رئيس التحرير
عصام كامل

زهايمر الثورة


الثورة صنعها الشباب وسرقها العواجيز. كلمة قالها المخرج خيري بشارة.

ثمة محاولة للإجابة عن إشكالية الثورة وشيخوختها في سنة واحدة على قيامها في كل من مصر كأكبر بلد عربي وبقية بلدان الربيع العربي، علما أن هذه المحاولة لا تدّعي امتلاك الحقيقة بقدر ما تتوخى حث التفكير السياسي النقدي حول ماهية الثورة، ولا تحاول تقديم الإجابات الجاهزة بقدر ما تحاول توليد الأسئلة، والبدائل، التي تتولّد عن الطبيعة المعقدة لثورات الشباب بالوطن العربي.


في تقديري إحنا اللي تابعنا الثورات العربية افتراضيا أمام القنوات الفضائية وكنا كلنا شهودا على زمن الالتباس بامتياز، كنا ضحية حلم مؤجل.. لم نفهم هذا التأجيل وهذه الشيخوخة لثورة في عز شبابها صنعها صناع الحياة بميدان التحرير بأجسادهم ودمائهم الطاهرة لمواجهة دكتاتورية دامت أكثر من 30 سنة من الاستعمار الداخلي.

لم نعرف كيف نعبر إبداعيا عما يحدث.. وابتعدت شخصيا عن قول التفاهات في حق ربيع عربي جميل. فمنظومة القيم التي على أساسها نشجب أو نبارك تحتاج إلى صفاء معرفي وتحكيم عقلاني.. فالمبدع ينتابه تردد كتردد بطل مسرحية "شاهد ما شافش حاجة" لعادل إمام أو فيلم أحمد زكي "البيضة والحجر" إزاء الوقائع ملتبس تاهت فيه الرؤية العميقة للأشياء.

في تقديري لا يمكن لأي أحد امتلاك الحقيقة الدينية، فالإسلام لا يقبل ذلك نهائيا. وادعاء احتكار الحقيقة الدينية يتنافى مع الدين خصوصا مع الإسلام الذي لا رهبانية فيه، ولذلك فكل من يعيش في المجتمع الإسلامي، حتى ولو لم يكن مسلما، له رأي وله حق الاجتهاد، لا وجود، في الإسلام لجماعة من الناس تعطي قانون الإيمان كما في المسيحية، الشهادة عندنا هي قانون الإيمان لا غير، إن الأساس هو استعداد كل طرف من الأطراف للشروع في الحوار من خلال أن الجميع له الحق في الاختلاف.

حركة التمرد القادمة للميدان بالتوقيعات هي ثورة في ثورة. واستباقا لما لحق الثورة من مسخ وسرقة وتأكيد الدور الشبابي للثورة. الشلل الذي عرفته الثورة في السنة الأولى ترك انفلاتا أمنيا واجتماعيا لم يسبق أن عاشتهما ثورة في التاريخ. ملامح التغيير غائبة على أمراء الفوضى يؤثثون المشهد الاجتماعي.

لن نسمح بخريف الثورة على أبوابنا.... وسيكتمل الحلم مرة أخرى بأصوات المتمردين الجدد يوم 30 يونيو بميدان التحرير.. لنقول للعالم إننا هنا صامدون... لن نحترق بنار الانتهازيين والعواجيز ليسرقوا ثورتنا.... وإن على هذه الأرض الطيبة ما يستحق أن يعاش.

جرس التغيير يدق قويا في ميدان التحرير من جديد ويعلن للعالم أجمع أن الثورة لن تصاب بمرض الخرف الذي حاول البعض حقنه بها حتى يستفردوا بهذا الحلم الجميل الذي سرقوه بوضح النهار من دماء زكية كتبت ملحمة الاستشهاد.

أقول أخيرا كما قال الثائر تشي جيفارا:
"إن من يعتقد أن نجم الثورة قد أفل فإما أن يكون خائنا أو متساقطا أو جبانا، فالثورة قوية كالفولاذ.. حمراء كالجمر.. باقية كالسنديان.. عميقة كحبنا الوحشي للوطن".
الجريدة الرسمية