رئيس التحرير
عصام كامل

فتوى منع أموال "الزكاة " على غير المسلمين باطلة!

المثير في الأمر أن كثيرا ممن دافعوا فجأة عن ابن تيمية باعتبار أنه ظلم وأن فتاواه بنت زمانها.. هم أنفسهم من سارعوا للدفاع عن فتوى أمين لجنة الفتوى بدار الإفتاء التي نقلها كاملة من اجتهادات مر عليها أكثر من ألف عام! - كان يمكنه وضع أسطوانة صوتية طالما لا جديد يقدمه- ولم يقولوا إن هذا الكلام ابن زمانه!! ولا حول ولا قوة إلا بالله!

 

لكن.. هل هناك متغيرات تتطلب بالفعل اجتهاد جديد يخالف آراء الأقدمين من عدم جواز إنفاق الزكاة علي غير المسلمين؟ الإجابة نعم وبشدة.. وقبل أن نذكرها نقول إن القرآن الكريم هو النموذج في الدقة يقاس عليه وينقل عنه، والأمثلة على ذلك كثيرة جدا ولكن واختصارا فتخصيص الأحكام في القرآن واضحة وضوح الشمس..

 

ففي الأخلاق العامة نلمح استخدام القرآن مصطلح "يا أيها الناس" كقوله تعالى "يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ" وقوله "يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ " وقوله "يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ " والجميع يعرف ن القرآن عند تكليف المسلمين بتكليفات شرعية استخدم مصطلح "يا ايها الذين امنوا" كقوله "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ" وقوله "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا"، وقوله "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا"..

 

اقرأ أيضا: أغلقوها كاملة حتي العيد ثم افتحوها كاملة للإنتاج!

 

ثم يلاحظ آيات تخصيص الأحكام وتحديدها تحديدا محكما لا لبس فيه ومنها قوله "يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِي " ومنها "يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاء" وقوله "وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِن رِّجَالِكُمْ ۖ فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ " وقوله "وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيل" فضلا عن آيات المواريث محكمة التحديد..

 

وهكذا اختصارا يحدد القرآن كل شيء إن أراد تحديده.. أما في آية الزكاة والتي أسماها القرآن الصدقات تقول الآية بشديد الوضوح "إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ ۖ فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيم".

 

ويلاحظ أنه سبحانه لم يقل يا أيها الناس، ولم يقل يا أيها الذين آمنوا.. لأنه يؤسس في الرسالة الأخيرة للبشرية للمجتمع الواحد الذي يسع الجميع ولذلك يقول في آية أخرى "وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا " ولا يكون الأسير إلا غير مسلما.. وهنا سيقول أحدهم هذا في الصدقات.. وليس في الزكاة ونرد: لو شاء لحدد كما حدد كل شئ في الآيات التي ذكرناها وغيرها!

 

اقرأ أيضا: أخطاء المواجهة الإعلامية لـ"كورونا" !

 

بقي القول إن متغيرات العصر جعلت غير المسلم شريكا في الدفاع عن الوطن.. فكيف يكون بند "في سبيل الله" علي المسلم وحده؟ هل نشتري دبابة للمسلم وحده بحجة إنها من أموال الزكاة وغير المسلم لا؟ ثم بند عابر السبيل هل عندما يذهب جزء من الزكاة لرصف طريق نقول لغير المسلم عليك بطريق آخر لأن هذا الطريق من أموال الزكاة ؟! أي فهم هذا لآيات كتاب الله العزيز الحكيم!!

 

كل ما قلناه لم نقل فيه إن المذهب الحنفي يبيح استفادة غير المسلمين من الزكاة ونحن علي المذهب الحنفي في مصر! وكل ما قلناه ليس فيه موقف سيدنا عمر مرة عندما قال لعامل بيت المال معاتبا إياه من شكوى يهوديا "انظر هذا وضرباؤه" أي وأمثاله "متى أكلتم شبيبته ثم تتركوه عند الهرم" أي تستفيدوا من شبابه وتتركوه عند الشيخوخة.. ولا نتصور أن بيت مال المسلمين كانوا يجنبون أموال الزكاة عن أموال الصدقة.. الصدقة أصلا فردية ومن شخص لشخص ولا نفهم إلا إن اليهودي سيحصل علي أموال من بيت مال المسلمين وهو من أموال الزكاة!

 

كل ذلك ولم نقل لك إن بند "المؤلفة قلوبهم" في الآية ألغاه سيدنا عمر بالكامل قائلا إنه شرع عندما كان المسلمون ضعفاء!! مستوعبا روح النص وليس النص نفسه.. وكان ذلك بعد سنوات قليلة من وفاة الرسول عليه الصلاة والسلام بسنوات قليلة فما بالكم بتطور الدنيا والمجتمع ومرور 1400 سنة على هذه الاجتهادات السابقة؟!

 

اقرأ أيضا: العدوان على الصين!

 

ليس علينا إلا أن نجتهد كما اجتهد الأولون.. لا أن ننقل منهم حرفيا.. ولا نتذكر إلا قول الرسول الكريم "من اجتهد وأصاب فله أجران ومن اجتهد وأخطأ فله أجر واحد" ولا نقول إلا كما قال أبي حنيفة الإمام الأعظم مؤسس مدرسة العقل في فهم الإسلام العظيم -التي تركها أمين لجنة الفتوى لمدرسة النقل- حين قال "هذا رأينا فمن جاءنا بأحسن منه قبلناه"!

الجريدة الرسمية