رئيس التحرير
عصام كامل

الموقف الأمريكي من أزمة سد النهضة.. إلى أين؟ (1 – 2)

سد الأزمة
سد الأزمة
فى العلاقات السياسية هناك مبدأ ثابت على مر العصور، وهو أنه "لا وساطة بدون مصلحة".. ويمكن التأكد من سريان هذا المبدأ بمقارنة الموقف الأمريكى تجاه الحكومة الإثيوبية وموقفها من مفاوضات سد النهضة مع مصر والسودان خلال الشهور الثمانية الماضية.. ودعنا لا نقول منذ بدء الأزمة لظهور التناقض جليا منذ شهر فبراير الماضى وجولة المفاوضات التى استضافتها الولايات المتحدة برعاية البنك الدولى ووزارة الخزانة الأمريكية، وحتى التصريحات الأمريكية الأخيرة التى أربكت الجانب الإثيوبى.

فبنظرة سريعة على علاقة الولايات المتحدة بهذه الأزمة التي طرفاها إثيوبيا ومصر، "فمصر من ناحية هى تلك الدولة المحورية كما كان يلقبها المسئولون الأمريكيون، وهى الدولة التى توصف العلاقات معها بالعلاقات الإستراتيجية، وبأن دورها هام جداً لعملية السلام في الشرق الأوسط".
وإثيوبيا التي نهضت وتنهض بدور مهم للاستراتتيجية الأمريكية في القرن الأفريقي.
ولهذا آثرت الولايات المتحدة ولوقت قريب الحفاظ على مسافة تكاد تكون واحدة من طرفى الخلاف مصر وإثيوبيا مسافة بالكاد تمكنها من رؤية التطورات المُتلاحقة بشأن هذه الأزمة التي من شأنها أن تضعف إحدى أهم الدول التي تعتمد عليها الاستراتيجيتان؛ السياسية والعسكرية الأمريكية في الشرق الأوسط، وهى مصر.
مسافة جعلت من دور الولايات المتحدة الأمريكية دور الماقب والمتابع الذى يوجه توصيات ويقرب وجهات نظر، ولكنه لا يضغط على طرف لمصلحة طرف آخر، ولا يقف بالقرب من طرف على حساب الآخر فالمصالح ولوقت قريب كانت متعادلة لا ترجح كفة مصر على إثيوبيا أو العكس.
وهو ما ظهر فى جولة المفاوضات التى دعت اليها الولايات المتحدة الأمريكية فى فبراير الماضى برعاية وزارة الخزانة الامريكية والبنك الدولى ولم تحضرها إثيوبيا، وانتهى الأمر بمجرد توجيه اللوم الأمريكى للحكومة الإثيوبية لعدم الحضور، وهو ما كان له أثر إيجابى فى تأكيد الايجابية التى تتمتع بها مصر وتمسكها بحل المشكلة بكل الطرق السلمية واستنفادها إلى آخر نفس.
ومن ثم فإن في إبقاء الولايات المتحدة على مسافة تمكنها فقط من المُتابعة والمراقبة وليس التدخل.
واستمر الحال هكذا منذ فبراير الماضى، وقد خاضت مصر والسودان وإثيوبيا عدة جولات أخرى من المفاوضات لم يتغير فيها الموقف الدولى تجاه القضية، وهى قضية مصيرية للشعب المصرى تحول فيها ملف القضية إلى الأمم المتحدة ذات الرعاية الأمريكية ولم تضغط أمريكا ولا أي من القوى الدولية على إثيوبيا، واستمر الحال كما هو عليه بعد تحويل القضية إلى الاتحاد الأفريقى فى الجولة التالية، ولم نرَ أي مواقف إيجابية تذكر للمجتمع الدولة تجاه قضية تنمية وتوليد المزيد من الكهرباء كما تزعم إثيوبيا، وقضية حياة وبقاء لشعب تعداده يفوق الـ 100 مليون نسمة.
ولكن يبدو المثل الشعبى القديم "مصائب قوم عند قوم"، فبعد أن كانت الولايات المتحدة تتابع أزمة سد النهضة، ويتلخص موقفها فى المراقبة والتوصيات وتقريب وجهات النظر تحول الموقف الأمريكى إلى تهديد صريح وواضح للحكومة الإثيوبية بسحب مليارات الدولارات من المساعدات الأمريكية لإثيوبيا إن لم تتراجع عن عمليات الملء، حتى إتمام اتفاق يرضى جميع الأطراف، ولكن الأخيرة لم تستجب فزادت الولايات المتحدة الأمريكية من التهديدات الواضحة والصريحة  التى تمثلت فى إعطاء الضوء الأخضر للحكومة المصرية لتوجيه ضربات تضر بسد النهضة فى حال استمرار تعنت الحكومة الإثيوبية فى مفاوضاتها مع دولتى المصب وإصرار الجانب المصرى والسودانى على توقيع الحكومة الإثيوبية على اتفاق مبادئ ينظم مراحل ماء السد، بما يقلل من آثار الجفاف على الجانب المصرى وإطالة سنوات الملء إلى خمس او سبع سنوات.
--------------------------------------------------------
( * ) ياسمين زايد.. باحثة بالأكاديمية العربية للمياه


الجريدة الرسمية