديمقراطية.. لقد كان الديمقراطيون في سدة الحكم أثناء ٣٠ يونيو، ولم يستطيعوا لى ذراع مصر، فالشعب في الشوارع والميادين كان الحامى الأكبر والأقوى لثورته ضد حكم الجماعة الإرهابية المدعومة من أمريكا الديمقراطيين.

ولكن ما هو المطلوب لمواجهة الشر الجدي؟

أتصور أن التفافا وطنيا حول النظام، يحول دون الاستجابة لأية ضغوط يمكن أن تمارسها إدارة جو بايدن، وهذا الإلتفاف مطلوب من النظام أيضا.. التفاف بالشعب ومصالحة القوى الوطنية التي واجهت بشجاعة محاولات التدخل أيام باراك أوباما.

بعض الانفتاح على القوى الوطنية، وحوار وطنى جاد يستهدف حماية استقلال مصر، ويبني علاقة وطيدة تعلي من قدر المصلحة الوطنية فوق الاعتبارات الحزبية، هو الجدار الحامي ضد أي تدخل أو محاولة تدخل في البلاد.

القوى الوطنية التي واجهت الجماعة الإرهابية هي ذاتها التي واجهت التحدي الأمريكي، وقد كنا ساعتها في أوقات عصيبة وأضعف شأنا من اليوم. تفهُم النظام لضرورة وجود صوت آخر في الحياة السياسية واستيعابه لهذا الصوت، وإيمانه بأن المعارضة لا تعنى هدم النظام، بل بالعكس المعارضة الوطنية تقوى النظام.

أذكر أننى سألت الزعيم الراحل مصطفى كامل مراد عن سر موافقته على السفر مع السادات إلى القدس، وقد كان ساعتها زعيما للمعارضة في البرلمان، وقلت له إن سفرك هذا أدى إلى خسارتك على مستوى الشارع، فرد قائلا: وهل كنت أرفض زيارة تحقق لبلادى مصالحها؟ وتساءل كيف أترك رئيس بلادى يواجه هناك أسئلة من نوعية أن المعارضة ترفض السلام معنا.

من يعيد جماعات الشر؟

كان مصطفى كامل مراد يرى أن السادات كان من الممكن أن يواجه أسئلة صعبة أبسطها باسم من تتحدث أيها الرئيس والمعارضة في بلادك لها حديث آخر ضد السلام وضد زيارتك.

اتفقنا أو اختلفنا مع وجهة نظر زعيم المعارضة في ذاك الوقت، إلا أنها وجهة نظر تحترم، لأن منطلقاتها كانت وطنية بالدرجة الأولى.. هكذا يمكن للمعارضة أن تثرى الحياة السياسية وتبنى جدارا قويا لمواجهة التحديات المستقبلية.

قد يقول قائل إن النظام كان بحاجة إلى انطلاقة قوية تبنى نموذجا جديدا للبنية التحتية قادرة على الانطلاق بالبلاد إلى آفاق أكثر رحابة، ولم يكن المشهد السياسي عقب ثورة يناير موحيا بقدرة المعارضة على استيعاب تفاصيل المرحلة الصعبة، ورغم أن هذا إلى حد كبير قد يبدو صحيحا إلا أن المحيط الإقليمي الساخن وأطماع القوى الأخرى أصبحت حقائق يعرفها القاصي والدانى.

معارضة وطنية استطاعت أن تسقط جماعة الإخوان في عام واحد.. تلك المعارضة لا تزال قادرة على البناء الوطنى جنبا إلى جنب مع النظام في ظل ظروف أكثر من قاسية.

Advertisements
الجريدة الرسمية