رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

اغتيال مروءة "محمود البنا"


من يريد أن يرى كيف تم اغتيال المروءة على عتبات بيوتنا يبحث عن "محمود البنا". هذا الصبي النبيل الذي تم اغتياله بعقلية القزم الديكتاتوري الابن الضال لسلطة مجتمعية غاشمة مقلدة كل ما هو مشين. كنت في مثل عمره عندما وقعت حادثة فتاة العتبة التي اغتصبها بعض الحيوانات البشرية في أتوبيس نقل عام داخل محطة العتبة.


كانت صدمتي الأكبر التي لم أفهمها، كيف تم هذا وسط الناس؟ ولماذا أصلا يحدث هذا القبح؟ وبارت أمام عيني سلعة الدروس الأخلاقية والبطولات العربية - التي طالما تلقيتها في المدرسة والبيت- المغلفة بالطابع الديني عن المروءة والشهامة ونجدة الضعيف والمستغيث. وبقيت المعضلة بالنسبة لي تلك الإشكالية في جريمة تحدث" وسط الناس"!

وما زال السؤال المقلق، كيف يُذْبَحُ صبي أمام الناس ويجري في الشارع العام أمام عيون أصحاب المحال على الصفين يستغيث بالمروءة لعل أحد ينقذه ويرد له جميل مروءته مع الفتاة، وتصديه لحيوان بشع في هيكل بشري ذميم يعتدى عليها بالضرب والإهانة. كيف استشهد الصبي؟ ولماذا لم تتحرك مروءتنا المجتمعية من قبل في خلق جيل يكون مثل هذا الصبي لحمايته لا لقتله؟

أعتقد أن تفسير "خنوع وسط الناس" يرجع إلى شتات وطن نراه كل يوم في تناحر وتقزيم على أغلب الأصعدة الدرامية، والألعن أن الناس نفسها هي من ترتكب هذا الجرم في حق الوطن بداية من السكوت أمام أفعال البلطجة الدينية والسياسية والاجتماعية التي يلخصها الصمت والتعامي عن إنقاذ أي مستغيث بل نلقي عليه المسئولية من نوعية"إيه اللي وداها هناك" أتتذكرون؟ والقائمة طويلة على المستوى العام للمجتمع في إجهاض أي حق لقول الحق والتدليس في إبداء الرأي والاجتهاد في تمييع أي قضية.

قضية هذا الصبي النبيل هي قضية وليدة قضايا أعقد تركناها تتكرر بشكل مأساوي، ونمر عليها مجتمعيا مرور العميان فاقدين الحس والمعنى حتى اللفظ بات هو الآخر لفظ مظاهرات سرعان ما يتناسى مع مرور الوقت إلى أن يتجدد المعنى في كارثة أخرى.

الوطن بحاجة إلى مثل هذا الصبي النبيل يحمل بين عينيه وسامة الغد وعقل يتصدى لعناكب الدنيا والدين بوعي وبقوة. حرام أن يموت الصبي وقضيته بلا تحقيق ما كان يطمح إليه من عودة الحق والنور والخير والشجاعة وقول الحق في عين الغول. إن تركنا حقه يموت بيننا فسنموت خلفه جميعا بنفس الغدر الذي تعرض له.

وخلاصة القول، ما حدث أراه ردة مجتمعية لزمن ما قبل التحضر، وحاضر غارق في كل السمات المتناقضة لكل القيم الحميدة. إن شيوع السلبية والإصرار على المضي في مسار الخنازير فاقدة الحس سيهلك مجتمعنا، وستغتال فينا المواقف الإنسانية المطلوبة والضرورية للحياة الكريمة.
فلا تستهينوا بمكر (ن ۚ وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ)..
Advertisements
الجريدة الرسمية