رئيس التحرير
عصام كامل

كيف وثق مصورو السودان لحظات غرق المدن بمياه الفيضان؟

فيضان السودان
فيضان السودان

فيضان السودان، غضب نهر النيل الخالد ثار بالقرى والمدن التي تقع على الشريط النيلي السوداني ممتد من ولاية النيل الأزرق وحتى أقصى شمال السودان، فما كان من الشعب الطيب إلا أن يحمل قدره على كتفيه بينما تغوص قدما في مساحات المياه الشاسعة التي امتدت على طول المناطق الواقعة على الشريط النيلي، وكأن فيضان السودان الذي وقع منذ حوالي عشرة أيام لم يلبث أن يهدأ حتى تفور ثورته مرة أخرى، حيث دمر أكثر من 100 ألف منزل بين التدمير الجزئي والكامل.



 ملايين المواطنين قد تشردوا في مناطق من أم درمان والخرطوم والقرى المحيطة، وبين كل هذه الأحداث المتلاحقة ثمة جنود كانوا في ساحتهم يوثقون بعدساتهم تلك المعاناة التي يعيشها شعب النيل الطيب من أجل البقاء على قيد الحياة وقيد الأمل في أن تنفرج الأزمة.


عبد العظيم سعيد مصور فوتوغرافي عمره 24 عامًا من مدينة سنار السودانية، تخرج من كلية الآداب قسم اللغة الإنجليزية، دأب منذ عام 2018 وحتى هذه اللحظة على المشاركة في توثيق أصعب اللحظات التي تمر على وطنه، ما بين ثورات وانتفاضات ومطاردات من قبل قوات الأمن، كان دائمًا أول من يحضر لتوثيق تلك اللحظة، لم تصل مياه فيضان السودان إليه بعد، ولكنه قرر وبدعم من عائلته أن يكون همزة الوصل بين المتضررين في أطراف السودان وبين المجتمع العربي والدولي، "لأول مرة في تاريخ السودان القديم والحديث، معظم القرى المتواجدة على الشريط النيلي تدمرت بالكامل وتضرر سكانها، من ولاية النيل الأزرق وحتى أقصى شمال السودان، كمان عرفنا إنه أكثر من نصف مليون إنسان من أقاربنا واصدقائنا وأهالينا باتوا في الشوارع بالكاد استطاعوا أن ينقذوا أنفسهم، وأكثر من 100 ألف منزل انهار ما بين الانهيار الكلي والجزئي"، يتحدث عبد العظيم المصور الفوتوغرافي السوداني.

 

عهدته عائلته شجاعا ولا يخاف التواجد في ساحات الاعتصامات والتظاهرات، ولكن المعركة هذه المرة مختلفة وأطرافها ليسوا من قوات الجيش أو حتى قوى المعارضة، " أول أمس كنت في منطقة السيول لأوثق ما رأيته، أهلي شجعوني جدا، لأني معروف من زمان بنزل أصور الأحداث وكنت في مظاهرات السودان والأحداث الأخيرة، لكن أول مرة أرى مشهد بهذا الرعب والفزع والدمار، منطقتي خارج منطقة السيول لكن حبيت أكون واحد منهم أصور وأساعدهم كمان".

أول ما وصلت إلى الأحياء المتضررة وجدت كل الناس تقوم بإخلاء منازلها وجالسين في مناطق عالية لم تصلها المياه في أطراف الحي بعيد من مناطق المتواجدة على الشريط النيلي، وكانت الناس تستخدم المراكب لنقل أشيائها وأثاثها خارج المنازل لأن عمق المياه كان كبيرًا خاصة البيوت القريبة من نهر النيل"، حمل عدسته وانتقل إلى هذه المناطق 4 ساعات قضاها بين المتضريين يتتبع آثارهم ويرصد لحظات فارقة في حياتهم، بعد أن أخرجهم فيضان السودان من منازلهم مُكرهين، لا حول لهم، ولا شيء معهم إلا بعض الحيوانات التي بالكاد تم إنقاذها والقليل من أثاث المنزل الذي نجا،" 


 

شاهدت سقوط المنازل والغُرف والجدرات أمام أعين السكان، لا توجد كلمات يمكنها أن تصف ما رأيته، أنا من 2018 في مجال التصوير لم أر كارثة في السودان بحجم هذه الكارثة، ولكن إذا أنا ما وقفت مع شعبي وبلدي بالظروف ديا مينفعش اسمي نفسي مصور لأنه التصوير رسالة كبيرة ومسئولية لابد أن نكون على استعداد لتحملها".

لم يختلف الأمر كثيرًا بالنسبة لفائز أبو بكر 29 عامًا، ابن العاصمة السودانية الخرطوم والمصور الفوتوغرافي، الذي شغف بالتصوير منذ كان في سن صغيرة، حمل معداته وسافر في رحلة مدتها حوالي 4 ساعات، كلما يقترب من موقع الأزمة والمنطقة التي سبق وأعلنتها الحكومة السودانية منطقة منكوبة، تصل رائحة طمي النيل إلى أنفه، على الامتداد أمام عينه المياه تغمر كل شيء، "بالنسبة لي إحساس وبحب أوثق الأحداث والتصوير الصحفي وهو من أكثر الأشياء التي أحبها، بحاول أطلع إحساس الناس ومعاناتها عن طريق الصورة، وهذا ما حدث في الفيضان، بكون جزء من المكان وبتعرف على الناس اللي هصورهم وتفاصيلهم وأعيش مأساتهم لكي أخرج صورة بها رسالة، الوضع كان كارثي و حتى الآن وأنا كمصور بقدر أساعد أوصل هذه المعاناة للمجتمع العربي والدولي".


لم يضرب الفيضان المنطقة التي يسكنها فائز في قلب العاصمة الخرطوم، ولكنه ما إن سمع بتدمير أجزاء من أم درمان وأطراف العاصمة، دب الخوف إلى نفسه على عائلته، " الوضع غير مطمئن، بدأت من الريف الشمالي وهاي تزحف إلى المدن الكُبرى، لكن أنا ما عندي شيء أقدمه إلا توثيق ما لتعرف الناس أنه هناك مكان في العالم يعاني ويحتاج إلى المساعدات، كنت أرصد أصعب اللحظات التي يمكن أن تمر على شخص، لحظات انهيار المنازل دعوات لأصحابها وابتسامة ظلت على وجوههم، "هذا قدر ربنا ما بيدهم شيئًا لفعله، لأنهم نجوا كانوا بيطلعوا الأثاث الذي يمكن إنقاذه ويضعونه في أماكن مرتفعة".


وارتفع عدد ضحايا الفيضانات التي اجتاحت السودان إلى 100 شخص، وتسببت بإجلاء مئات الآلاف من السكان من المناطق المنكوبة بالإضافة إلى انهيار كلي أو جزئي لأكثر من 100 ألف منزل.

وقرر مجلس الأمن والدفاع السوداني، اعتبار البلاد كلها منطقة كوارث طبيعية، وأعلن حالة الطوارئ لمدة ثلاثة أشهر بسبب الفيضانات والارتفاع القياسي لمنسوب المياه.


الجريدة الرسمية