رئيس التحرير
عصام كامل

الأوبرا تهمل ميلادها 150 وتحتفل بمنى عمره 31 عاما!


هل نحن نعترف بأن الثقافة أمن قومى؟ هل نؤمن فعلا بأنها القوة الناعمة وعن طريقها يتم التغيير والتأثير دوليا في محيطنا الإقليمى أو محليا في مواجهة كل تطرف حادث في المجتمع؟


الجميع متفق على تراجع الثقافة وتأثيرها في المجتمع! ولكن ربما الأغلبية الكاسحة لم تحاول معرفة الأسباب الحقيقية لهذا التراجع الرهيب الذي جعلنا نشعر بأن الأمن القومى خسر أحد أهم عناصره أو أدواته المدافعة عنه بقوة وإيمان، وكما سبق أن قلنا إن الثقافة في فترة الخمسينات والستينات كانت أحد أهم أدوات التغيير في المجتمع، ازدهرت السينما، المسرح، الفن التشكيلى، الموسيقى، الكتاب، الترجمة، في القاهرة، والأقاليم..

حيث انتشرت الثقافة الجماهيرية في القرى، وانتشر معها المبدعون في كل مكان، وتم إنشاء أكاديمية الفنون، معهد السينما، وتوج هذا لنجاح بإقامة أول معرض للكتاب –معرض القاهرة الدولى للكتاب- ليس في مصر فقط ولكن في عالمنا العربى وأفريقيا وآسيا، في ذلك الوقت كان للثقافة قوة تأثير، وأصبح الأدباء المصريون وفنانوها نجوم العرب، واللهجة المصرية هي الوحيدة التي يعرفها العرب من المحيط إلى الخليج بفضل السينما المصرية والفنان المصرى..

وازدهرت معها الثقافة العربية، وأصبح عبدالوهاب البياتى أو نزار قبانى أو الجواهرى أو الفيتورى أو عبدالوهاب الدوكالى أو فيروز أو صباح..إلخ نجوما في عالمنا العربى!

كانت الثقافة تجمع كل عناصر الإبداع وكانت الدولة ترعى وتدعم دورها المهم كأحد أهم خطوط الدفاع عن الأمن القومى المصرى والعربى، عندما حدثت نكسة يونيو 67، كان لصوت المثقفين ينادى بالثأر وأيضا بمحاسبة المخطئ، وتبشر بالنصر الأكيد لأمتنا العربية بقيادة مصر الريادة والقدوة، وكان فؤاد حداد والأبنودى وأحمد شفيق كامل، وأصوات حليم وفريد وأم كلثوم ومحمد حمام وشادية وفايزة يشد الحيل، يرفع من روح الشعب بعد الهزيمة، ويبشر بالثأر، وجاء انتصار أكتوبر فرصة عظيمة من إعلاء قيمة الثقافة بعد دورها من شحذ الهمم قبل وأثناء الحرب..

إلا أنه حدثت نكسة ثقافية وتحولت مصر للغرب والصلح مع العدو الصهيونى، وحدثت كارثة عندما اشترك العدو الصهيونى في معرض الكتاب عام 1981 بأمر من الرئيس "السادات"، ودفع الشاعر الكبير "صلاح عبدالصبور" حياته ثمنا لهذه المشاركة، لكونه المسئول ودخل في نقاش مع أصدقائه وأصيب بأزمة قلبية ورحل فورا بسببها، ومع رحيل "السادات" وتولى "حسنى مبارك" رئاسة الجمهورية كان وزير ثقافة على مدى ربع قرن، هو "فاروق حسنى"..

وبالرغم من اهتماماته بالآثار والمتاحف إلا أن المهرجانات والاحتفاليات أصبحت هي السمة الأساسية لوزارة الثقافة، ومع الاهتمام بتحييد المثقفين، وغياب الرؤية مثلما كانت عند فتحى رضوان أو ثروت عكاشة أو حتى منصور حسن مما أدى إلى تراجع دور الثقافة، حتى وصلنا الآن إلى أسوأ منحنى منذ ثورة 52..

والآن الأوبرا المصرية أكملت عامها 150 سنة وبدلا من الاهتمام بهذا التاريخ المهم يحتفل البعض بعيد إنشاء مبنى المركز الثقافى، ونطلق عليه الأوبرا بـ31 سنة، وهى فضيحة بكل المقاييس! أين عيد الأوبرا 150 وعيد افتتاح قناة السويس 150 سنة؟ نحن في حالة من الغياب والجهل والتخلف لم نشاهدها في تاريخنا.

كتبت على صفحتى "فقدت الثقافة المصرية الكثير عندما تحولت إلى مهرجانات واحتفاليات يتأنق فيها الفاشلون والفاسدون!" فإذا بردود فعل فاقت توقعى، من زملاء صحفيين أو من سبق وكان أحد عناصر الثقافة أو الإعلاميين أو الأهم المهمومين بقضايا الوطن، كتب الصحفى الكبير بأخبار اليوم محمد درويش: بالفعل يحدث الفقد عندما يتأنق الفاشلون والفاسدون في حياتنا الثقافية!

أما الشاعر الكبير ورئيس قناة النيل الثقافية الأسبق "جمال الشاعر"فيقول: صدقت يا صديقى العزيز! أما الفنانة الدكتورة "رانيا يحيى" الأستاذة بأكاديمية الفنون فتقول: صح جدا.. أين الثقافة المصرية!!؟ ومن أهلنا العرب كتب "محمد الفضيل جقاوة": ياسيدى كل الوطن العربى في الوحل، كانت مصر تعطينا بصيصا من الأمل وفقدناه!

المثقف د. محسن رجب : أوجزت فأحسنت فأصبت الهدف، مشكلة الحياة الثقافية بمصر غياب اهتمام الدولة فبالتالى قل المبدعون ولا أريد أن أقول اندثروا! أما الشاعر "عبده الزراع" فيقول: صدقت والله! أما الأديبة الناقدة "منى ماهر": الوضع أصبح حاجة تقرف! الكاتب "محمد الشافعى" قال: الثقافة أصبحت مثل أغانى المهرجانات بالضبط!

الأستاذ "منير الركابى": يضاف إلى هذا غياب حرية التعبير والتغيير للأسف! أما الشاعر وأحد أبطال انتصار أكتوبر "سعد زغلول" قال: كلام كبير ولكنه واقع! الشاعر "سفيان صلاح" يصف تراجع أندية الأدب وأمانة العامة والصالونات! وأكثر ما يؤلم في كل هذه الآراء ما كتبه الصديق والرجل الوطنى الرائع د. سعد الزنط: المهرجانات والاحتفاليات خاصة ذلك بأموال الشعب وبلا ضمير!

وسؤالى مرة أخرى : لماذا نتجاهل مناسبة لن تتكرر الأوبرا المصرية أكملت عامها 150 سنة؟! أين عيد الأوبرا 150 وعيد افتتاح قناة السويس 150 سنة؟ فضيحة بكل المقاييس! نحن في حالة من الغياب والجهل والتخلف لم نشاهدها في تاريخنا.
تحية لروح 120 شهيدا من أبناء مصر دفنوا في الصحراء أثناء شق قناة السويس التي ننعم بملياراتها الآن!
تحيا مصر.. تحيا مصر!
الجريدة الرسمية