رئيس التحرير
عصام كامل

الطيب صالح يكتب: أمي الحنان الذي لا يعوض

الطيب صالح
الطيب صالح

  فى مجلة اليمامة السعودية عام 1990 تحدث الأديب السودانى الطيب صالح (رحل 2009) عن والدته بمناسبة عيد الأم فكتب يقول:

أنا من بشر النبي خضر أمه بأنها ستحمل بين ضلوعها طفلا اسمه الطيب فأصبحت الطيب صالح، 17 عاما هو الفارق العمري بينى وبين أمي، تزوجت وعمرها صغير جدا، فقدت اثنين من قبلى، وتحدت جدي القوي الصارم حين صممت أن تختار لى اسم الطيب، وقالت إنها حلمت أن النبى الخضر أعطاها خرزة زرقاء وبشرها بغلام يكون اسمه الطيب، اى معافي صحيح الجسم .

كنت أناديها باسمها عائشة، ولم أقل يوما لها يا أمي، عندما كنت أسير بجانبها في الطريق كان الجميع يعتقدون أنها أختي، وعلاقتي بها لم تكن علاقة أم بابنها، بل كانت علاقة أخوة وصداقة.

اتذكر وجهها الضحوك وذاكرتها الحديدية وصوتها الجميل عندما تشدو به عاليا لقصائد مدح الرسول صلى الله عليه وسلم، كانت تحفظ هذه القصائد عندما يأتى المداحون إلى قريتنا فى شرق السودان، لم تتعلم القراءة والكتابة رغم أن عائلتها من قبيلة "الركابيين "وهم رجال عرفوا بنشر العلم فى السودان، رغم أن العائلة كان لها كتاب للحفظ خاص بها إلا أنهم لم يجدوا ضرورة لتعلم البنات .

اثناء دراستي في لندن كنت أحضر إلى السودان مرتين في السنة لم أكن أفارقها دقيقة واحدة، ولا أعرف لماذا كان يمضي الوقت سريعا رغم أننى كنت فى إجازتى متفرغا لها، وبرحيلها عرفت معنى الفقد وتذوقت مرارة الخسارة والحرمان.

فقدت صديقا عزيزا حميما برحيل أمي “ياه كان يوم عصيب لم أكن موجودا بالسودان حيث كنت أعمل فى لندن، جاءنى صوت أخي حزينا من قطر فشعرت بمرارة أتذكر مذاقها فى هذه اللحظة التى أكتب فيها”.

حملت أحزاني معى الى السودان، لكن كان كل شئ قد انتهى، ولم يطفئ نار فراقها سوى كلام أختي عن روحها التى صعدت عاليا بسهولة، وهي مبتسمة رغم أنها تجاوزت الثمانين من عمرها دون أن يصيبها مرض.

أول تعليق من حمادة هلال على أغنيته الجديدة "ست الناس”

منذ ذلك اليوم وأنا أخشى الموت خاصة عندما يصلني خبر عن رجل كبير أو سيدة مسنة أنهم امتداد للماضي، وكلما يموت أحد من هؤلاء الكبار أشعر أن الخيوط تربطني بالجذور وتتقطع معه، فهؤلاء الناس وليست أمي فقط هم مستودع من الرحمة والخبرة والحنان الذي لا يعوض ..وآه يا أمي.

الجريدة الرسمية