رئيس التحرير
عصام كامل

الدولة الوطنية في مواجهة الثورات العربية الجديدة


حق الشعوب أن تعيش في دول لها سيادة، والسيادة هي الضمانة الأولى لتحقيق الديمقراطية الحقيقية، والمواطنة دون تمييز ديني أو طائفي.. ولعل المتغير الأهم في حركة ثورات الشعوب العربية، هو إسقاط المشاريع العابرة للوطنية تحت مسميات دينية أو مذهبية.. والتأكيد أنه لا ديمقراطية في ظل مؤسسات دولة ضعيفة.. ولا حرية للشعوب في ظل ضعف ورخاوة الدولة الوطنية.


ثبت أن المحاصصة جعلت الطائفة قبل الوطن.. فسقط المواطن العراقي واللبناني ضحية صراعات طائفية لم ترى مصالح الشعوب.. وفى السودان كان حكم جماعة الإخوان الإرهابية.. أكبر إثبات على ديكتاتورية الجماعة عندما تسيطر على أمة.. فلا ترى إلا نفسها ولو على حساب الوطن.. فأفقرت الشعب السوداني.. وأدت طائفيتها إلى إحياء الصراع الطائفي في السودان.. والذي تسبب مع عوامل أخرى لانفصال جنوب السودان.

كذاك فإن الديمقراطية بدون أسس دولة حقيقية ومؤسسية ليست إلا صراع عدم لا ينتج عنه أي تحسن في المعيشة، وكذلك فإن البناء الديمقراطي المستقر يحتاج إلى بناء مؤسسي حكومي متماسك.. وأن العدالة الاجتماعية لا تتحقق في ظل المحاصصة والطائفية.

استوعبت الشعوب العربية دروس موجتي الفوضى والإرهاب التي جرت برعاية خارجية والتي حاولت السيطرة على حراك الجماهير العربية خلال السنوات الماضية.. جاء ذلك واضحًا عبر الميليشيات التركية الإخوانية والإيرانية في قلب المعادلة السورية والعراقية، وكذلك عبر جيوش حلف الناتو في ليبيا.. وقبلها بسنوات في 2003 جاء احتلال العراق وتدمير مؤسسات الدولة فيه.. وقبلها بعقود ثلاثة في أجواء الحرب الأهلية اللبنانية.. والتي أنتجت إنشاء دولة الطوائف والمحاصصة.

حوصرت ثورات الشعوب العربية بموجات من التدخل الخارجي في شئون الدول العربية.. استهدفت تحويل مسار الثورات إلى فوضى شاملة.. فالتركي الذي استغل الإخواني كمعبر لمشروعه القومي العثماني.. والميليشيات الطائفية التي تدعمها إيران في المنطقة العربية.. تحولا إلى وقود النزاع الرئيسي في طول المنطقة العربية وعرضها.. وجوهر المشكلة.. أن كلا البلدين بطموحاتهما القومية.. هم وكلاء عن قوى دولية وضعتهم كجزء من صراع أحلاف دولية.. واستهلكتهم في معارك الفوضى الجارية في منطقتنا العربية.

إن المشاريع التي أرادتنا أشياعًا متصارعة بدلًا من أمم لها مشاريع تنمية وطنية تجمع تحت يافطة المواطنة كل أبنائها، وتصنع مستقبلًا تكون فيه الشعوب العربية أكثر قدرة على تشكيل مناعتها القومية والوطنية، وفق انتقال تنموي يبنى أسس واضحة للديمقراطية بديلا عن الفوضى.. والمواطنة بديلا عن الطائفية والمذهبية.. والحرية الوطنية للشعوب بعيدا عن كل أشكال انتهاك السيادة.

فالدول التي تعيش لحظات الانتقال من الإصلاحي إلى المواطنة والديمقراطية.. يجب أن يتم في ظل الدولة الوطنية.. وفى ظل وعي نخب جديدة لديها طموح الانتقال بتجرد من مراحل التبعية واختراق السيادة الوطنية إلى مراحل البناء الديمقراطي المؤسس على مجتمعات لا تشوبها الفوضى.

فهمت الشعوب العربية.. أن مشاريع ما يسمى الخلافة ومشاريع الطائفة والمذهب.. ليست إلا مشاريع وكلاء إقليميين.. همهم الأول هو السيطرة على مقدرات الشعوب وعلى مستقبلها.

استوعبت الشعوب العربية.. أن تلك المنطقة لن تقوى إلا باستعادة الدولة الوطنية.. وان مشروع التنمية العربي الشامل لن تحققها الميليشيات أو الطوائف أو الفوضى. وصلت الشعوب العربية إلى حقيقة أن التكامل الإقليمي لن يتحقق إلا بنماذج تنمية عربية تحفظ للعربي حقه وسيادته في بلده.. فتصبح مشروع تنمية شامل ومتكامل.

إننا نعيش اليوم حالة الأمة التي تتكشف لها شعبيا زيف الشعارات التي تم ترسيخها ودمجها منذ حقبة الاستعمار، مرورًا بالحرب الباردة ووصولا إلى مشروع الشرق الشرق الأوسط الكبير. ايقن العرب عن تجربة بأن نماذج الديمقراطية المفروضة خارجيا أو عبر الطوائف والمذاهب والفوضى ليست إلا وسيلة من وسائل استدامة الفوضى وتطبيعها.. لا تنمية بدون دولة.. ولا ديمقراطية بدون سيادة وطنية.. ولا عدالة اجتماعية بدون مواطنة.

*عضو تنسيقية شباب الأحزاب
الجريدة الرسمية